بين «همجية» السلفيين وفضائح طارق صالح: الإمارات تنكسر في الحديدة

إسماعيل أبو جلال - العربي-

تصدَّرت دولة الإمارات طيلة الشهر الماضي واجهة المشهد العسكري في معارك الساحل الغربي، وهي المعارك التي حازت على اهتمام وسائل إعلام محلية وعربية ودولية، واستطاعت من خلالها تحقيق حضور لم يكن متوقعاً، خاصة بعد وصول القوات الموالية لها إلى الأطراف الجنوبية من مدينة الحديدة، وادعائها السيطرة على مطار المدينة بعد معارك شرسة مع «أنصار الله». هذا الأمر فرض على المحللين العسكريين المسارعة إلى وضع احتمالاتهم لمسار المعركة، وتوقع وصول تلك القوات إلى الميناء الاستراتيجي الواقع في شمال المدينة خلال أيام قليلة، إلا أن تلك التوقعات سرعان ما وجدت طريقها نحو الانحسار والتراجع.
وتزامن هذا التراجع مع إعلان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الأحد الماضي، وقف معركة الحديدة بشكل مؤقت، لـ«إتاحة الفرصة لجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن جريفث»، حتى يتسنى له «تحقيق انسحاب غير مشروط للحوثيين من مدينة الحديدة». مراقبون ومحللون عسكريون رأوا أن هذه التصريحات بمثابة إعلان فشل خطة الإمارات في قيادة معركة الحديدة، وأن هذا الفشل، يؤكد حقيقة الضربات الموجعة التي ما زالت تتلقاها القوات الموالية لها عند البوابة الجنوبية لمدينة الحديدة، والمديريات المحاذية لها. 
ويرى مراقبون آخرون أن تراجع الإمارات عن خوض معركة الحديدة، لم يكن نتيجة لأعداد الضحايا والأضرار التي لحقت بالقوات الموالية لها ولحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وإنما لأنها وجدت نفسها في مواجهة حقائق لا مفر منها، وفي مقدمتها: «فساد أدواتها المعتمدة في الحرب»، والتي ظهرت جلياً من خلال الفضائح المتكررة لقادة عسكريين وضباط وأفراد في القوات التي راهنت على ولائها، وأثبتت عدم صدقيتها في الولاء، إضافة إلى ركاكة الخطط العسكرية، التي مكّنت قوات «أنصار الله» من تحقيق اختراقات يومية لمختلف المواقع التي أضحت تحت سيطرتها على امتداد الخط الساحلي، من محيط مدينة الخوخة ومديريتي التحيتا والدريهمي، وصولاً إلى المطار. 
أمام هكذا واقع، وجدت الامارات نفسها مجبرة على عدم الإفصاح عن تلك الحقائق، وفضَّلت الإعلان عن تعليق المعارك، تحت مبرر فتح الطريق أمام الحل السياسي، الذي لم يكن ضمن مفرداتها السياسية والعسكرية، منذ اليوم الأول لمعارك الساحل الغربي، قبل قرابة ثلاثة أعوام.

فساد السلفيين

اعتمدت الإمارات، في تكوين القوات الموالية لها على تجنيد «السلفيين» من أبناء المحافظات الجنوبية، واستطاعت خلال السنوات الثلاث الماضية تكوين عدد من الألوية العسكرية، وتجهيزهم للحرب في الساحل الغربي. وتشير المعلومات إلى أن عددها وصل إلى 6 ألوية، تقع تحت قيادة أبو زرعة المحرمي. 
ويرى مراقبون أن هذه القوات ظلت تقدم ولاءها العقائدي على ولائها للإمارات، حتى وجدت الأخيرة نفسها في عزلة عما يجري على الأرض، فقد اتخذ «السلفيون» من القوة التي تحت سيطرتهم وسيلة لتنفيذ ممارسات متشددة وفق معتقداتهم، كهدم الأضرحة والمساجد في مختلف المناطق التي وصلوا إليها، من دون إقامة أي اعتبار لأهالي تلك المناطق وارتباطهم بها، الأمر الذي أدى إلى نفور الأهالي من تلك القوات وعدم وقوفهم إلى جانبها، ما أثر على مسار الحرب.
ما يعزز هذا الطرح، ما أكده الناشط علي هجام، من مديرية زبيد، لـ«العربي»، عن أن «أغلب المنتسبين لألوية العمالقة سلفيين جهاديين، وخطرهم على اليمن والإمارات وغيرها، لا يختلف عن خطر حزب الإصلاح (إخوان اليمن)، فهم لا يقاتلون في الجبهات فقط، وإنما يدمرون كل شيء أمامهم، يدمرون المساجد والأضرحة في أي منطقة وصلوا إليها في الساحل الغربي، وعمرها مئات السنين».
ويضيف: «كنا في البداية متحمسين لأن نكون ضمن هذه القوات، لكننا بعدما وجدناهم لا يحترمون شعائرنا، رفضنا حتى التعاون معهم».
ويشير هجام، إلى حديث دار بين أحد الضباط الإماراتيين لمدينة الخوخة وعدد من المشائخ في تهامة، إذ قالوا له حينها أن «هذه المساجد والأضرحة لها مكانة في نفوس أغلب أبناء تهامة، وأن تدميرها معناه تدمير لنا»، مؤكدين له أنهم لا يضمنون «مشاركة أبناء تهامة في المقاومة ضد الحوثيين إذا استمر هذا الدمار»، فما كان من الضابط الإماراتي إلا إبلاغهم بـ«أنه سيمنع تلك التجاوزات»، ليفاجأوا جميعاً بعد ذلك بيومين بقيام «قوات العمالقة» بهدم أجزاء من مسجد وضريح الشيخ أحمد الفاز.
يؤكد هجام «وبالفعل انسحب كثيرون من المقاومة، وسط غضب القادة الإماراتيين، كما وصلتنا الاخبار، ناهيك عن الدور الذي لعبه ناشطون ومؤسسات ثقافية بإيصال تلك الاعتداءات إلى مختلف المنظمات الدولية، وعلى ضوئها تزايدت مخاوف الإمارات من تزايد الانتقادات العالمية ضدها، ما قد يؤدي في الأخير إلى مخاطر قد تهدد مستقبل علاقاتها الدولية».

فضائح طارق

بعدما استطاع طارق محمد عبد الله صالح، قائد كتيبة حماية الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الفرار من صنعاء إلى الجنوب، على أثر المواجهات التي دارت بين قوات عمه و«أنصار الله»، في ديسمبر الماضي، وجد هناك حفاوةً وترحيباً من قيادة القوات الإماراتية في عدن، التي سرعان ما سلَّمته قيادة أحد الألوية الموالية لها، ليكون ضمن القوات التي هاجمت مقر «معسكر خالد بن الوليد» في منطقة موزع، الواقعة على مشارف مدينة المخا، قبل أن تفتح له هناك معسكراً تدريبياً جديداً، يستقبل فيه الموالين له من الضباط والجنود في ألوية الرئاسة، التي ظلت تحت قيادته طيلة أكثر من عشر سنوات، بالإضافة الى تجنيد متطوعين من مديريتي موزع والوازعية في محافظة تعز، ومديريتي حيس والخوخة من محافظة الحديدة. 
ويؤكد مراقبون أن «الحماس» الإماراتي للعميد طارق صالح «لم يدم طويلاً»، فهي وإن كانت قد تغافلت عن تقارير رُفعت إليها من قيادات في «المقاومة الجنوبية» عن «أدوار مشبوهة له ولضباط تابعين له» أثَّرت في مسار المعركة في محيط مدينة المخا، ثم مدينة الخوخة، إلا أنها «وجدت نفسها أمام حقائق لا يمكن التهاون بها، خاصة بعد ظهور تسجيلات مصورة في قنوات تلفزيونية، تفضح بعضاً من أتباعه وقد تحولوا إلى مقاتلين في القوات التابعة لـ«أنصار الله»، مشيرين إلى أن كل ذلك برهن عن سهولة اختراق القوات التابعة له، أو أنه غير جاد في ولائه للإمارات و«التحالف».
يوضح الأستاذ في جامعة تعز، الدكتور عبد الله سعيد، في منشور على موقع التواصل الاجتماعي «فايس بوك»، أن من أسماه «أبو أيمن»، ظل «يحمل صفة القائد العسكري، من أتباع طارق صالح، وأنه استلم مطار الحديدة من ألوية العمالقة بأوامر إماراتية، وفي اليوم التالي، ظهر أبو أيمن على قناة المسيرة، ليعلن انضمامه إلى الحوثيين، ومعه المطار والقوات التي دربها ضباط اماراتيون وأمريكيون، وكان معهم كل الأسلحة الأمريكية الثقيلة والخفيفة والأموال التي سلمتها إليهم الإمارات»، واصفاً تلك الطريقة بأنها «حيلة لإنقاذ الحوثيين في الحديدة». 
وفي المقابل، تحدث المقدم المتقاعد عبد القوي السامعي إلى «العربي» قائلاً: «حالة أبو أيمن، وظهوره على قناة المسيرة، تؤكد أن طارق صالح مخترق استخباراتياً من قبل الحوثيين، وليس كما يذهب البعض إلى الترجيح بتواطؤ الإمارات، ولهذا لا يمكن التعويل عليه بالقيام بأي دور لاحق في معركة الحديدة».

آخر الأخبار