الرياض تبحث عن نصر: «مبادرة الميناء» لم تسعفها

تتعاظم خسائر المملكة العربية السعودية، العسكرية والاقتصادية والأخلاقية، في حربها التي تشنها على اليمن منذ قرابة أربع سنوات. ومع ذلك تحاول الرياض حصد مكاسب سياسية وهمية في معركة، مستخدمةً مبادرات بناء الثقة وحسن النوايا التي سبق وقدمتها صنعاء بشأن ميناء الحديدة.
غرّد السفير السعودي لدي واشنطن، خالد بن سلمان، أمس الثلاثاء، على «تويتر»، حول ميناء الحديدة، معتبراً أن «موافقة أنصار الله على منح الأمم المتحدة دور إشرافي ورقابي في الميناء، جاءت نتيجة للتصعيد العسكري لدول التحالف في محيط مدينة الحديدة». وربط شقيق ولي العهد السعودي، بين التصعيد العسكري «للتحالف» في الحديدة وبين القبول بتسليم الميناء، مشيراً الى أن «الضغط والتصعيد العسكريين أفضل سبيل لدفعهم إلى الحل السياسي».
قوبلت تغريدة خالد بن سلمان، بسخرية واسعة من قبل الناشطين اليمنيين، الموالين والمناهضين «للتحالف»، حيث كشف من خلالها سفير الرياض لدى واشنطن، تمنيات السعودية بتحقيق أي نصر حتى وان كان وهمياً تعيد من خلاله ماء وجهها، الذي سقط في حرب اليمن. كما أكدت تلك تغريدة شقيق ولي العهد السعودي، أن الرياض فقدت آمالها في تحقيق أي نصرٍ عسكري على الأرض، بعد عجز قواتها، والقوات التي استقدمتها من حماية الحد الجنوبي للمملكة من ضربات وتوغل قوات «الإنقاذ» في جبال نجران وجيزان وصحاري عسير.
لا تسليم ولا تفريط
هناك من استغل المبادرة داخلياً، واعتبرها مبادرة تفريط في أهم مرفأ بحري في البلاد، لكن تلك التقديرات كانت خاطئة، فـ«الإنقاذ» لم تسلم الميناء ولم تفرط بالسيادة، بل «تعاطت مع مبادرة أممية لدواعٍ إنسانية»، لقطع ذرائع «التحالف» واسقاط حججه في التحريض على ميناء الحديدة، مشترطة وضع موانئ المناطق الجنوبية والشرقية الواقعة تحت سيطرة الإمارات تحت الإشراف الأممي أيضاً، كما وعدت الأمم المتحدة عبر مبعوثها، مارتن جريفيث، بتفعيل الميناء بكامل طاقته من خلال إصلاح «الكرينات» التي استهدفت أواخر العام 2015 من قبل طيران «التحالف»، والتي أدت إلى خروج 60% من قدرة الميناء عن الخدمة. يضاف إلى إعادة فتح ميناء رأس عيسى النفطي في الحديدة، ووقف المضايقات التي يتعرض لها ميناء الحديدة من قبل «التحالف» وتسهيل دخول كافة السفن بما فيها سفن الحاويات التي منعها «التحالف» من الدخول إلى الميناء منذ مطلع العام الحالي.
مبادرة إنسانية قديمة
لكن مبادرة صنعاء التي أعتبرها سفير الرياض في واشنطن، نصراً سياسياً «للتحالف»، لم تكن جديدة، ولا ارتباط لها بالتصعيد العسكري للقوات الموالية للإمارات في محيط مدينة الحديدة. تلك المبادرة تعود إلى أكثر من عام، وقدّمتها حركة «أنصار الله» لدواعٍ إنسانية، للمبعوث الدولي السابق، إسماعيل ولد الشيخ، ومن بعده المبعوث الحالي مارتن جريفيث، الذي قدم مبادرة مماثلة تعاملت معها صنعاء بصورة إيجابية لإسقاط ذرائع «التحالف».
في حوار أجرته معه صحيفة «لوفيغاور» الفرنسية، في الـ 17 من يوليو الماضي، أكد زعيم حركة «أنصار الله»، عبدالملك الحوثي، أن «حركته لم تمانع من قيام الأمم المتحدة بدور إشرافي ولوجيستي في ميناء الحديدة، بشرط وقف الحرب على الحديدة منذ أيام المبعوث الدولي السابق إسماعيل ولد الشيخ». وأشار الحوثي، إلى أن حركته «لم تمانع أيضاً من قيام الأمم المتحدة بجمع إيرادات الموانئ اليمنية بما فيها ميناء الحديدة، وإيرادات النفط، والغاز في مأرب وشبوة وحضرموت وتخصيصها للمرتبات وتغطية واردات البلد من العملات الصعبة للحد من الأزمة الإنسانية». واشترطت الحركة، أن «تقوم الأمم المتحدة بصرف رواتب الموظفين في المحافظات التي لم تحتلها السعودية ولا الإمارات من البنك المركزي في صنعاء».
وأوضح الحوثي في أكثر من خطاب له، إلى أن «أنصار الله» وافقت في أول لقاء لها مع المبعوث الدولي الحالي، مارتن جريفيث، على «نقل فريق الرقابة الأممي اليونفيل من جيبوتي إلى ميناء الحديدة بشكل مباشر بشرط وقف الحرب على الحديدة لاعتبارات إنسانية». وقال الحوثي أن «عدم قبولهم بذلك كشف دول التحالف وعرى مزاعمها، وتحديداً الإمارات التي تسعى للسيطرة على الموانئ اليمنية تحت اشراف وحماية أمريكية لأهداف استعمارية واطماع اقتصادية».
دور اشرافي وليس تسليم
تصريح السفير السعودي خالد بن سلمان، بشأن ميناء الحديدة، إعتبره عضو «وفد صنعاء» للمفاوضات، سليم المغلس، مثيراً «للشفقة والسخرية معاً». وأكد المغلس في تصريح «للعربي» أن «تحالف العدوان الذي عجز عن تحقيق انجاز عسكري في الحديدة ، يذهب الى خداع العالم وخداع مرتزقته ويمنح نفسه نصراً وهمياً في الحديدة، محاولاً رفع المعنويات المنهارة لقواته في ميدان المعركة والتي تتلقى كل يوم الضربات المنكلة والهزائم المتوالية من قبل الجيش واللجان الشعبية». وأشار المغلس إلى أن «ادعاءات السفير السعودي خالد بن سلمان بأن التصعيد العسكري الاخير في الحديدة مثل دافعاً لإطلاق المبادرة التي تمنح الامم المتحدة دور إشرافي ورقابي في الميناء وليس دور إداري واساسي في الميناء، يكذبه الواقع حيث أن مبادرة الميناء قدمها المبعوث الدولي، مارتن جريفث، في وقت سابق من العام الحالي في إطار معالجة شاملة لأزمة رواتب موظفي الدولة». ووفقاً للمغلس، فإن «المبادرة تهدف ايضاً إلى جمع ايرادات الميناء مع بقية الموانئ الواقعة تحت سيطرة الاحتلال في المناطق الجنوبية والشرقية، وكذلك جمع ايرادات النفط والغاز والمنافذ المحتلة في حساب واحد في البنك المركزي لصالح رواتب الموظفين والذي تعاطى معها انصار الله بشكل ايجابي في حينه وبشكل معلن وليس كما يتم طرحه اليوم من قبل الواهمين في الرياض».
ولفت المغلس الى أن «هذا التصريح تناغم من حيث مضمونه مع تغريدات بعض وزراء حكومة هادي وهو ما يكشف نوايا العدوان العدائية لارتكاب المزيد من الجرائم بحق ابناء الحديدة واستمرار التصعيد وعدم جديتهم في الذهاب الى حل سياسي من خلال المشاورات المقبلة».

 

(رشيد الحداد - العربي)

آخر الأخبار