خلافاً لما ظهر إلى العلن في خلال الأيام القليلة الماضية، لا يبدو أن قضية «صافر»، الخزان النفطي العائم قبالة ميناء الحديدة، تسلك طريقها إلى الحل، شأنها في ذلك شأن بقية الملفات التي لا تفتأ تزداد تعقيداً. وعلى رغم النبرة المتفائلة التي تحدّث بها أمس المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلا أن جميع المؤشّرات لا تزال تنحو باتجاه التصعيد، وخصوصاً في ظلّ استمرار سياسة المجازر والحصار.
ويسود العاصمةَ صنعاء تشاؤمٌ حيال تطبيق الاتفاق المتّصل بـ«صافر»، والذي ينصّ على إفساح حكومة الإنقاذ المجال أمام فريق خبراء دوليين للوصول إلى موقع الناقلة المتهالكة ومعاينتها وإصلاحها، مقابل التعهّد بإفراغ حمولتها البالغة نحو 1.1 مليون طنّ من النفط الخام، تمهيداً لبيعها وتوزيع عائداتها مناصفة بين سلطات «أنصار الله» وحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي. هذا التشاؤم عزّزته وقائع الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي حول القضية يوم أول من أمس، حيث بدا أن الغاية من الاستنفار الأميركي ـــ البريطاني المستجدّ في شأن «صافر» هي تعزيز الضغوط على صنعاء، أكثر منه معالجة مشكلة متقادمة تمّ تنويمها لخمس سنوات على رغم التحذيرات الكثيرة من تسبّبها بكارثة بيئية ستكون الأكبر على مستوى المنطقة.
ومع أن الأميركيين والبريطانيين، ومعهم مسؤولو الأمم المتحدة، أسهبوا خلال الجلسة في الحديث عن «الخطر الداهم» الذي تمثّله الناقلة، إلا أنه لم يتمّ تحديد موعد لبدء إجراءات ترميمها، إذ اكتفى مساعد الأمين العام للمنظمة الدولية للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، بالإعراب عن أمله في أن يتمّ ذلك في «الأسابيع المقبلة»، وهو ما يغذّي شكوك «أنصار الله» في جدّية ما يُسمّى «المجتمع الدولي» في إيجاد حلّ للأزمة. ويوم أمس، أكد عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، أنه منذ موافقة صنعاء على استضافة الخبراء الدوليين «لم تقم الأمم المتحدة بالخطوة الأولى، وما زلنا ننتظر فريق الخبراء»، واصفاً التحذيرات التي تطلقها دول العدوان في شأن «صافر» بأنها «محاولة للتهرّب من تحمّلهم مسؤولية الكارثة التي صنعوها بخرقهم القانون، وبتصرّفاتهم الإجرامية بإعلان محافظة الحديدة وصافر هدفاً عسكرياً».
هذا التعقّد يكاد ينسحب على جميع ملفات الحرب، وعلى رأسها راهناً أزمة السفن النفطية التي لا تزال محتجزة من قِبَل تحالف العدوان قبالة ميناء جيزان. وهي أزمة لا يبدو ـــ إلى الآن ـــ أن الأمم المتحدة تنوي مغادرة الموقع المنحاز الذي اتّخذته حيالها، إذ أعاد غريفيث، أمس، تحميل «أنصار الله» مبطناً مسؤولية احتجاز السفن، باعتباره تلك الجريمة نتيجة لقيام سلطات صنعاء بـ«سحب الأموال التي تمّ جمعها في الحساب الخاص (بموظفي الخدمة المدنية في فرع البنك المركزي في الحديدة) بشكل أحادي في فترة سابقة من هذا العام». وبالعودة إلى الفترة التي تحدّث عنها المبعوث الأممي، يتبيّن أن حكومة الإنقاذ أقدمت بالفعل على صرف ما يعادل راتباً ونصف راتب لكلّ موظف ما بين تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وأيار/ مايو 2020، أي بعد حوالى ثلاثة أشهر من فتح الحساب الذي كان يفترض أن يُسدّ العجز فيه من قِبَل حكومة هادي. إلا أن الأخيرة دأبت على الامتناع عن ذلك، مقابل إصرارها على إبقاء إيرادات السفن الآتية إلى الحديدة في الحساب، والتحكّم بها كما تشاء وعلى نطاق محدود.
بموقفه المتجدّد أمس، يعمّق غريفيث فجوة الثقة بينه وبين قيادة صنعاء، التي بدا لافتاً أن مجلسها السياسي تجاهل، في اجتماعه يوم الثلاثاء الماضي، مبادرته المعدّلة لإحلال السلام في اليمن، والتي أعلنت حكومة هادي ـــ من جهتها ـــ رفضها لها باعتبارها «تنتقص من سيادتها وتتجاوز مهمّته» كما قالت. ومن هنا، لا يبدو مفهوماً إعلان المبعوث الأممي أن «المشاورات لا تزال جارية إلى يومنا هذا»، وقوله إنه «ما دام الطرفان مستمرّين في المشاركة في العملية، فستبقى الفرصة سانحة لتحقيق السلام في اليمن». فرصةٌ تكاد تكون معدومةً في ظلّ استمرار «التحالف» في تصعيد اعتداءاته على اليمنيين، والتي تَمثّل آخرها في مجزرتين مروّعتين ارتكبهما في محافظتَي الجوف وحجة. وارتفع، أمس، عدد ضحايا المجزرة التي أوقعها الطيران السعودي في منطقة المساعفة في مديرية الحزم في محافظة الجوف جرّاء استهدافه حفل زفاف إلى أكثر من 25 قتيلاً مدنياً بينهم رضيع لم يتجاوز عمره الـ 15 يوماً. وكان 9 مدنيين، جميعهم نساء وأطفال، قُتلوا يوم الأحد الماضي في غارة جوية في مديرية وشحة في محافظة حجة.
وبينما أعاد «التحالف» تكرار ادّعاءاته في شأن التحقيق في ما يسمّيها «شبهة وقوع مدنيين»، دعا المبعوث الأممي إلى «إجراء تحقيق شامل ويتّسم بالشفافية». لكن «أنصار الله» حمّلت على لسان الناطق باسمها، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، المنظمة الدولية المسؤولية عن هذه المجازر بفعل «إزالتها تحالف العدوان من لائحة العار، وتشجيعه على مواصلة جرائمه الوحشية بحق شعبنا اليمني». وتأتي الاعتداءات السعودية الأخيرة في وقت يواصل فيه الجيش اليمني واللجان الشعبية تضييق الخناق على مدينة مأرب، التي تستميت الرياض والقوى الموالية لها في وقت تتقدّم قوات صنعاء نحوها، وهو ما واكبه غريفيث ـــ كلامياً ـــ، أمس، باعتباره «استمرار الهجوم على مأرب أمراً غير مقبول»، و«تقويضاً لاحتمالات الوصول إلى سلام».