«فورين أفيرز»: هجوم الحديدة... ما الذي يقف على المحك؟

ترجمة العربي- تناولت مجلة «فورين أفيرز» تطورات العملية العسكرية في الحديدة، ووضعت دول «التحالف» للمعركة هناك في إطار محاولات أبوظبي منذ العام 2016 لـ «كسر حالة المراوحة (الميدانية) من خلال السيطرة على ميناء الحديدة»، مشيرة إلى أن «الهجوم على الحديدة كان في طور الإعداد منذ عدة سنوات»، وذلك على وقع تزايد إحباط المسؤولين الإماراتيين على مر السنوات الثلاث الماضية من «عدم إحراز تقدم ميداني على الأرض» في اليمن، وقناعتهم بأن الهجوم على المدينة الاستراتيجية يعد «الطريقة الوحيدة لكسر الجمود (السياسي والميداني) وإجبار الحوثيين على وقف الحرب وفق شروط التحالف». وأضافت المجلة الأمريكية، تحت عنوان: «الجبهة الجديدة في اليمن... ما الذي (يقف) على المحك في الحديدة»، أن «هجوماً ناجحاً على أكبر ميناء في البلاد من شأنه يغيّر مسار الحرب، على نحو قد يقلب موازين القوى على الأرض، ويؤثر عميقاً في (شكل) أي تسوية سياسية مستقبلية، ولكنه قد يحدث بتكلفة باهظة»، مشيرة إلى أنه، و«على الرغم من وعود التحالف بتحقيق نصر سريع، فإن القتال سرعان ما دخل في مرحلة من المراوحة». «فإذا نجح التحالف في الاستيلاء على الحديدة، فإن ذلك سوف يحرم الحوثيين من عائدات الرسوم الجمركية وغيرها من الإيرادات المقدرة بمئات ملايين الدولارات، التي يستخدمونها من أجل تمويل المجهود الحربي. كذلك يعتقد التحالف أن خسارة الجماعة للحديدة، سوف يسفر عن قطع الممر الأساسي لتهريب الأسلحة إليها، رغم أن عدداً من الباحثين، بما في ذلك لجنة خبراء الأمم المتحدة، خلصوا إلى وجود نقص في الأدلة حول أن الميناء يتم استخدامه في تهريب الأسلحة». من جهة أخرى، فإنه «من المؤكد أن الحوثيين لن يهزموا من دون قتال، ذلك أنهم جعلوا عمل القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة على الأرض مسألة أكثر صعوبة مما كان متوقعاً بمجرد وصولها إلى تخوم المدينة»، حيث ان مقاتلي الحركة، من جهتهم، «يرغبون في جعل معركة الحديدة طويلة، ومكلفة قدر الإمكان»، في حين تبدي أبوظبي، إلى جانب حلفائها، «استعدادها لمعركة ضارية، ومنهكة إلى أقصى الحدود؛». هذا، وحاولت «فورين أفيرز» الربط بين موجة التصعيد الحالية في الحديدة، وبين آفاق المسار التفاوضي حول الأزمة اليمنية، شارحة أن تغيير الواقع الميداني، وتحريك المسار السياسي الراكد يشكل «حصيلة جذابة» تنشدها أبوظبي من وراء المعارك الدائرة في المدينة. وأردفت المجلة أن هجوم الحديدة يحمل أبعاداً «أكثر تعقيداً»، كونه يتصل بنظرة الإمارات العربية المتحدة إليه بمثابة «فرصة» من أجل «كسب اليد العليا في اليمن»، ومن أجل «تعزيز الأحزاب والكيانات (السياسية والعسكرية) التي تريد لها أن تتصدر التسوية السياسية في نهاية المطاف»، والتي تشمل فصيل «مقاومة تهامة»، إلى جانب الإنفصاليين الجنوبيين، والسلفيين، الذين يحملون توجهات مغايرة لتنظيم «الإخوان المسلمين»، الذي تعده أبوظبي «التهديد الأكثر جدية لأمن المنطقة». وعن طموحات أبوظبي في ما يخص الصورة السياسية التي قد تنجم عن معركة الحديدة، أكملت المجلة بالقول إنه «في حال تمكنت الإمارات من إحكام سيطرتها على المدينة، فإن ذلك سوف يمكنها من تعيين الشخص الذي سيحكم المدينة، ذلك أن أحد المرشحين المحتملين لتولي مقاليد القيادة هناك هو طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق، والذي يقود الحرس الجمهوري»، لافتة إلى أنه «إذا ما هزم الحوثيون، فإن صالح قد يصبح رمزاً، وشخصية محورية في حزب المؤتمر الشعبي العام، ذي التوجهات القومية والعلمانية». وبحسب المجلة، فإن «تحقيق النصر في ميناء (الحديدة) من شأنه أن يعطي الإمارات العربية المتحدة يداً أقوى في المفاوضات السياسية المستقبلية، والتي يمكن ان تستخدمها (أبوظبي) في تقويض (حزب) الإصلاح، والحوثيين على حد سواء»، خصوصاً وأنه «من المحتمل أن يوافق السعوديون على ذلك، كونهم يقيّمون التقدم الميداني على الأرض (في اليمن)، إلى جانب علاقاتهم مع الإمارات العربية المتحدة بصورة أكبر عن تقييمهم لحزب الإصلاح، الذي يعتمد إلى حد كبير على الدعم المقدم من الرياض». كذلك، حذرت «فورين أفيرز» من أن معركة الحديدة سوف تفضي إلى «تعميق الأزمة الإنسانية» في اليمن، ملمحة إلى عدم نجاح «التحالف» في الإيفاء بوعوده حول «تحقيق نصر سريع»، «وتشغيل الميناء خلال وقت قصير». وأوضحت المجلة أن الوعود المشار إليها «لن تتحقق على الأرجح»، وذلك بالنظر إلى أن وصول القوات المدعومة من «التحالف» إلى مطار (الحديدة)، والتي تعد «عملية بسيطة نسبياً»، استغرق أسبوعاً، رغم الدعم الجوي الإماراتي، في إشارة إلى بطء وتيرة العمليات التي يقودها «التحالف» المذكور، مضيفة أن عملية استعادة السيطرة على الميناء سوف تكون «أكثر صعوبة، خصوصاً إذا كان التحالف يرغب في تجنب الإضرار الشديد بالبنى التحتية». وبحسب المجلة، فإنه «إذا ما تمكنت القوات المدعومة إماراتياً من السيطرة على الميناء، فإن ليس واضحاً كيف سيصار إلى نقل البضائع (إلى سائر أرجاء اليمن)، نظرا إلى أن الحوثيين سيحتفظون بسيطرتهم على المدينة، والطرق السريعة التي تربط الحديدة، بالتجمعات السكانية الأساسية في الشمال». كذلك، توقفت المجلة عند الطريقة التي بات يدار فيها ميناء عدن، الخاضع من الناحية الإسمية فقط لحكومة هادي، للقول إنه «ليس من المؤكد في أي حال من الأحوال بأن الحديدة سوف تكون آمنة، وأنها ستدار بشكل جيد (من جانب حكومة هادي) بعد هزيمة الحوثيين»، في إشارة إلى الفوضى الأمنية التي تعيشها عدن منذ طرد الجماعة منها في منتصف العام 2015. وعن المخاوف بشأن اندلاع حرب شوارع في الحديدة، شددت «فورين أفيرز» على أن «التحالف يريد أن يتجنب خوض معركة من أجل السيطرة على المدينة»، وذلك لـ «سبب وجيه»، يتعلق بالتبعات «المدمرة» لمثل تلك المعركة على سكانها، البالغ تعدادهم 600 ألف نسمة، كما يتعلق بمزاعم «التحالف» حول وجود «قوات مقاومة جاهزة لمهاجمة الحوثيين داخل المدينة»، ومستعدة لخوض معركة «تحرير» عندما يحين الوقت، علماً أنه لم تظهر قوى شبيهة داخل الحديدة طيلة المدة التي خضعت فيها لسيطرة «أنصار الله» منذ ثلاث سنوات، وفق المجلة. وأكملت «فورين أفيرز»: «عند هذه النقطة، فإن السيناريو الأفضل يتمثل في التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحوثيين، والتحالف، والذي من شأنه أن يجنبهما معركة مدمرة على الميناء، وربما يسهم حتى في فتح إمكانية إجراء جولة جديدة من محادثات السلام». وزادت المجلة أن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، «يكافح بشدة من أجل منع وقوع المعركة»، في ضوء إصرار حكومة هادي، و«التحالف» على مطلب انسحاب «أنصار الله» من المدينة بشكل كامل، وتشدد الطرف المقابل في رفض هذا المطلب. ولفتت المجلة إلى أنه «إذا لم ينجح غريفيث (في مساعيه)، فإن هناك إجماعا واسعاً على أن المعركة سوف تكون طويلة، ومرهقة إلى حد كبير»، مع ترجيحها سقوط المدينة، ومينائها في يد «التحالف» في نهاية المطاف، على نحو يمكن أن يصب في مصلحة أبوظبي، التي «قد تحول اهتمامها باتجاه تعز، حيث قد يعمل الإماراتيون على طرد الحوثيين، وقلب ميزان القوى في غير صالح كل من الحوثيين، والإصلاح»، بحيث يتسنى لها إسناد السلطة لحلفائها على امتداد مناطق الجنوب، وساحل البحر الأحمر، وكذلك في تعز. وذهبت المجلة إلى أنه «في حال تمكن الإماراتيون من حث الحوثيين على الجنوح (إلى التسوية)، ووقف إطلاق المزيد من الصواريخ البالستية باتجاه المملكة»، على غرار ما فعلوه في 25 يونيو الحالي، فإنه «من المرجح أن يقبل السعوديون بهذا التحول في مسار الاحداث». ومع ذلك، يبقى القول إنه «من غير الواضح أن الحوثيين سيذعنون لشروط التحالف المتعلقة بانسحابهم، ونزع سلاحهم، والتنكر لإيران بصورة علنية»، فيما «يخشى غريفيث من أن المعركة الطويلة الأمد من أجل السيطرة على الحديدة، يمكن ان تعرقل جهود إحياء عملية السلام المحتضرة»، وذلك عبر «إذكاء نزعة العداء الحوثية إزاء التحالف»، من جهة، و«دفع الإماراتيين والسعوديين وحكومة هادي نحو مواقف أكثر تشدداً» من جهة ثانية.

آخر الأخبار