هل السعودية مسؤولة عن نشر كورونا في اليمن؟

اليمن أمام تحدٍ كبير في حال تفشّى كورونا، وهو امتحان إنساني يفرض تحركاً دولياً وعربياً وإسلامياً بالدرجة الأولى، لوقف العدوان ورفع الحصار وتمكين اليمن من مواجهة الوباء.

بعد الإعلان عن أول إصابة بفيروس كورونا في حضرموت جنوب شرق اليمن، باتت جميع الأطراف تتعامل مع الملفّ كحقيقة ثابتة. وبحسب المعطيات المتوافرة، فإن ارتفاع أعداد الإصابات ليس إلا مسألة وقت.

 ولأن اليمن يخضع لحصار بري وبحري وجوي، إلا من منافذ تشرف عليها السعودية، فقد تم استباق الانتشار المحتمل للوباء بتحميل الرياض المسؤولية الكاملة عنه.

لم يصدر هذا الموقف عن حكومة صنعاء فحسب، بل تجاوزها إلى عدن التي شهدت حراكاً شعبياً لرفض استمرار الرحلات العسكرية السعودية التي تحمل مئات المجنّدين ممن تم تدريبهم في أراضي المملكة، ويتم نشرهم في عدن لتعزيز القبضة السعودية، التي تستهدف بدورها إضعاف المجلس الانتقالي وإخضاعه بالكامل. 

مدير مطار عدن الدولي، وخلال مقابلة مع قناة "عدن" الفضائية، قال في سياق تبرير استمرار الرحلات، إن "الطائرات العسكرية لا تخضع لإدارة المطار ولا للجهات الرسمية، بل لقيادة التحالف من الضباط السعوديين".

 كشفت هذه التصريحات حقيقة هيمنة الرياض على عدن، بعد أن كانت خاضعة في السابق لسلطة أبو ظبي، وبالتالي فإن أي إجراءات وقائية قد تتخذها السلطات المحلية في المطار والميناء تبقى غير ذي جدوى ما دامت هذه الثغرة موجودة.

كذلك الحال في المحافظات الشرقية، فأغلب المنافذ البرية والجوية والبحرية ظلت مفتوحة، رغم المناشدات بإغلاقها مع تفشي الوباء. وبسبب ذلك التجاهل، تم الإعلان عن أول إصابة في ميناء الشحر في حضرموت، وقيل إن المصاب خالط أجانب دخلوا الميناء.

أما صنعاء، فتعيش حالة استنفار كامل بعد أن سمحت السعودية لآلاف المغتربين اليمنيين وأمثالهم من اللاجئين الأفارقة بالدخول براً إلى اليمن من دون فحوصات طبية. وتقدر الأعداد بقرابة 24 ألفاً وصلوا إلى المنافذ التي حولتها صنعاء إلى محاجر صحية، مع احتمال تضاعف هذه الأرقام خلال المرحلة المقبلة.

بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، يلحظ القصور الكبير في تهيئة تلك المحاجر الصحية بالمتطلبات اللازمة، وخصوصاً مع التكدّس الكبير واستمرار تدفق الآلاف بطريقة غير منتظمة. وفي ظل وضع كهذا، قد تعاني دول متقدمة ومستقرة في التعامل مع هذه الأعداد، فكيف باليمن الذي يعيش في ظل الحرب والحصار!

يمكن الحد من آثار هذا التدفق من خلال الرؤية التي قدمتها صنعاء، والتي دعت إلى التنسيق مع حكومة هادي بعيداً من الحرب الدائرة، باعتبار أن الوافدين الذين يصلون إلى مناطق سيطرة حكومة صنعاء، إنما يمرون أولاً عبر المحافظات التي تقع خارج سيطرتهم. 

حتى الآن لا يوجد أي تجاوب، وهو يعود إلى ضعف حكومة هادي التي لن تتخذ خطوة من هذا النوع من دون موافقة الرياض، والأخيرة لا تملك تبريراً لمنع هذا التنسيق، كما أنها مسؤولة عن تنظيم خروج الوافدين  عبر أراضيها، بدلاً من الدفع بهم من دون اعتبارات إنسانية.

كل ما سبق دفع صنعاء إلى الاعتقاد بأن السعودية تعمد لنشر كورونا في اليمن، وخصوصاً أن من بين المرحّلين قرابة 2000 معتمر. وقد ظهرت شواهد على أن العشرات من المعتمرين العائدين إلى بلدانهم يحملون الفيروس، علاوة على أن السعودية دولة موبوءة. وقد باتت في صدارة الدول العربية من حيث الإصابات، والتقديرات ترجّح ارتفاعاً كبيراً خلال الأسابيع المقبلة.

تدرك السعودية أنها ستتحمل جزءاً من المسؤولية مع انتشار كورونا في اليمن. لذلك، سارعت إلى الإعلان الشكلي عن وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين. هو شكليٌّ لأنه لم يطبق عملياً، فمنذ الإعلان عنه، شنَّت طائراتها مئات الغارات دعماً لزحف القوات الموالية في مأرب والبيضاء وجبهات أخرى. 

اعتبرت السعودية أن سبب وقف إطلاق النار يأتي حرصاً على تهيئة الظروف لمواجهة كورونا. وما يثبت أنها شعارات هدفها الهروب من تحمل المسؤولية وتجميل صورتها أمام الرأي العام، هو استمرارها في منع دخول سفن المشتقات النفطية والغذائية. والسنوات السابقة تؤكد أن من يستخدم سلاح التجويع لقرابة 20 مليون مواطن لن يكون حريصاً عليهم من كورونا، وهو نفسه من استمر في عدوانه وحصاره حين انتشر وباء الكوليرا.

تعتمد الرياض على الموقف الأممي الذي يضيف مساحيق التجميل إلى كل خطوة دعائية، فترحيب المنظمة الأممية بموقف السعودية لم يقابله استنكار لعدم توقف الغارات واستمرار الحصار، كذلك الصمت المطبق لمنسقة الشؤون الإنسانية ليزا غراندي تجاه عمليات الترحيل في ظل نظام صحي متهالك، بخلاف زميلتها منسقة الشؤون الإنسانية في أثيوبيا كاثرين سوزي، التي حذرت الرياض من ترحيل آلاف الأثيوبيين، لعدم قدرة أديس أبابا صحياً على استقبال هذه الأعداد.

بدورها، تقول منظمة الصحة العالمية إنها تبذل جهوداً كبيرة في توفير الإمكانيات اللازمة لمواجهة كورونا، بينما تؤكد صنعاء أن نسبة ما تم توفيره لا يقارن بما يتم الإعلان عنه، وهنا نتساءل: هل نحن أمام سرقة جديدة للأموال الممنوحة لليمن، كما عملت سابقاً منظمات الإغاثة، بنهب ما نسبته 80% من المساعدات، علاوة على إرسال مواد غذائية فاسدة ومستلزمات طبية منتهية الصلاحية؟

 أمام هذا الواقع، وبالنظر إلى الحرب التي استهدفت مختلف جوانب الحياة، بما فيها القطاع الصحي، كذلك البيئة الاجتماعية المطبوعة بالتقارب وليس التباعد، كما تحث الإرشادات الصحية، فإن اليمن أمام تحدٍ كبير في حال تفشى كورونا، وهو امتحان إنساني يفرض تحركاً دولياً - عربياً إسلامياً بالدرجة الأولى - لوقف العدوان، ورفع الحصار، وتمكين اليمن من مواجهة الوباء القاتل الذي أرهق دولاً كبرى مستقرة، فكيف ببلد يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم!

 

(بندر الهتار - الميادين نت)

آخر الأخبار