لكن الغريب في المسألة، أن يستوي اليساري واليميني المتطرف في السلوك نفسه وكأنما اتفقا على مصلحة واحدة مقرّها الرياض. وعليه ظهر كل هؤلاء على خطوة واحدة، يسيرون خلف القادة الذين سبقوهم إلى هناك في تطابق لافت مع فكرة «القطيع» نفسها التي كانوا ينتقدونها في الأيام الخوالي.
هكذا قلتُ «شكراً للعدوان» الذي كان سبباً في جعل حياتي خفيفة، بعدما أسقطت عن كاهلي كل تلك الأثقال البشرية التي كانت تُعطل سيري في الحياة باسم الصداقة التي لا تميّز بين الخبيث والطيّب. ها أنا اليوم أستعيد حياتي.
(2)
تقصف الطائرة ليلاً، تقصفنا مثل كل ليلة، ثم تعود إلى بيتها في «اﻷرض الحرام». أحياناً تبقى تطير في سمائنا من دون قصف فأبقى داخل القلق المُضاعف، لأن وقوع القصف أهون من انتظاره، كذلك إن حصول الموت أرحم من انتظار الوقت كي يأتي. تقصف الطائرة وتعود سريعاً إلى قاعدتها لينهض الناس من نومهم على نحو مفاجئ. يخرجون من بيوتهم التي لا تزال صامدة، ويذهبون إلى البيوت التي طاولها القصف وصارت تراباً يبحثون تحت ركامها عن أحياء. هي محاولات لا يكتب لها النجاح دائماً مع حقيقة استحالة وجود أحياء من الأساس. ومع ذلك يقوم الناس بمحاولاتهم بدافع من روابط العِشرة والعيش والملح. يفعلون ذلك وكأنهم يقولون لأنفسهم: «لقد أدّينا واجبنا»، فلا يقعون في مأزق تأنيب الضمير.
في واحدة من ليالي القصف تلك، نجحوا في إخراج جثة امرأة كان لافتاً أنها ترتدي كامل ثيابها. تلك الثياب التي تُطابق ما ترتديه النساء عادةً عند خروجهن من بيوتهن إلى السوق أو لزيارة أقارب. هي تلك الثياب التي ترتديها المرأة، أيّ امرأة في هذه البلاد المُحافِظة حين تقرر الخروج من بيتها. ترتدي ثياباً لا تكشف منها شيئاً سوى عينيها عبر فتحة تساعدها على تأمّل خطواتها على الطريق.
كتب طالب صنعاني على «فايسبوك»، أن والدته الطاعنة في السن أخبرته عبر الهاتف أنها أصبحت تذهب للنوم وهي ترتدي كامل ملابسها. «أشتي (أريد) أموت مستورة» قالت لابنها. لقد صارت كل أماني هذه السيدة أن تموت «مستورة» وألّا ينكشف أي جزء من جسدها أمام عيون غريبة حين يأتون لرفع التراب عنها وقد صارت جثة تحت ركام بيتها. ترتدي كامل ثيابها قبل النوم حتى لا ينكشف جسدها ويقع عقاب الله عليها يوم الحساب.
هل ستعاقبها يا الله؟