رجّح موقع «ستراتفور» أن تعمد كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، في الفترة المقبلة إلى إثارة موضوع العلاقات الاقتصادية بين عُمان وإيران، مشيراً إلى أن «الرياض، وأبوظبي لديهما أسبابهما الخاصة من أجل دفع السياسات العمانية إلى التماشي مع سياساتهما، إلا أنهما لن تتمكنان من تكرار استراتيجية الحصار المشدد ضد قطر، من دون خسارة دعم واشنطن».
وأوضح الموقع الاستخباري أن سلطنة عُمان، في المقابل، «يمكن أن تتلافى الضغط الخارجي، من خلال إجراء تعديلات على سياستها، وبالتالي الحفاظ على استقلالها».
وذكّر الموقع بـ«حيادية» السياسة الخارجية العمانية، و«ديبلوماسيتها الفاعلة» على نحو جعل مسقط «صديقة للجميع»، و«في منأى عن الخصومات» بين الجهات الإقليمية والدولية، كالولايات المتحدة وإيران والمملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، «فإن كل ذلك يمكن أن يتغير»، ذلك أن كلاً من ابن سلمان في السعودية، وابن زايد في الإمارات، «يستشعران فرصة من أجل إحداث إنعطافة في (سياسات) عمان، وإجبار مسقط على تبني سياسات تتماشى على نحو أوثق مع سياساتهما».
وشدد الموقع على أن «الرياض، وأبوظبي، وبالنظر إلى استفادتهما من وصول علاقاتهما مع واشنطن إلى مستويات عالية، لديهما نافذة من أجل تحين الفرصة لتحدي حيادية عُمان»، مضيفاً أن «استراتيجية عمالقة الخليج، حتى يكتب لها النجاح، يجب أن تكون متقنة»، في وقت «يتوفر العديد من الوسائل التي يمكن من خلالها لمسقط أن تقاوم» تلك الاستراتيجية.
وأضاف «ستراتفور» أن «الولايات المتحدة، على مر التاريخ، أبدت تسامحاً إزاء حياد عُمان، وعكفت على الاستفادة منه إلا أن ذلك التسامح سوف يتعرض لضغوط، ولا سيما من جانب السعوديين، والإماراتيين، الذين يكنون ضغائن تاريخية بحق مسقط»، وهو ما يمكن أن يضع الأخيرة في مواجهة «أكبر التحديات» لدورها الحيادي منذ سبعينات القرن الماضي، على وقع توجه واشنطن إلى رفع الضغوطات على إيران، إلى حدودها القصوى، موضحاً أن مسقط «أعاقت الجهود السعودية - الإماراتية بصورة متواصلة ومستمرة من أجل إنشاء مجلس تعاون خليجي أكثر متانة، وتماسكاً»، كما «رفضت الانضمام إلى جيرانها الخليجيين الأقوياء في تدابير فرض الحصار على قطر»، إلى جانب «حفاظها على العلاقات التجارية والديبلوماسية السليمة مع إيران».
كما لفت الموقع إلى انزعاج الرياض، وأبوظبي من دور مسقط، واتهاماتهما للأخيرة بـ«إعطاء الحوثيين قدراً كبيراً من النفوذ» في ما يخص مساعيها لإيجاد تسوية للأزمة اليمنية، علماً أن الإماراتيين، والعمانيين «يتنافسون على النفوذ في محافظة المهرة اليمنية، والتي كانت تعد منطقة نفوذ عمانية حصراً، قبيل التدخل الإماراتي في الحرب الأهلية اليمنية الدائرة حالياً». من هذا المنطلق، أوضح الموقع أن العاصمتين الخليجيتين تريدان من مسقط أن «تتحلى بمرونة أكبر حيال مصالحهما الإقليمية في عدد من القضايا»، وأن تبادر إلى «وقف التجارة مع إيران بشكل تام»، و«إغلاق مسارات تهريب (الأسلحة والبضائع) لصالح الحوثيين»، و«المساعدة على دفع الدول الخليجية الأخرى على الإنصياع» لهما، في إشارة إلى الكويت.
وفي سياق متصل، لحظ «ستراتفور» أن الدولتين الخليجيتين «تمتلكان عدة وسائل متاحة من أجل تحقيق» الأهداف المشار إليها، بما في ذلك «قدرتهما على ضعضعة العلاقات بين مسقط، وواشنطن».
وأردف الموقع أن الجانبين قد يعمدان إلى استغلال علاقاتهما الوثيقة بالإدارة الأمريكية، والتدخل لدى الأخيرة عبر «طرح تساؤلات بشأن ولاء عمان للأهداف الإقليمية للولايات المتحدة»، و«الإيحاء لمسقط بأن واشنطن قد تعمد إلى فرض عقوبات ضد الشركات، والأفراد، والمسؤولين في عمان، ممن لا يبدون تعاوناً مع الاستراتيجية (الأمريكية) المعادية لإيران»، وكذلك من خلال اللجوء إلى «إقناع واشنطن بأن مسقط تشكل الحلقة الأضعف من استراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية المناهضة لإيران، بذريعة أنها تتيح لشحنات الأسلحة المتوجهة للحوثيين بعبور أراضيها، من جهة، وتتيح المجال لإيران من أجل الالتفاف على العقوبات والحصار، من جهة ثانية».
وفي الإطار عينه، أشار الموقع إلى أن لدى السعوديين، والإماراتيين «خيارات أخرى»، في حال فشلت رهاناتهم على دور واشنطن، كما بدا خلال الأزمة الخليجية، ذلك أن «أبوظبي قد تمارس ضغوطاً على المواطنين العُمانيين، والشركات العُمانية، وذلك سواء في المناطق الحدودية، أو داخل أراضي الإمارات العربية المتحدة نفسها، التي تعد أكبر شريك تجاري لعُمان»، وذلك من خلال إبطاء وتيرة منحهم تأشيرات الدخول، وزيادة فترة إنتظارهم على الحدود، إلى جانب تشديد الإجراءات الرقابية بحق الشركات العمانية العاملة داخل الإمارات، فضلاً عن إمكانية تسريح العديد من العمّال العُمانيين، ولا سيما أولئك العاملين لدى الحكومة الإماراتية، التي سبق أن اعتمدت هذا الإجراء من أجل «التعبير عن الامتعاض السياسي إزاء حكومات معينة».
كما لفت «ستراتفور» إلى ملف الاستثمارات الخليجية في عُمان، حيث أنشأ السعوديون صندوقاً استثمارياً خاصاً بالسلطنة، علاوة على تخصيصهم استثمارات بقيمة 210 مليون دولار، في ميناء الدقم، فيما عكف الإماراتيون على ضخ استثمارات مالية في مشروعات الموانئ العمانية في صلالة، وصحار، مشدداً على أن «القوتين الخليجيتين، وبغرض تغيير سلوك عُمان، يمكن أن تخفضا استثماراتهما فيها، أو تأخير التحويلات النقدية (منها، وإليها)»، فيما بإمكانهما أيضاً العمل على «ضخ المزيد من الاستثمارات، كوسيلة لجذب مسقط إلى جانبها».
وعن إمكانية دخول الرياض، وأبوظبي على خط خلافة السلطان قابوس، لفت «ستراتفور» إلى أنه «يمكن أن تعمدا إلى توظيف شبكاتهما الاستخبارية، وعلاقاتهما مع العائلة الحاكمة (في عُمان) من أجل التأثير على مسار عملية الخلافة».
وفي مقابل كل تلك الضغوط، رجّح «ستراتفور» أن تقوم عُمان بـ«تغيير موقفها في عدد من القضايا»، مشيراً إلى أن الأخيرة «يمكن أن تعمل على مكافحة التهريب لصالح الحوثيين في اليمن»، كما أنها «قد تبادر إلى اتخاذ خطوات من أجل تقليص حجم التجارة مع إيران»، إضافة إلى أنه «يمكن لها أن تدير مسار انتقال السلطة بصورة تضمن أن يكون السلطان القادم (خلفاً لقابوس)، حالما يتولى السلطة، حائزاً على موافقة الرياض، وأبوظبي».
أما عن نقاط قوة السلطنة، فقد شدد الموقع على أن «مسقط، خلافاً للدوحة، لا تملك قناة تلفزيونية على غرار قناة الجزيرة، المزعجة للحكومات الإقليمية»، كما أنه «لا يمكن اتهامها باستضافة (قيادات) تنظيم الإخوان المسلمين»، علاوة على «العلاقات الشخصية» التي تربط السلطان قابوس بعدد من قادة الحكومات الغربية، إلى جانب «جاذبية البلاد للاستثمارات الخارجية المباشرة»، من بلدان مثل الهند والصين، على نحو يدفع إلى القول إن سحب الاستثمارات السعودية، والإماراتية من عُمان، يمكن أن يدفعها إلى الارتماء في أحضان بلدان أخرى. وبحسب الموقع، فإن «الولايات المتحدة، تقدّر، على الأرجح، الحياد العام لعمان، ما يعني أنه من غير المرجح أن تنجح المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة في تصرفاتهما، إذا ما ظهرت تلك التصرفات على أنها تكرار لتجربة حصار قطر، مع عُمان».
ورغم إشادته بعراقة تاريخ سلطنة عُمان، وبموقعها الاستراتيجي، شرح «ستراتفور» أن «صغر حجم السلطنة، وقاعدة الموارد المتواضعة المتوافرة لديها، قياساً بجيرانها السعوديين، والإماراتيين، وفّر لها اقتصاداً متوسط الحجم»، مشيراً إلى أن ذلك «يمكن أن يحدّ من الطموحات العُمانية، وإن وفر لها كذلك، ثروة كافية من أجل الحفاظ على صيغة العقد الاجتماعي فيها».