تتخذ الإمارات لإحكام سيطرتها على حضرموت، جنوبي اليمن، مسارات متعدّدة، منها الجانبان الأمني والعسكري، وكذلك الاستقطاب وعقد التحالفات، فضلاً عن الدور الإنساني الذي تعمل عبره للتغطية على نشاطات أمنية وعسكرية واقتصادية.
الحضور الإماراتي توسع بعد إنشاء قوات «النخبة الحضرمية» كأول تشكيل مسلح وفق أسس مناطقية، وذلك عبر تأمين ضمان ولاء السلطة المحلية في المحافظة وتوسيع شبكات الموالين لأبو ظبي لتشمل الطوائف الدينية والشركات النفطية. وقبل أن تصطدم الأخيرة بالنفوذ السعودي، تحرص على العمل تحت لافتة «التحالف العربي» الذي تتولى فيه إدارة ملف المحافظات الجنوبية، ومن بينها حضرموت.
ظلّت وحدات الجيش اليمني (بتركيبته التي كانت قائمة قبل الحرب) في حضرموت متماسكة وشبه محايدة عن الصراع، وكانت قياداته هناك حريصة على تجنيب المحافظة أي أحداث عسكرية عبر تواصلها مع الأطراف كافة، ليصير الحياد في نظر فريق الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، خيانة، لذلك حاول أكثر من مرة نقل ألوية من هناك إلى الجبهات المحتدمة، كما حاول نائبه، علي محسن الأحمر، نقل عتاد وأسلحة إلى مأرب.
في غضون ذلك، لعبت قوات «النخبة» دوراً مهماً قبل مؤتمر «حضرموت الجامع» في المكلا عاصمة حضرموت وفي أثنائه وبعده، وباتت وفق الإعلام الإماراتي تحديداً القوات العسكرية الخاصة بالمحافظة، فيما جرى تجاهل وحدات الجيش المنتشرة في مناطقها.
تتحدث مصادر في حضرموت عن «رغبة إماراتية في توسيع دور النخبة على حساب الجيش... في مقدمة لمرحلة تصير فيها المحافظة تحت سيطرة قوات معينة بالتزامن مع حراك سياسي يطالب بكيان مستقل». وهذا ما تشير إليه مقررات مؤتمر «حضرموت الجامع»، حين تطرقت إلى أن «قوات النخبة الحضرمية صمام أمان حضرموت، وينبغي احترامها وتعزيز قدراتها... وتمكينها من أداء واجباتها في حماية المحافظة».
تعود المصادر نفسها وتقول إن قيادات في الجيش سبق أن أبدت رفضها انتشار «النخبة» في عدد من المديريات الداخلية التي تمكن الجيش من تأمينها في خلال السنوات الماضية، لكن الإمارات تدفع بأتباعها في تلك المناطق إلى إطلاق دعوات انتشار «النخبة» وإخراج الجيش.
أكثر من ذلك، شهد العام الماضي استهدافاً لنسيج الجيش، وذلك بمحاولة تعيين قيادات موالية للإمارات وأخرى للسعودية في المعسكرات شمالي حضرموت، الأمر الذي انعكس على وضع الجنود، الذين قرر كثيرون منهم العودة إلى ديارهم جراء ما سمّوه «سياسة التطفيش وسوء المعاملة»، بل إن كتائب بأكملها تعرضت للتسريح، وأُجبر عشرات الضباط والقادة على المغادرة إلى دول عربية، كذلك نقلت أسلحة إلى مناطق أخرى.
وحالياً، يشمل انتشار قوات «النخبة» حضرموت الساحل، فيما لا تزال مديريات الشمال والوسط تحت سيطرة الجيش (المنطقة العسكرية الأولى). وقبل أشهر، توسعت «النخبة» في مناطق تابعة لمحافظة شبوة، وتحديداً في منطقة بلحاف، وأخرى تابعة لمحافظة المهرة.
ولـ«النخبة» مهمات أمنية وعسكرية، أي إنها قوات أمن، وفي الوقت نفسه عسكرية تحل محل الجيش ومحل القوات التي كانت تابعة لوزارة الداخلية، قبل أن تتجه الإمارات نحو توسيعها ضمن خطة لم يكشف عنها تتضمن رفع عدد منتسبيها إلى 12 ألف جندي، وإنشاء وحدات خاصة بمكافحة الإرهاب وتوسيع قوات الدروع.
أما «الدروع»، فتنتشر في محيط المكلا، وتمتلك دبابات ومعدات مختلفة، ولها معسكرات تدريب بالقرب من منطقة المسيلة النفطية، بإشراف ضباط أميركيين وأردنيين، وبذلك، لم يعد لوحدات الجيش تأثير يذكر في المناطق الساحلية لحضرموت (المنطقة العسكرية الثانية)، ومقرها في المكلا.
وجاء توسع «النخبة» أخيراً في مناطق وسط حضرموت بذريعة محاربة تنظيم «القاعدة»، وذلك بعدما تآكلت قوات الجيش وصارت خارج الجاهزية، مع الإشارة إلى أن التنظيم لا يزال يحافظ على مناطق نفوذ وانتشار، ولا سيما في وادي حضرموت ومناطق مشتركة مع شبوة.
ويوم أمس، ذكر المغرّد السعودي مجتهد، على «تويتر»، أنّ «قوات كانت متمركزة في الجنوب، رفضت ضغوطاً إماراتية بمغادرة حضرموت ومناطق ساحلية لتفريغ المنطقة تماماً للنخبة الحضرمية التابعة للإمارات»، مضيفاً أنّ ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد «هدّد بأنه سيقصفها جواً ويدّعي أمام أميركا أنه يقصف تجمعات القاعدة».
(عبدالله بن عامر/الأخبار)