واشنطن ووقف الحرب: تخلٍ عن السعودية أم إنقاذٌ لها؟

دعوات دولية متسارعة لوقف الحرب في اليمن وتحول لافت في موقف الولايات المتحدة، الداعم الأبرز للسعودية، والتي لم تكتف بالتشديد على إنهاء فوري للأعمال القتالية وانخراط أطراف الصراع في مشاورات خلال 30 يوماً، بل ذهبت الى ما هو أبعد من ذلك، برسمها لملامح التسوية ومعالم الحل ومستقبل الوضع في الحدود اليمنية – السعودية.
هذه الدعوات والترتيبات لجولة المشاورات التي تحدد مكان انعقادها في السويد خلال نوفمبر الحالي، هل تنبئ بصحوة متأخرة للضمير العالمي تجاه الحرب العبثية التي قاربت من إكمال عامها الرابع، وخلفت أسوأ كارثة إنسانية في العالم؟ أم أن الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالنظام السعودي أجبرته على إقفال ملفه الأسود في اليمن والاستعانة بحلفائه لإخراجه من المستنقع؟ وما هي ردود أطراف الصراع في اليمن على رؤية واشنطن للحل؟ وهل وجدت طريقها إلى حقيبة جريفيث؟
الكاتب والمحلل السياسي جمال عامر، قال في حديث إلى «العربي»، إن «المواقف العلنية للولايات المتحدة مع وقف الحرب في اليمن، لكنها لن توقف بيع الأسلحة للسعودية ولن توقف دعمها اللوجستي للحرب على اليمن، وهو ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس في كلمته بمؤتمر حوار المنامة، حيث دعا إلى إنهاء القتال في اليمن، لكنه أكد مواصلة دعم بلاده للسعودية، التي قال إنها تدافع عن نفسها أمام هجمات الحوثيين».
كما رأى عامر في الرؤية التي قدمها وزير الدفاع الأمريكي للتسوية في اليمن، بأنها «تهدف الى إخراج السعودية من مستنقع الحرب في اليمن بدون تحميلها أي تبعات، مع تقسيم اليمن مناطقياً ومذهبياً، بما يزرع بذور صراع مستقبلي ويؤسس لحروب داخلية تتغذى منها شركات الأسلحة، وتوظفها أمريكا لخدمة مصالحها»، مشيراً إلى أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث رحب بدعوات وقف الحرب على اليمن، لكنه لم يعلق حتى اللحظة على المقترحات الأمريكية.
 لا نعلم بالتفاصيل 
أربع سنوات من الحرب العبثية التي لم تغير من موازين القوى لصالح أي طرف، ومع ذلك لا تزال «الشرعية» تعلق آمالها على مواصلة دعم «التحالف» لها، وتتمسك بـ«المرجعيات الثلاث»، ولم  تصحوا من أحلام «الحسم العسكري»، حتى حل عليها حديث وزير الدفاع الأمريكي في مؤتمر «حوار المنامة» كالكابوس الذي أفزعها من سباتها الطويل، وظهر التخبط جلياً في حديث وزير الخارجية في حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، خالد اليماني.
ونقلت صحيفة «الشرق الأوسط» عن اليماني قوله إن «الحكومة لا تعلم تفاصيل المشاورات الجديدة، سوى أنها تهدف لإجراءات الثقة التي تم الحديث عنها في جولة جنيف السابقة، وإن جريفيث تحدث عن الاجتماع من دون الرجوع إلى الحكومة»، مضيفاً أن «الرئيس عبد ربه منصور هادي سيلتقي المبعوث الأممي مارتن جريفيث لتحديد أجندة المشاورات ومكان وتاريخ انعقادها».
كما وصف سفير حكومة الرئيس هادي في لندن الدكتور ياسين سعيد نعمان الرؤية التي قدمها وزير الدفاع الأمريكي للتسوية في اليمن، بـ«الخفة في استخلاص الحل».
وقال في منشور له عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» إن «البعض يراهن على أن قضية استعادة الدولة من أيدي المليشيات الإنقلابية، ستكون ضحية تسويات لقضايا أخرى مستجدة أو عارضة في المنطقة، وأن هذا الرهان ازداد بعد حديث وزير الدفاع الأمريكي في مؤتمر البحرين عن تسوية يُمنح بموجبها الحوثيين حكماً ذاتياً في مكان ما في شمال الشمال، وحدود دولية منزوعة السلاح، وجيش يمني محدود التسليح»، معتبراً أن «هؤلاء المراهنين لا يختلفون كثيراً في حساباتهم عن ما يروج له الإنقلابيون عن صفقات يجري الإعداد لها، وتجعل من انقلابهم ومصادرتهم للدولة أساساً لحل سياسي شامل بديلاً عن المرجعيات الثلاث، التي تشكل الطريق الوحيد نحو سلام دائم».
مبادرة ملغومة 
لم ترحب «أنصار الله» بمبادرة ماتيس ولم تروّج لها، قيادي بالحركة، غير مخول بالتصريح، قال لـ«العربي»، إن «حديث وزير الدفاع الأمريكي عمّا  سمّاه بحكم ذاتي للحوثيين، يكشف عن أن مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم كان مشروعاً أمريكاً منذ الوهلة الأولى، بعدما عجزت عن تقسيمه في مؤتمر الحوار الذي عقد بصنعاء في العام 2014».
وأضاف أن «التصعيد الأخير للعدوان في محافظة الحديدة يهدف لفرض الأقلمة بالقوة العسكرية، وهو هدف صعب المنال بعد شهور من عجزه عن ذلك وتكبيده مع مرتزقته خسائر مهولة»، مؤكداً ترحيب «أنصار الله» بالدعوة لاستئناف المشاورات.
وقال «نحن وشركاؤنا جاهزون للحوار وقدمنا التنازلات للتأكيد على جديتنا، وسلمنا المبعوث الأممي كشوفات بجميع الأسرى والمعتقلين الذين لدينا، وأبلغناه استعدادنا لإطلاق سراحهم جميعاً مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين منا لدى الطرف الأخر، وتبين للمبعوث الدولي أن قرار الطرف الآخر ليس بيده، وأن السعودية هي المعرقل لهذا الملف»، مطالباً الأمم المتحدة الإيفاء بوعودها بشأن رفع الحظر عن مطار صنعاء، وحل مشكلة البنك المركزي وتسليم مرتبات جميع الموظفين .
 واشنطن أكثر جدية 
رئيس «مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية» فارع المسلمي، رأى أن «واشنطن أكثر جدية في هذه اللحظة من أي وقت سابق لإنهاء حرب اليمن، برغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرى في اليمن معركته لكسر إيران، ولا يزال مقتنعاً في ذلك بصورة جدية».
لكن المسلمي يقول إن «الضغوط الدولية على السعودية بعد مقتل خاشقجي كبيرة وغير مسبوقة، وهي تحاول أن تخفف هذا العبء بإنهاء الحرب في اليمن»، مشيراً إلى أن «شكل الحل سيكون ضمن إطار مبادرة كيري، وإن إختلفت التفاصيل».
من جانبها، قالت الكاتبة والباحثة ميساء شجاع الدين، إن «حرب السعودية والإمارات في اليمن تعيش أيامها الأخيرة، بعد أربع سنوات من التدخل الإقليمي كشفت أن هذا التدخل أضر أكثر مما نفع»، مضيفة أن «التدخلات الإقليمية والدولية في اليمن لن تتوقف لكن بشكل غير مباشر، كما أن تصورات الحل المطروحة تكرس انقسامات الواقع وفوضى المليشيات، فالعالم لا يستطيع ابتكار شيء غير موجود، وليس أمامه سوى التعامل مع الحاصل».
هذا وقد جدد وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، فجر أمس الأربعاء، دعوته إلى وقف لإطلاق النار في اليمن، وحضور جميع أطراف النزاع الى طاولة مفاوضات في غضون الثلاثين يوما المقبلة.
وقال ماتيس خلال مؤتمر في واشنطن «نريد رؤية الجميع حول طاولة مفاوضات على أساس وقف إطلاق النار»، مضيفاً «علينا أن نقوم بذلك في الثلاثين يوما المقبلة، وأعتقد أن السعودية والإمارات على استعداد للمضي في الأمر».
كما أكد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أمس الأربعاء، على وقف الأعمال القتالية في اليمن، وقال إن المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية ينبغي أن تبدأ الشهر المقبل.
وكان ماتيس، وخلال مشاركته في مؤتمر «حوار المنامة»، قد خصّص نصيباً لافتاً من حديثه حول الحرب في اليمن، وقدم تصورات للحل ترتكز على تقسيم اليمن إلى مناطق حكم ذاتي، وإخلاء المناطق الحدودية بين اليمن والسعودية من السلاح، ونزع الصواريخ الباليستية من اليمن، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة ستضع الإطار المناسب لهذه التصورات .

 

(فايز الأشول - العربي)

آخر الأخبار