خاص | من الخطوط الأمامية إلى الحسم... ما بعد جولة الصمّاد

ظهر رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن صالح الصمّاد، في الخطوط الأمامية في جيزان، على مقربة كبيرة مما تبقى من ثكنات عسكرية سعودية مشتتة في المنطقة، خلال زيارة معايدة للمقاتلين من القوات المشتركة (الجيش واللجان الشعبية) ضمن جولة شملت عدداً من محاور القتال.


ولا يتبادر إلى الأذهان فور هذه الزيارة غير حديث القيادات العسكرية السعودية، ومن بينهم المتحدث باسم “التحالف” أحمد عسيري، عن اقترابهم   من صعدة معقل أنصار الله (عندما يتم الحديث عن أن صعدة معقل لأنصار الله فهذا يتوافق فقط مع ما قبل الثورة 21 سبتمبر 2014).


لا يتعلق الأمر هنا بكون الزيارة إثباتاً قطعياً بأن صعدة المحافظة والمدينة محمية ويستحيل الوصول إليها لعدة اعتبارات عسكرية وسكانية وثقافية فحسب، بل كانت رسالة أن المعادلة العسكرية التي فرضتها القوات اليمنية تجاوزت إسقاط أي تواجد عسكري سعودي يتمتع بالقوة ومنع تموضعه في المنطقة إلى ترتيب وضع آمن لصالح الجيش واللجان الشعبية داخل جيزان ونجران وعسير، بحيث يستطيع رئيس المجلس السياسي الأعلى زيارة المنطقة والتجول فيها برفقة قيادات عسكرية في وضح النهار، والأمر الآخر إشارة الى أن جبهات التماس مع القوات السعودية التي هي بالحقيقة باتت خليط من المقاتلين السعوديين والمرتزقة الإقليميين، من بينهم  سودانيون ومن البحرين والإمارات، بالإضافة إلى مرتزقة من بعض المحافظات اليمنية الجنوبية، ستزداد تصعيداً.


تصريحات الصماد خلال الزيارة وحديثه مع القوات اليمنية المنتشرة على الحدود، والتي ركز خلالها بشكل ملحوظ على أن هذه المعركة هي الأهم بالنسبة لمواجهة العدوان السعودي الأمريكي، واعتبار مواجهة السعودية انطلاقاً من هذه الجبهة هو مفتاح كسر العدوان باعتبارها اليد الأكثر إيلاماً للسعودية، تؤكد أيضاً أن الايام المقبلة ستكون سوداء على الجنود السعوديين والوجود العسكري السعودي.


يجب التأكيد هنا أن معايير الحرب والغلبة في مواجهات الحدود تلغي معها الإمكانيات السعودية العسكرية المتطورة وسلاح الجو والرصد الحراري وكثير من التقنيات العسكرية غير المتكافئة، بعد أن تمكن الجيش واللجان الشعبية اليمنية من فرض معادلة جديدة والإعتماد على الانتشار السريع بأعداد قليلة وأسلحة فردية واقتحام المعسكرات السعودية ومن ثم إنهاء أي بنية عسكرية في الموقع والمعسكر الذي يتم اقتحامه وتسويته بالأرض وتفجيرها بحيث يصعب عودة الجنود السعوديين والتموضع مجدداً والتحصّن داخل المواقع التي يخسرونها، وهذه العملية شكلت نقطة تحول في المواجهات وأربكت الجيش السعودي.


معلوم أن عملية التحصّن والبناء وتجهيز رقابات للجنود يتحاج إلى وقت زمني طويل، ومن الصعب تنفيذها في ظل العمليات العكسرية المتتالية، وبالتالي يصبح التواجد السعودي شبه مكشوف والإعتماد على الخيام لا يمثل أي تحصين وحماية من القذائف التي تستهدف تلك المواقع، بالإضافة إلى ذلك تعتمد القوات اليمنية على الكمائن ورصد تحركات وتجمعات الجنود السعوديين واستهدافها من مناطق متنقلة من الصعب على الجنود السعوديين وسلاح الجو السعودي تحديدها، يأتي بعد ذلك استخدام القناصة.


هذا النوع من المواجهة يكلف السعودية أعداد مهولة من الجنود الذين يقتلون في جبهات مفتوحة على مساحة مئات من الكيلوات، وهو ما دفعها إلى استقدام مجاميع كبيرة من المرتزقة ودفعهم إلى المقدمة وإيكال الجيش السعوديين عمليات الإشراف والإمداد وتسيير دوريات محدودة غالباً لا تنجو من الكمائن المحكمة، أضف إلى كل ذلك الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي تخدم الجيش واللجان الشعبية بدرجة كبيرة وتصعّب من مهام الطيران الحربي السعودي.


هذه المعادلة العسكري دفعت بالسعودية في 2009-2010 إلى إيقاف تدخلها العسكري المساند لقوات الرئيس الأسبق على عبد الله صالح حينها، وهي الآن أضعاف ما كانت عليه إمكانية وتقنيا وخبرة .
 وعلى الرغم من وجود مكابرة سعودية والتخوّف من إعلان الفشل، إلا أن ملف إنهاء القتال في جبهات الحدود مع السعودية شكّل أحد أهم الملفات لإنهاء العدوان، التي حملها المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، خلال المفاوضات اليمنية، بدءاً بالجولة الاولى في جنيف من 14-19 مايو 2015 وانتهاءاً باتفاق مسقط 11 نوفبر 2016، ولا يزال يمثل أولوية حتى اللحظة.  يعكس تقديم هذا الملف حجم الوجع السعودي  من هذا المحور.

 

راصد اليمن - خاص |  طالب الحسني

آخر الأخبار