أحمد فؤاد - كاتب عربي مصري | خرج تقرير الجيش اليمني الأخير، عن الجريمة السعودية الأكثر ترويعًا في حق اليمن، باغتيال رئيس دولته، الشهيد إبراهيم الحمدي، لتلقي مزيد ضوء على تاريخ معمد بالدم والموت والإهانات، تاريخ كانت –ولا تزال- السعودية فيه شر جار ابتلى به اليمن، سنوات طوال من الخديعة والتآمر والخيانة والتدخل، والحرب الأخيرة الممتدة لسنوات خمس، ما هي إلا التطور الطبيعي للأطماع السعودية، والجنون الذي يسيطر على مركز صنع القرار فيها، مع انتقاله لجيل جديد من أبناء القتلة.
لكن بعد الضربة اليمنية المباركة، والهائلة، لخطوط ضخ شركة أرامكو السعودية، فقد بدا أن هناك أسس جديدة للأحداث والعلاقات، ليس بين السعودية واليمن فحسب، لكن في الشرق الأوسط كله، وبالتالي عززت من فرص وقف الحرب العدوانية الدائرة، إذ أن تكلفتها حاليًا أعلى من خيال المخطط السعودي، ومن يشغله.
الوقائع تكذب وجود عقل أو منطق في تصرفات آل سعود، ووقف الحرب في اليمن يعني بشكل واضح فاضح الإقرار بالهزيمة، وبالتالي التأثير على أهم وأول ما يشغل بال سلمان وابنه، أي تولي العرش السعودي، سيتحملون الخسائر إذًا في مقابل عدم الاعتراف بالحقيقة، وليحترق الجميع طالما سيصير ابن سلمان ملكًا على السعودية، ولو كانت خرائب مهدمة.
النظام السعودي استغل –ويستغل- المال بصورة مقززة في علاقاته العربية، وبالتالي فإن النظرة إلى الموازنة الجديدة، لعام 2020، هي أكثر من ضرورة لكل عربي، يتآمر النظام السعودي عليه، وفي المقدمة بالطبع اليمن الصامد.
الموازنة الجديدة أبقت على الإنفاق العسكري السعودي في المستويات ذاتها للسنوات الخمس السابقة، ومع القراءة الشاملة لها، يتضح أن هناك اتجاه واضح لخفض الإنفاق، في بقية بنودها وأبوابها، وبالتالي فإن واضع الموازنة لم يغير أولويات الإنفاق السعودي، رغم العجز الهائل، ورغم الخفض الكبير للمخصصات الموجهة للصحة والتعليم والبنية التحتية، الإنفاق العسكري كان البند الأول والأهم، رغم إن الموازنة الجديدة شهدت عجزًا يبلغ 185 مليار ريال (نحو 50 مليار دولار) ارتفاعًا من 131 مليار ريال -العجز في 2019- أي 35 مليار دولار فقط.
الإنفاق على التسليح قُدّر بنحو 48.5 مليار دولار في 2020، مسجلًا انخفاضًا طفيفًا بنسبة 8% مقارنةً بعام 2019، والذي بلغت فيه 52.8 مليار دولار، من أعلى رقم مسجل في 2018، والذي بلغ 56 مليارًا، ما يضع السعودية في المركز الثالث عالميًا، وتذهب تقديرات معهد ستوكهولم للسلام الدولي "سيبيري"، أنه بينما تخصص أكبر 15 دولة من حيث الإنفاق العسكري قرابة 4% من ناتجها المحلي الإجمالي على نفقاتها العسكرية، نجد أن السعودية أنفقت 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 بعد أن أنفقت 13% في عام 2015!.
لكن الخفض يمكن ببساطة رده إلى قرار إنشاء مؤسستين لصناعة الذخائر واحتياجات السلاح العاجلة، هما الشركة السعودية للصناعات العسكرية "سامي"، التي أعلنت عنها السعودية في أيار/مايو عام 2017، ثم الإعلان عن إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية، والشركتان تستهدفان تقليل الوقت فقط بين الجبهة المفتوحة في اليمن ومصادر السلاح لا أكثر، فتقوم بعمل عمرات الطائرات وصناعة بعض أنواع الذخائر بترخيص من البلدان المنتجة، مع تنامي المطالبات الغربية بوقف بيع السلاح إلى دولة تقوم بجريمة حرب كاملة في اليمن.
أي أن النقص المستمر في نفقات السلاح بالدولار الأميركي، يجري ببساطة ضخه إلى مصانع محلية بالريال، تقوم بمهمة "تجميع" الذخائر، لتفادي المعارضة الأوروبية الشعبية ضد السعودية، وضد الحرب المستمرة في اليمن.
العقل السعودي يخطط لاستمرار الحرب، لا وقفها، فقد نزفت صورة ابن سلمان فيها الكثير، أكثر مما يحتمل، وبالتالي رهانه المرتفع سيجبره على الاستمرار في المعركة، دون أي اعتبار للخسائر المتحققة، فقد حصل على المراهق المفتون على نصيبه من المأساة، حين انهمرت الصواريخ والطائرات المسيرة على مدن المملكة، صافعة كبريائه وجنون العظمة لديه.
الأقرب للعقل أن السعودية التي برعت سابقًا في إشعال الحرائق باليمن، بالاعتماد على العملاء والخونة، ستجعل من سلاحها مددًا توصل به من يريد في اليمن، شمالًا وجنوبًا، ثم ستحاول تصوير ما يجري على أنه حرب أهلية، وأن تدخلها لتدفع النار عن حدودها، وما يدعم هذا الاتجاه بالفعل، هو الملحقات الأمنية للمبادرة الخليجية، التي ظهرت بوقاحة وفجور في اتفاقية جدة، التطور البائس للمبادرة الخليجية، أو المؤامرة الخليجية إن شئنا الدقة والصدق.
راصد اليمن | خاص