أحمد فؤاد - صحافي مصري | في مطلع القرن العشرين، ذاك القرن الذي تدين له البشرية بشكلها الحالي، والدول الكبرى بوضعها فيه، كان يحلو للغربيين وصف روسيا، الإمبراطورية القيصرية وقتها، بأنها عملاق بأرجل طينية، أي أنها رغم المساحة الهائلة، والإمكانات الاقتصادية غير المحدودة، لم تتحول بعد لتصير دولة، فتترنح مع أقل حراك أو تكاد تسقط في أول صراع.
رغم مواردها الضخمة والعنصر البشري الذي كان ولا يزال يشكل أهم عناصر القوة، كانت روسيا تدار بعقلية قيصر روماني، لا يرى إلا عالم قديم، وعناصر القوة والنفوذ كذلك، كانت عبارة عن بلاط إمبراطوري من العصور الغابرة، فصدمت الإمبراطورية وتزعزعت مع الحرب العالمية الأولى، رغم أن جيشًا أجنبيًا لم يطأ حدودها، والأغرب رغم انتصار حلفائها –بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة- وخرجت من الحرب بمعاهدة مذلة.
تُرجم سعي القيصر الروسي نيقولا الثاني للحرب ضد اليابان، في 1905، إلى هزيمة بحرية غير مسبوقة، ورثت صدور شعبه نارًا لم تنطفئ، ليعقبها محاولات للإصلاح الجزئي، وسعت أكثر من الجماهير الواعية، لتضمن للثورة البلشفية داعمين جدد، والتي أنهت بعد ذلك حكم القيصر، ومن ثم، أطاحت برأسه ورؤوس أسرته بالكامل، في مذبحة لا يزال يذكرها التاريخ.
القيصر الذي ملك دولة تعادل في مساحتها أوروبا الغربية بالكامل، وبعدد سكان يساوي كل عدد سكان دول المركز (ألمانيا والدولة العثمانية والنمسا وبلغاريا)، وخسر في الحرب نحو 3 ملايين رجل، فثارت ضده الطبقة الوسطى، التي تحملت عناء سنوات الحرب، من حيث مستوى المعيشة والتكلفة البشرية، ليتسع الغضب بلا حدود، تدعمه مجموعات عديدة تدعو للإصلاح بالمطالبة بتغيير الحكم، فتنازل نيقولا الثاني عن العرش بعد قيام ثورة فبراير 1917، رغم الدعم البريطاني المكثف له ولقواته.
الماضي الروسي يتشابه كثيرًا مع حال المملكة العربية السعودية، التي تشتبك في حرب فعلية مع اليمن، لم تورث صدور أبنائها إلا زعزعة الثقة في القيادة، وأدت إلى بركان غضب من الحد الجنوبي، ينتظر للانتقام من أسرة أل سعود، ردًا على مذابح مستمرة لأربع سنوات، بلا أي هدف عسكري أو إستراتيجي، سوى محاولة إجبار قادة اليمن على طلب التفاوض، لتحقيق انتصار معنوي، يبرر التكلفة المادية والبشرية للحرب، التي أصبحت أطول حرب عربية-عربية من حيث مدتها.
ولي العهد يقرع طبول الحرب مع إيران، متعاميًا عن نتائج مغامراته الكارثية، سواء في اليمن، أو في حصار قطر، ولو نظر مرة واحدة على نتائج أي من تحركاته غير المحسوبة، لخفتت حدة حديثه تجاه إيران، وهي بالتأكيد أقدر عسكريًا وبشريًا من اليمن أو قطر، وكلاهما صراع لم يتمكن من تحقيق النصر فيه.
قبل إعلان الحرب على اليمن، لم يقرأ الأمير الشغوف بتحقيق انتصار تحديات الصراع، يحجز له مكانًا كقائد عسكري من عينة نابليون وربما جوكوف، بل اختار إعلان الحرب من داخل قصره، لم يدرك واقع اليمن، ولم يتعرف إلى سبب إحجام جده عبد العزيز عن الاستمرار في الحرب مع الإمام سنة 1934، رغم الانتصارات في البداية، وانسحاب قوات الإمام من المناطق الساحلية، وإخلائها أمام الجيش السعودي، المعزز وقتها بأفضل الأسلحة البريطانية.
وعوضًا عن استمراره في المعارك، أدرك "عبد العزيز" بذكاء فخ الإمام يحيى حميد الدين لاستدراجه نحو قلب اليمن ومرتفعاته، ففضل توقيع معاهدة صلح مع المملكة المتوكلية اليمنية، ودفن للأبد أي أطماع في ضم الأراضي اليمنية، وحقق الاستقرار النسبي للمملكة الوليدة بمعاهدة الطائف.
في اليمن التي قامت من غفوة طويلة، تسببت فيها الأموال السعودية المتدفقة، لإفساد ذمم السياسيين، تبدو الإجابة على حلم العدوان على إيران، فإن كانت إيران تموّل وتدرّب الحوثيين –كما يقول إعلام بن سلمان، ولم تستطع كل القوات العربية إخضاعها، أو حتى إسكات الخطر الكامن في صواريخها، وهو قول كذب بالكلية، فهل تستطيع القوات السعودية وحدها إخضاع طهران!.
(خاص - راصد اليمن)