جهادي سابق يروي أسباب انحسار «قاعدة اليمن»

يعد تراجع تنظيم «القاعدة» أحد أبرز التطورات التي ارتسمت في هذا اليمن، خاصة وأنه في الآونة الأخيرة تراجع حضور هذا التنظيم إلى حده الأدنى. «العربي» ذهب متقصياً الأسباب الكامنة خلف هذا التراجع، فالتقى أحد الجهاديين السابقين في حوار أوضح جملة من القضايا، كان أبرزها أن «لا مستقبل لتنظيم القاعدة فرع اليمن في ظل قيادة الريمي»، وأن تنظيم «الدولة» تفوق أمنياً على «القاعدة»، مبيناً مدى أثر العمليات التي شنتها القوات المدعومة من الإمارات على التنظيم، كاشفاً عن وجود ما أسماه بــ«تنسيق غير رسمي بين الشرعية والقاعدة».
يعتقد الجهادي السابق الذي فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أن هناك أسباباً عديدة وراء انحسار عمليات تنظيم «القاعدة» في اليمن، مقارنة بما كان عليه وضعه في السابق، وهو يربض التراجع بأسباب منها داخلية وأخرى خارجية.
الأسباب الداخلية
منها ما يتعلق بالجانب الفكري، حيث أن هناك تراجعاً فكرياً للتنظيم بالنظر إلى ما كان عليه في عهد الشيخ أسامة بن لادن، وقد ازداد هذا التراجع بعد ظهور تنظيم «الدولة»، لأن «القاعدة» تعتقد أن «الدولة» سرقت منها الأضواء والفضل في تصدر عالمية الجهاد، وهو ما دفعها إلى مهاجمة منهجها والتقارب مع آخرين ممن يصنَّفون كمعتدلين، مثل «الإخوان المسلمين» وغيرهم.
ومن الأسباب الداخلية أيضاً، أن «القيادة غير مؤهلة في التنظيم، فقاسم الريمي، أمير التنظيم، لا يمتلك العقلية القيادية التي تستطيع قيادة تنظيم محارب عالميا. هذا الأمر يحتاج إلى رجل عنده حس أمني وخبير في أمور الجهادية العالمية، ويغلب العقل على العاطفة. والريمي، كما عرفته، يعمل عاطفته أكثر من عقله». أيضاً من تلك الأسباب «عدم وجود، أو مقتل القادة الميدانيين، أمثال حمزة الزنجباري وغيره».
إضافة إلى ذلك، هناك أيضاً «وجود شبكات الجواسيس، والتي اكتشف التنظيم أخيراً واحدة منها بقيادة أبو شهاب الذماري، والذي كان قريبا من سلم القيادة. وجود مثل هذه الشبكات ربما جعلت التنظيم يفكر في الانكفاء ويغلب جانب ترتيب الأوراق الأمنية لديه، و هذا مشاهد من خلال إصدار التنظيم عند إعلان اكتشاف خلية الذماري. حيث دعا أفراده إلى الانكفاء أكثر. و كانت هذه محمده لهم لو استغلوها بتكثيف العلمليات، لكن توقفوا عن كل شيء».
يشيف الجهادي السابق أنه «من الأسباب الداخلية، أن التنظيم مخترق فكريا من قبل الشرعيين... مثلاً: انخراطهم مع شرعية (الرئيس عبدربه منصور) هادي خوفاً من خسارة الحاضنة الشعبية، ومهاجمة (تنظيم) الدولة بقضايا شرعية كانت عند التنظيم سابقا مسلما بها، واليوم أصبحت تشويه للجهاد. مثل تصوير إعدام الأسرى»، مضيفاً أن من تلك الأسباب أيضاً «قلة الخبرة الجهادية لدى أفراد القاعدة، فأغلب هؤلاء كانوا يتدربون في معسكرات المكلا و البيضاء أثناء سيطرة التنظيم عليها. و هنا يتضح عدم خبرة القيادة في القاعدة على مستوي الميدان و كذلك الشرعية. فهم لم يستطيعوا إنتاج الاستشهاديين أو صناعة كوادر تقود التنظيم ميدانيا. أزمة القاعدة تظهر في كل شيء، قيادة و أفرادا و شرعيين».
أسباب خارجية
يلخص الجهادي السابق هذه الأسباب في «قيادة الظواهري، والذي يدعي من فحوى كلامه انه أحق بالساحة الجهادية، في مقابل الدولة، فهو يمدح خصوم (تنظيم) الدولة من فصائل الحر في سوريا، على سبيل المثال، مع أنها واضحة الارتباط بالخارج الذي كان يراه عدوا، لكن الكبِر يقتل الظواهري».
تأثير محدود للعمليات المدعومة إماراتياً
وحول ما إذا كان لهذا التراجع علاقة بالعمليات العسكرية المدعومة من الإمارات ضد التنظيم في أكثر من محافظة، يرى الجهادي السابق، أن «العمليات العسكرية بقيادة الإمارات ضد تنظيم القاعدة والتي استطاعت إخراجه من مدن في الجنوب، بلا شك كان لها بعض التأثير على التنظيم، خاصة وأنه لم يقاوم و لم يواجه الحملات عليه كما كان يفعل، فلم يعد من أدبياته المحافظة على المدن، حتى لا يؤثر ذلك على الحاضنة الشعبية، وهذا التأثير لم يكن كبيراً، لأن التنظيم معتاد على مثل هكذا معارك، كونه مطارد دوليا. ويتمثل التأثير في أن التنظيم كانت له مصادر تمويل في المدن المستهدفة بالعمليات، كالمكلا، وانتهت».
ويضيف: «أيضاً... التنظيم أوقف عمليات لأسباب أخرى، التنظيم منخرط في المقاومة ضد الحوثي، ولهذا أوقف عمليات له ضد جنود ما يعرف بالشرعية، وذلك لأنه يعتقد أن خطر الحوثي أكبر عليه من شرعية هادي، كون الحوثي عقائدي». أما عن المعلومات التي أكدت وجود تنسيق بين التنظيم و«الشرعية»، خصوصا بعد دخول الأخيرة على خط المواجهات في البيضاء، يقول الجهادي السابق: «بحسب معلوماتي، لا يوجد تنسيق بين القاعدة و الشرعية بشكل رسمي، لأن هذا يدين الشرعية، كونها تتعامل مع إرهابيين. ربما يوجد تنسيق عشائري قبلي مع ناس مرتبطين بالشرعية و من أجل محاربة الحوثي... يعني تنسيق بشكل فردي».
قاسم الريمي
وعن سبب تحميله زعيم فرع التنظيم في اليمن، قاسم الريمي، جزءً من مسؤولية انحسار «القاعدة» يقول: «الريمي مجاهد سابق في أفغانستان، ورفيق درب سلفه ناصر الوحيشي، وكلامي لا يعني أنه عميل مثلا... في الحقيقة، قاسم يصلح أن يكون جنديا و ليس قائدا، وهو شخص عاطفي... أنا أعرفه جيدا من أيام أفغانستان»، مضيفاً «لا يحمل كاريزما القيادة، لأن القيادة موهبة من الله. ما الذي يجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الجيوش لخالد في أكثر من معركة و سرية و فعلها بعده الصديق؟ يوجد من الصحابة من هو أقدم إسلاما من خالد و أفضل منه سابقة، إلا أن خالد تفوق عليهم في القيادة الحربية والعسكرية. والقاعدة تنظيم حربي عسكري، ويفتقد إلى قائد حقيقي. منذ تولي الريمي والتنظيم في تراجع، لأن القائد ليس عنده الكفاءة للقيادة». وأكد أنه «إذا استمر في القيادة فإن التنظيم سيبقى في تراجع مستمر، إلا إذا وُجد من يساعده و يقوي من خبراته».
«الدرونز»
ويؤكد الجهادي السابق أن الطائرات الأمريكية من دون طيار، لعبت دورا بارزا في إضعاف فرع «قاعدة اليمن»، ويرجع نجاحها إلى تساهل التنظيم الأمني.
ويضيف بشيء من التفصيل: «أعتقد أن تساهل التنظيم كثيرا في الأمور الأمنية، وخاصة بعد انخراطه مع العامة عند الاستيلاء على بعض المدن في الجنوب، وكذلك انخراطه مع المقاومة الشعبية ضد الحوثي، أمور سهلت للأمريكان زرع عملاء داخله، ولهذا كان قادته ومسلحوه صيداً سهلاً للطيران من دون طيار التي صفَّت أغلب القادة في الميدان مثل الوحيشي، ونصر الآنسي، والشيخ أنور، وجلال بلعيدي المرقشي، وعادل العباب، وإبراهيم الربيش، وحارث النظاري، وغيرهم من نخبة القاعدة».
ويؤكد أن «التنظيم على مستوى القيادة يتحمل نتيجة ذلك. وهذا يدل أيضا على هشاشة الوضع وعلى الحس الأمني المنخفض. سياسة التنظيم الأمنية تعاملت بعفوية و أكثر من ذلك، وأستطيع القول إن القاعدة أصبحت بيت الثعابين من كثرة الجواسيس الذين اخترقوها، وذلك لسهولة الانتساب إليها وعدم ضبط من ينتسب إليها داخل إطار تنظمي».
الجوانب الأمنية
الحديث عن الفشل الأمني لـ«القاعدة» في ما يتعلق بضربات الطائرات الأمريكية من دون طيار، أثار سؤالا عن الفرق بينه وبين تنظيم «الدولة» من حيث الاحتياط الأمني.
في هذا السياق، يقول الجهادي الذي بقي في أفغانستان فترة طويلة والتقى بأبرز قادة «القاعدة»، كأسامة بن لادن والظواهري وغيرهما: «لا أمتلك معلومات كافية عن فرع (تنظيم) الدولة في اليمن، وذلك لأن الدولة جماعة تأخذ الاحتياط الأمني بقوة ومنغلقة. لكنه أضعف فرع للدولة، مقارنة بالأفرع الأخرى. ربما لأن أغلب الأفراد كانوا يتبعون القاعدة أو أن النفسية الجهادية اليمنية تميل إلى البطء في العمل الجهادي، أو بسبب ضعف القيادة. لا أعرف عنهم شيئا أكثر من أنهم مازالوا ضعفاء وبعدد محدود، و لا يوجد لهم أي تأثير كبير على الساحة الجهادية».
وعن تنظيم «الدولة» بشكل عام، يعتقد أنه «خلاصة تجربة جهادية على المستوى الأمني، فالحس الأمني عندهم مرتفع، وهي جماعة مغلقة، وقد يحدث لها اختراق لكن سرعان ما يعالج و بدون تسامح مع الجواسيس، وهذا جعل منها جماعة مرعبه لأي شخص يفكر بالاختراق، لدرجة أن الأمريكان لا يستطيعون تحديد هوية قتلى القصف الجوي إلا من خلال وكالة أعماق الذراع الإعلامية للتنظيم، كما حدث عند مقتل ناطقها أبو محمد العدناني». ويضيف «لكن القاعدة على النقيض من ذلك، فأغلب أفرادها قتلوا بقصف لطيران بدون طيار و بعمليات استخبارات من داخل التنظيم». 
خلاف «القاعدة» و«الدولة»
وبخصوص تراجع الخلاف بين فرعي التنظيمين في اليمن، خلال الآونة الأخيرة، بعيداً عن مواجهات قيفة التي لم يترتب عليها شيئاً حتى اللحظة، يقول: «أستطيع القول إن الخلاف لم يتوقف، لكن إذا نظرت إلى سبب الخلاف ستجد أنه خلافاً فكرياً و صراعاً على الساحة الجهادية العالمية. القاعدة تعتبر نفسها السباقة وهي الأقدم في الساحة وتريد أن تكون الدولة الإسلامية تابعة لها»، مضيفاً «عندما شاهدت القاعدة أن الدولة الإسلامية حققت إنجازات كبيرة وسيطرت على مدن وبلدات شاسعة في العراق والشام وغيرها، جاء الخلاف من باب الحسد و بغلاف فكري أن الدولة لا تتورع في الدماء وأنهم أحفاد ابن ملجم. وهذا، في تقديري، جهل من قبل القاعدة بصفات ابن ملجم، لأن ما كان يوما ما في قاموس القاعدة مباحا أصبح محرما مع الدولة الإسلامية».
ويستدرك: «عموما، الخلاف في اليمن وغير اليمن، خفت قليلا، مع أنه موجود، وذلك لأن الدولة الإسلامية انسحبت من المدن بعد الحرب العالمية عليها، ولذلك لم يظهر الخلاف. والذي يظهر الخلاف، في الغالب، أرباب مواقع التواصل الاجتماعي. الخلاف موجود و مازال. كما قلت لك، هو حسد مغلف بخلاف فكري في قضايا محسومة، قديم وحديثا».
ويذهب إلى أن «ظروف التنظيمين، وظروف اليمن الخاصة، لم تسمح بخلاف مشابه لخلافهما في سوريا وغيرها. فرعا التنظيمين في اليمن يمران بحالة غير مسبوقة من الضعف، وأي صراع بيني سيكون كفيلا بالقضاء عليهما معا».
الظواهري
وبعيدا عن قيادة فرع التنظيم اليمني، يرى الجهادي السابق، أن «لا مستقبل للقاعدة بشكل عام في ظل قيادة أيمن الظواهري».
يقول: «الشيخ الدكتور أيمن الظواهري له سابقة جهاد، وقتل عدد من أفراد أسرته بقصف أمريكي، وعذِّب في سجون مصر. لكن عند ظهور الدولة الإسلامية لم يكن موفقا في إدارة الخلاف معها. و أظن أن الظواهري يعتقد أنه الأولي في الساحة. لقد خفت نجم القاعدة في الشام، وانتهى في العراق، وتراجع في اليمن فكريا وعملياتيا. وهو بعكس الشيخ أسامة بن لادن، الذي كان، كما عرفته عن قرب، يحمل قلب الأب الروحي، والعسكري، و متابع جيد لكل ما يدور، و تحس منه رغبة في التضحية و تغليب المصلحة العامة، إضافة إلى أنه كان محبوبا عند كثير من المسلمين من خارج دائرة التنظيم».
حركة «طالبان»
وعن رأيه في الاتفاق الأخير بين «طالبان» وقوات الأمن الأفغانية برعاية أطراف خارجية، منها دول خليجية، يقول: «بحسب معرفتي السابقة بها، أعتقد أن طالبان الملا عمر تختلف عن طالبان بعده. ليس من العيب توقيع الصلح والاتفاقات العسكرية لا شرعا ولا استراتيجيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أبرم اتفاقا مع قريش في الحديبية، لكن عندما سمع بمقتل عثمان بايع الصحابة على الموت. و بعد سنين من الاتفاق فتح مكة، لأن قريش خرقت الصلح»، موضحاً «المهم هو عدم التنازل عن الثوابت في العقيدة و عدم التفريط في الدين وحفظ حق الأفراد والأمة، لكن الذي حدث مع قوات الأمن وطالبان غير ذلك تماما. ما حدث أن طالبان تهنئ وتقدم الهدايا لأفراد من قوات الأمن، و يتعانقون مع بعض. حدث أيضا أن الشيعة دخلوا في صفوف الحركة و هذا تراجع كبير».
(العربي)

آخر الأخبار