خاص | ماليزيا والخيار السعودي

أحمد فؤاد - كاتب عربي مصري | تمر ماليزيا بفترة صعبة، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، بعد فشل حكومة رزاق نجيب في قيادة الدولة الإسلامية إلى الاستمرار في كونها الدولة المثال، لكثير من الدول الإسلامية و-العربية خصوصًا- ، والتي كانت تنظر لتجربتها التنموية بشغف وغبطة كبيرين، مع ارتباط تجربتها بوجه قريب من مزاج الشارع، مثل مهاتير محمد.

غازلت ماليزيا، خلال فترة صعودها الممتد من أواسط الثمانينات إلى بداية الألفية الشارع العربي بشدة، مع غياب الدول العربية الكبرى أو التقليدية من مشهد الإنجاز، ومعاناة دول أخرى، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وبدت الدولة الأسيوية الصغيرة نموذجًا لما يمكن فعله، إذا تحققت "خلطة مهاتير"، والتي جاب العالم يشرحها بالتفصيل، ليضيف إلى الشغف العربي وجعًا، بغياب الحكومة الناجحة عن عالمهم المتراجع.

ومع التراجع الشديد في مسيرة ماليزيا، تحت حكم نجيب رزاق، ثم عودة مهاتير للحكم، كأكبر حكام العالم التنفيذيين سنًا، وضع الرجل يده على مفاتيح الخلل بسرعة، وبدأ فورًا مسيرة إصلاحية، من المبكر الحكم عليها الآن، لكن النتائج الأولية مبشرة، فطالما حضرت العدالة، فالنجاح ممكن، والشفافية تفتح مغاليق الأبواب والقلوب، والشعوب التي تجد حكومتها في الخندق ذاته، تندفع تلقائيًا إلى العمل بكل جهد.

بدأ "مهاتير" بصورة ماليزيا الذهنية لدى الدول العربية والإسلامية، وأعلن عبر وزير دفاعه، سحب قواته المشاركة في العدوان على الشعب اليمني فورًا، وقال محمد سابو نصًا: "إن ماليزيا لا تريد المشاركة في أي حرب مع دول الجوار، وهي تسعى لترسيخ مبدأ الحيادية وتمتين علاقات الصداقة مع مختلف دول العالم، باستثناء الكيان الصهيوني، موضحاً أن تلك العلاقات تشمل جميع الدول الإسلامية والعربية بشكل خاص"

حديث الحكومة الماليزية الجديدة كان قنبلة على تحالف آل سعود العدواني في اليمن، كون الانسحاب الواضح والحديث الحاد لوزير الدفاع الماليزي، نزع ورقة التوت عن عدوان سافر بحق شعب عربي شقيق، وزاد من المطالبات الشعبية السودانية للتراجع عن المشاركة في العدوان، مع الكلفة البشرية الضخمة للمشاركة السودانية.

الصدام الماليزي المبكر مع السعودية، لم يتأجل بسبب الوضع الاقتصادي الصعب، بل ربما كان الوضع ذاته هو الأدعى لتعجيل إعلان ما هو معروف من جفوة بين مهاتير والرياض، مع إعلان الحرب الواسعة ضد الفساد، والضوابط الجديدة لرجال الحكومة، التي تمنع تكرار نموذج "رزاق"، في القريب على الأقل.

أدرك مهاتير، بحكمة السنين، أن الأموال السعودية التي اندفعت إلى كوالالمبور، كانت مُفسدة للسياسيين، وأن دبلوماسية الدولار التي تتبعها الرياض مع عواصم العالم مدمرة لمستقبل الدول التي ترتهن نفسها لها، وغامر بامتناع المملكة الغنية عن الوفاء بتعهدات استثمارية ضخمة، قطعها سلمان بن عبد العزيز، خلال زيارته إلى ماليزيا في فبراير 2017.

الأموال السعودية لم تتوقف عند حدود المعلن، بل تعدتها إلى "هبات شخصية" لرئيس الوزراء السابق، تمثلت في مبلغ 681 مليون دولار إلى حسابه من صندوق التمويل الحكومي "إم دي بي1"، وهي الأموال التي قالت الحكومة السعودية في وقتٍ لاحق إنها حوّلتها للرجل وليس للصندوق، وحولت الإمارات أموالًا عن طريق شركة الاستثمارات البترولية الدولية "إيبيك" المملوكة لحكومة أبو ظبي، إلى صندوق الاستثمار الماليزي ذاته، حيث قالت الشركة إنها وافقت على منح صندوق التنمية الماليزي المثقل بالديون، مليار دولار نقداً، علاوة على تحمل 3.5 مليار دولار من ديونه مقابل بعض أصوله.

اتهامات الفساد الضخمة والعديدة، التي يواجهها رزاق محمد، تبدو قطرة في بحر بيع سياسة دولة خارجية إلى تحالف عدواني، يقتل الأطفال والنساء، كلما زاد فشله في ساحات المعارك، وتدمغ الدولة بأنها "تابعة"، هذا ما أراد مهاتير أن تكون أولى أفعاله في ماليزيا الجديدة، جوار إجراءات اقتصادية، تكافح الفساد المستشري في البلد الغني، والتي سكانه –نحو 30 مليون نسمة- من عائدات التنمية، وتجعلها وقفًا على حكومة فاسدة وشركات أكثر فسادًا.

الدرس الذي أراد مهاتير إيصاله إلى المنطقة العربية، هو درس الاستقلال، ومكافحة التبعية، فلن تحقق أي دولة تقدمًا على حساب دماء شعب أعزل، والاستثمارات الأجنبية المغموسة بالفساد لن تشتري المستقبل ولا الإنجازات، وهو درس أهم من طريق الصعود الماليزي ذاته.

 

(خاص | راصد اليمن)

آخر الأخبار