شقّ وابلٌ من الطلقات، المياه المحيطة بقارب الصيد اليمني الصغير الذي يحمل اسم «آفاق»، في مياه البحر الأحمر، بمدينة الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة اليمنية. دقّ ناقوس الخطر مع ظهور مروحية تحوم فوق قارب الصيد المذكور، لتظهر بعدها سفينة حربية توجّه بنادقها نحو القارب، قبل أن تخترق طلقاتها هيكله الخشبي الرقيق. تلك التفاصيل نقلتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، عن صيادين يمنيين.
وذكرت الصحيفة في مقال للكاتب، ديكلان والش، أن «أحد الصيادين أصيب بطلقة في عينه وأصيب آخر في رأسه، بينما اشتعلت النيران في محرّك القارب، فيما قفز أفراد الطاقم من القارب وكان من بينهم بشّار قاسم البالغ من العمر 11 عاماً».
وأضافت الصحفية، أنه «قبل دقائق من ذلك كان الفتى بشار يسحب الشباك من مؤخرة القارب، لكن بعد استهداف الأخير بدأ يجدّف بيديه كي ينجو بحياته وسط الحطام المشتعل والجثث الطافية والناجين المتشبثين ببراميل المياه الفارغة».
وقال بشار في حديثٍ للصحيفة، إن «السفينة الحربية توقفت عن إطلاق النيران مع رؤية القارب وهو يغرق داخل المياه»، لافتاً الى أنها «دارت حولهم عدة مرات لتتأكد من غرق القارب، ثم انطلقتْ بعيداً».
«لطالما ركّز النقد اللاذع لدور السعودية في الصراعات الطاحنة في اليمن على الحرب الجوية»، وفق ما تشير اليه الصحيفة الأمريكية، مضيفة أن «الطائرات المقاتلة التي تقودها قوات التحالف بقيادة السعودية والمحمّلة بالأسلحة والقنابل الأمريكية، قصفت تجمعات أعراس وجنازات وحافلة مدرسية، لقى على أثرها آلاف المدنيين مصرعهم».
وأكد والش، أن «رُحى حرب اليمن في البحر أيضاً، لكن مع وجود قدر أقل من المساءلة، ففي البحر، يلقى المدنيون أيضاً حتفهم وبأعداد كبيرة»، كاشفاً أن القارب «آفاق» لم يكن «سوى واحد من 6 قوارب صيد يمنية على الأقل قصفتها سفن حربية ومروحيات وطائرة مقاتلة بعد مغادرة ميناء الخوخة الخاضع لسيطرة قوات التحالف جنوب البحر الأحمر على مدار فترة امتدت لأكثر من 6 أسابيع في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول الماضي.»
وفي لقاءات أجرتها الصحيفة، أدلى ناجون بشهادات مروّعة لتلك المحنة التي عاشوها؛ كتلك «المروحية الهجومية التي درات فوق رؤوسهم 6 مرات قبل أن تمطرهم بوابل من الرصاص؛ والصيادين الذين قفزوا من القوارب المشتعلة ليجدوا أنفسهم وسط مياه مشتعلة، والناجين الذين ظلوا في المياه أياما متواصلة يشاهدون في يأس أصدقاءهم وأشقاءهم وهم يلقون حتفهم تحت الأمواج».
وأكدت الصحيفة، أن «من بين الصيادين البالغ عددهم 86 صيادًا على متن القوارب الستة، لقى 50 صيادا مصرعهم».
ويرى الكاتب أنه «من الصعوبة بمكان تحديد المتورطين في الهجمات البحرية لا سيّما في حرب تشوبها الفوضى والغموض كما هو الحال في حرب اليمن».
غير أن خبراء في الشؤون البحرية ومسؤولاً سابقاً في الأسطول الأمريكي ومحققين تابعين للأمم المتحدة وكثيراً من المسؤولين اليمنيين تحدثوا للصحيفة الأمريكية، عن اشتباههم في أن «قوات التحالف بقيادة السعودية مسؤولة عن بعض الهجمات على الصيادين، إن لم يكن جميعها».
ويشير والش الى أن الزوارق البحرية السعودية والإماراتية «تسيطر على مياه البحر الأحمر حيث وقعت عمليات القصف وإطلاق النيران، فضلاً عن أن 5 من هذه الهجمات استُخدمت فيها مروحيات لا تملكها حركة أنصار الله».
وفي إحدى المرات، دفع مسؤولون سعوديون، وفق ما تذكره الصحيفة، «ما يقرب من 500 ألف دولار نقداً لأُسَر الصيادين الذين لقوا مصرعهم في هذا الهجوم»، مشيرةً الى أنه «في هجوم آخر، اعتقل بحّارة تابعون لقوات التحالف 12 ناجياً واحتجزوهم في أحد السجون السعودية لمدة 3 أشهر، حيث ذكر الصيادون أنهم تعرضوا للتحقيق والتعذيب، وأُطلق سراح 8 من هؤلاء المعتقلين مؤخراً بعد أن حصل كلٌّ منهم على 1300 دولار من السعوديين الذين كانوا يحتجزونهم».
وتنقل «نيويورك تايمز» عن يعقوب عُقاد، 20 عاماً، توضيحه عقب عودته إلى اليمن إنه «وقف أحد الجنود لالتقاط صورة معنا في محبسنا»، قائلاً: ن«أسف إن كنا قد آذيناكم».
ويقول أحمد عبدالله، الذي فقد ابنه في الهجوم على قارب للكتاب، «الفارس»، للكاتب إن شيئاً واحداً سيشفي غليله وهو «الثأر"»، مشيراً البى أن «بعض الأشخاص في القرية تلقوا تحذيرات من المسؤولين المحليين أن يلزموا الصمت، لكنه لا يبالي بتحذيراتهم».
وفي تصريح صدر عن السفارة السعودية في واشنطن، أكّد المتحدث الرسمي باسم قوات «التحالف» العقي، تركي المالكي، أن سفينة تابعة لقوات «التحالف» قد فتحت النار على قارب يسمّى «الأنصار» وأسرت 12 صياداً، مشيراً إلى أن «طاقم القارب تجاهل التحذيرات الصادرة من سفينة حربية كانت ترافق ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر»،
وفيما أشار المالكي، الى أن «3 من الصيادين المحتجزين اتضح أنهم "إرهابيون حوثيون مسلّحون»، فإنه رفض العقيد الإجابة عن أسئلة وُجّهت إليه حول الهجمات الخمسة الأخرى التي وقعت بين تاريخي 1 أغسطس/آب و15 سبتمبر/أيلول التي قال إنها أحيلت للجنة التحقيقات الداخلية التابعة لقوات التحالف.
وأكد والش أنه رغم أن الدعم العسكري الأمريكي لقوات التحالف»« بقيادة السعودية في البحر ىأقل بكثير من الدعم الذي تتلقاه عملياتها الجوية، يظل هناك تعاون وثيق في عدة نواحٍ أخرى؛ فالولايات المتحدة تتبادل المعلومات الاستخباراتية مع القوات البحرية السعودية كما أنها قصفت محطات رادار تابعةلـ«أنصار الله».
علاوةً على ذلك، فالقوات البحرية السعودية تستخدم مروحيات أمريكية، وضبّاطها تلقوا تدريباتهم لدى إحدى الشركات في فيرجينيا». في حين أن بعض الهجمات التي شنتها قوات «التحالف» في البحر استُخدمت فيها طائرات عسكرية مزوّدة بقنابل أمريكية موجَّهة بالليزر، وكانت ناقلات أمريكية عملاقة تزوّدها بالوقود حتى الشهر الماضي.
من جانبه كان صرّح القائد جوش فراي، المتحدث الرسمي للأسطول الخامس الأمريكي، أن الولايات المتحدة تقدم «دعمًا محدوداً خارج نطاق العمليات القتالية لقوات التحالف البحرية بقيادة السعودية، مثل تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية ضد التهديدات للتصدي للهجمات على عمليات النقل البحري في البحر الأحمر».
وأضاف فراي أن «الولايات المتحدة ليس لديها أي علم بالهجمات على قوارب الصيد»، حسب تعبيره.