هدى رحمة - صحافية لبنانية | مرّ عيد الأضحى على عوائل مجزرة ضحيان .. بلا أطفال. هذا هو العيد الأول الذي لم يركض فيه أطفالهم إليهم لأخذ العيدية، بل هم من قصدوا بغصةٍ حارقةٍ أطفالهم.. في أضرحة صارت مزاراً.
أخذت وقتاً ليس بقصيرٍ كي أستطيع رؤية بعضاً من صور ومشاهد مجزرة ضحيان في صعدة في اليمن الجريح العزيز.
مجزرة مهولة يندى لها الجبين، تعصر القلب بدموعٍ من دمٍ وقهر، وتغص الروح بمشاغبات أطفالٍ استحالت أشلاء اختلطت ببعضها.
كان الباص مليئاً بهم، يضج بضحكاتهم التي وصلت عنان السماء، وسمعتها الملائكة. واقفون وجالسون يتحدثون بكل ما أوتوا من فرح طفولة.
وصلوا إلى دورة تحفيظ القرآن الكريم، وقفوا يؤدون السلام على محمد وآل بيته الأطهار. صدحت أصواتهم "السلام عليكم يا من جاهدتم في الله وتاجرتم في الله خير تجارة."
وبعد السلام على الآل الأطايب، قرؤوا الفاتحة إلى أرواح الشهداء، وبعدها سورة التوحيد، وآية الكرسي.
ثم توجهوا إلى روضة الشهداء، تنقلوا بين أضرحتهم، وصاروا ينادون بعضهم، ويلتقطون الصور، كانت الفرحة تغمرهم وهم بين شهداء موطنهم اليمن.
وفي طريق العودة من دورة القرآن الكريم، وبينما الباص يمر من سوق ضحيان، هناك كان نداء الشهادة الباكرة، على يدي تحالف الشيطان الأكبر مع شر خلق الله، هي غارة جوية باعتها أميركا للسعودية، وضربتها "عاصفة الحزم" السعودية على حافلة الطلاب في سوق ضحيان، والأطفال هم الضحايا بين شهيدٍ وجريح، بالإضافة إلى من كانوا في السوق. واحد وخمسون شهيداً بينهم 40 طفلاً كانوا يتلون آيات الله قبل دقائق، بالإضافة إلى حوالي 80 جريحاً بإصابات متنوعة.
ما كان ينقص في مشاهد ما قبل الغارة، أن يتلوا الأطفال الشهادة، والفاتحة التي كانت ستزهق بعد قليل من الوقت. مشاهد ما قبل الغارة كانت تصلح كسيناريو فيلمٍ تراجيديٍّ عن الشهادة. الأطفال فاضت ضحكاتهم من أجسادهم الصغيرة، تلوا آيات الله، سلموا على آل بيت محمد، وقرؤوا الفاتحة للشهداء وزاروا أضرحتهم، وحّدوا الله بسورة التوحيد، ومجّدوه في آية الكرسي.
هؤلاء من كانوا هدفاً للسعودية، في عمليتها العسكرية الواسعة التي بدأت في السادس والعشرين من شهر آذار عام 2015، تحت اسم "عاصفة الحزم"، وهذه هي النقاط والأهداف العسكرية والقيادات التي تريد استهدافها، سوق تجاري، وحافلة أطفال!
وإن أي سيناريو لكاتبٍ وروائيّ، مهما أطلق العنان لخياله، لن يكون بخبث ما يسمى بـ"السعودية"، والتي تنفذ السيناريو على أرض الواقع، وبشخصياتٍ إنسانية حقيقية.
المجزرة التي ارتكبتها السعودية يوم الخميس في التاسع من آب، جاءت بعد أقل من 24 ساعةً من مجزرتين ارتكبتهما في محافظتي عمران وحجة.
هي مجزرة قضت مضاجع طفولة كانت تسبّح الله وتتلوا آيات كتابه، صورٌ ومشاهد مروعة يصعب على القلب التقاطها. تمزقت جوارح الأطفال، لحمهم حضن لحم بعضٍ شهداء، واختلطت دماءهم التي غطتهم، فصارت فئة الدم "شهادة طفولة".
لم تكن المجزرة الأولى لتحالف "عاصفة الحزم" الشيطاني، هي مجزرة ضمن سلسلة مجازر منذ بدأ العدوان من أكثر من ثلاث سنوات، سبقها مجازر ولحقها مجازر.
مرّ عيد الأضحى على عوائل أطفال مجزرة ضحيان وقد سبقوا وقدّموا أطفالهم أضحيةً على مذبح الشهادة. منهم من قدم طفلاً شهيداً، ومنهم من لم يبق له من أطفاله إلا طفلاً على قيد الحياة. هذا العيد الأول الذي لم يركض فيه أطفالهم إليهم لأخذ العيدية، بل هم من قصدوا بغصةٍ حارقةٍ أضرحة أطفالهم. وهو الله الواحد الأحد، وهو الله الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض، لن يغفل عن أطفال اليمن، ولا عن أطفال قانا، ولا عن أطفال ميانمار، ولا عن أطفال كفريا والفوعة، ولا عن أي طفلٍ مظلومٍ على أرضه، هو الله أرحم الراحمين. وهو الله الذي يمهل ولا يهمل، هو الله شديد العقاب، هو العادل الذي لا يرضى بالظلم، وهو العليّ العظيم.
(خاص - راصد اليمن)