خاص | تاريخ جديد

أحمد فؤاد - صحافي مصري |  مسافة 7 أيام فقط كانت حاسمة في تاريخ الأمة العربية، وفاصلة في الحرب العدوانية على اليمن، 7 أيام فقط حددت مستقبل مكتوب بدماء آلاف الشجعان الشهداء على جبهات القتال، وعشرات الألوف من الأبرياء والأطفال ممن قضوا في غارات جوية همجية على البلد العزيز الطيب أهله.
ذهب الوفد اليمني إلى جنيف يحمل لواء الوطن، ومعه كل آمال الأمّة، وتنبض مع كل خفقة أنفاس الإرادة والانتصار، وتجمعت كل السبل لتجعل اللحظة تاريخية وفارقة، بالمعنى الحرفي للكلمتين، سواء من حيث التأثير على المستقبل كله، أو من حيث أن اليمن سيظل رهنًا للمتحقق في اتفاق السلام الموقع أخيرًا.
لكن من الخطير الوقوف عند اللحظة الراهنة، وهي لحظة مجيدة بالفعل، وتمثل ثمرة الصمود اليمني أمام آلة عسكرية صهيو-سعودية، وضعت يدها على أحدث ما في ترسانات العالم من سلاح وذخائر، وضمنت الصمت العالمي على جرائم لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، وحتى هذه اللحظة تتمتع بدعم ظاهر غير خاف من المجمع العسكري الغربي، وهو صاحب كلمة عليا في رسم المصالح والإستراتيجيات، واعتماد السياسات، ولو من خلف ألف ستار.
مملكة آل سعود لن تترك اليمن لحاله وشعبه، هذا أمر غير جدير بالمناقشة، وسلسلة تدخلاتها منذ قيامها تثبت أنها فاعلة –كالشيطان- في كل مصيبة يمنية، وأن اليمن مبتلاة بشرِّ جار، منذ قامت المملكة الحالية، وخاضت عشية قيامها حرب حدودية مع المملكة المتوكلية اليمنية، ثم عادت بعدها بسنوات لتخوض حربًا ضد الثوار الذين خلعوا الإمام، ثم اغتالت الشهيد إبراهيم الحمدي، ومنذ ثورة الشعب اليمني على حكم علي عبد الله صالح، وهي تصب الزيت على نار الأحداث، لتمزق اليمن وتغرقه في مستنقع الاحتراب الأهلي، وحين فشلت كل مساعيها، تدخلت مباشرة في حرب عدوانية شاملة، استهدفت –وتستهدف- تدمير اليمن على رؤوس أهله. 
لذا فالخطوة السعودية بالذهاب للتفاوض، تحت ضغط الرأي العام العالمي الناقم على جرائمها، قد تكون هدنة مؤقتة، ريثما يهدأ الوضع، وتعيد ترتيب أوراقها، وتجر معها حليف عسكري أقوى مما جذبته حتى الآن، سواء من الدول الإسلامية الدائرة في فلكها، مثل مصر وباكستان، أو تفضح زيف كل زعم سابق لها، وتأتي بالكيان الصهيوني جهارًا نهارًا، بعد أن ثبت أنه كان يساعد في السر.
وعلى ذكر التعاون الصهيوني السعودي، وإمكاناته في الفترة المقبلة، بالعودة قليلًا إلى الخلف، وخلال أحداث ثورة سبتمبر/أيلول 1962، ضد حكم الإمام، وعقب التدخل المصري، تحت لواء حركة القومية العربية، الذي تزعمته القاهرة وقتها، لدعم الثورة الوليدة، تولى تكتل مصالح البترول والسلاح الأميركي قيادة عمليات الثورة المضادة لعشر سنوات بعد هذا التاريخ، في حرب أهلية طاحنة، وتولت السعودية ذاتها رفع لواء الحرب ضد الجيش المصري والجمهوريين اليمنيين.
كان وضع قوات عربية، تنتمي لدولة من دول المقاومة وقتذاك، في شبه الجزيرة العربية، حيث النفط والفوائض المالية والتعداد السكاني الضعيف، خطرًا على العروش الخليجية والمصالح الأميركية والغربية كلها، من السلاح إلى البترول، وشهدت الفترة عمليات تجنيد واسعة لشراء المرتزقة والسلاح، لوأد التحرك، وضمان عدم تكراره، بإذلال الجيش الداخل إلى اليمن، وكسره تمامًا.
نجاح الثورة اليمنية، وبدعم عسكري من القاهرة، كان سيمثل عنصر الإغراء لشعوب الخليج، قوى التغيير في المنطقة العربية كانت كاسحة في عقد الستينات، وتواجد قوات مسلحة عربية قادرة على الفعل خارج حدودها، لمساندة غيرها من الشعوب العربية، الرازحة تحت حكم الرجعية أو الاحتلال كان عنصرًا كفيلًا برسم ما بعده.
نجح المخطط الشيطاني، ووجد الجيش المصري نفسه فجأة في حرب استنزاف طويلة، أجبرت قيادته على إرسال المزيد من الجنود والعتاد إلى اليمن، ليصل في بعض الأوقات إلى ثلث قوته الأساسية، ومع تصاعد الأحداث، تلقى الجيش الضربة القاسمة في يونيو/حزيران 1967، ليستفيق من مصيبة على كارثة.
بضربة واحدة، خسر الجيش سمعته الإقليمية، وخسر معها أغلب معداته التي ضربت أو تم الاستيلاء عليها غنيمة باردة في صحارى سيناء الحارقة، وخسر أهم منها الثقة، وحين تفقد الجيوش الثقة تسقط، وهذا هو الدرس الذي ينبغي تعلمه، أن الجيوش لا تهزم فقط في ميادين القتال، لكنها تهزم حين تفقد الشارع.
شيء من هذا كان يجري تدبيره للجيش اليمني ولأنصار الله، أن يفقدوا الشارع، بفعل الدمار الهائل الموزع من قبل طائرات الموت التابعة للتحالف العربي العدواني، لكن أنصار الله أثبتوا أنهم خيط ضمن جديلة اليمن المترابطة، وعميقة الإيغال في تحركاتها وتصريحات قادتها، وخطاباتهم، التي تجعل من كل عربي شريف يفتخر بما تحقق اليوم، ويستبشر بما هو متحقق غدًا، وأن زمن القصاص آت لا ريب، وأن ساعة الحساب ستحل على رؤوس خونة الأمّة قريبًا.

(خاص - راصد اليمن)

آخر الأخبار