هادي والزبيدي وبن بريك... الصدام يقترب!

  

عيدروس الزبيدي وأحمد بن بريك. لواءان عسكريان جنوبيان، وحليفان «لدودان» بالنسبة إلى «شرعية» الرئيس عبد ربه منصور هادي، التي شارفت على إعلان نهاية «شهر العسل» مع محافظَي عدن وحضرموت، لسيرهما في الاتجاه المعاكس لتيار حكومة «راعي لي وباجيلك»، التي عادت أدراجها إلى منفاها الدائم في الرياض عقب عام من تعيينها، مكرسة انسلاخها عن الواقع السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي في عدن والمحافظات المجاورة لها، حيث لم تكن سوى واجهة سياسية للرئيس نفسه الذي انتهت ولايته مفعمة بالأزمات. في المقابل، يبدو المحافظان في وضع لا يُحسدان عليه في الوقت الذي تتزايد عليهما الضغوط الشعبية؛ فهما بين خيارين أحلاهما مرٌّ: إما الخضوع والانصياع لقرارات الحكومة المهاجرة ما سيفضي في النهاية إلى احتراق «كروتهما» أكثر، وإما خوض غمار الإصطدام بعربة الحكومة كخيار تفرضه سردية المشهد السياسي في عدن وحضرموت.
ذلك أن مرحلة التوافق مع «الشرعية» التي كبحت جماح محافظ عدن، القادم من رحم «المقاومة الجنوبية»، اكتشف الزبيدي، أخيراً، أنها لم تكن سوى مرحلة انتقالية لترويض قيادات الحراك الجنوبي بغية التوصل إلى قواسم مشتركة بينهم من جهة وبين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي و«التحالف العربي» من جهة أخرى، في حقبة ما بعد «تحرير» عدن، الشبيهة بمرحلة ما بعد «اتفاقات أوسلو»، التي انقسمت على إثرها الفصائل الفلسطينية إلى فِرَق، غرقت في وحل الصراع الداخلي تحت يافطة «الحكم الذاتي» في الضفة الغربية وقطاع غزة.
عيدروس الزبيدي
وفي حين يُحاصَر محافظ عدن بنيران الصراع المحتدم في المدينة بين القوى القديمة المتجددة التي تتجه بالمشهد نحو إنتاج نسخة جديدة من صراع «الطُغْمَة» و «الزُمرة» الذي طحنت رحاهُ جنوب اليمن منتصف الثمانينات، يحاول الزبيدي تفادي سيناريو الإحتراب الأهلي عبر سياسة النأي بالنفس، والحفاظ على المنجزات المحققة على صعيد الملف الأمني في عدن، لكن يبدو أن تلك السياسة لم تعد ناجعة، لاسيما مع تأزم الموقف بين قيادة السلطة المحلية من جهة وبين الرئاسة وحكومة قصر معاشيق من جهة أخرى، خصوصاً عقب أحداث مطار عدن الدولي التي اندلعت في 12 فبراير 2017م على خلفية أزمة سياسية حادة مع دولة الإمارات الداعمة لسلطة الزبيدي، المحسوبة على تيار الحراك الجنوبي الداعي إلى الإنفصال.
أحمد بن بريك
وعلى خط مواز، لا يراوح الجنرال العسكري المخضرم، أحمد سعيد بن بريك، أيضاً، «مربع الشرعية»، الذي دلف إليه من بوابة المؤسسة الأمنية والعسكرية، إلا أنه بدأ يضيق ذرعاً بممارسات رئيس الحكومة، أحمد عبيد بن دغر، «المركزية»، الأمر الذي جعله يلوح باستقالته أكثر من مرة، ويضرب بعرض الحائط معظم التوجيهات الصادرة من الحكومة، في خطوة تصعيدية وصلت لحد تهديد محافظ حضرموت بكشف أوارق الملعب السياسي التي ستطيح برؤوس كبيرة، حد قوله. ويتكئ بن بريك في خطواته لإدارة المحافظة على المؤسسة الأمنية وأجهزة الإستخبارات التي سجلت نجاحات في تفكيك خلايا إرهابية نائمة في مديريات حضرموت.
إنجازات تزامن الإعلان عنها مع اتجاه قيادة المحافظة نحو إطلاق حزمة من المشاريع، أبرزها إنشاء مصفاة حضرموت النفطية، وتحسين قطاعات الكهرباء والمياه، إضافة إلى اتخاذ قرارات في ملفات عائدات النفط والإيرادات المالية المحلية لميناء المكلا، بينما تبدو إدارة محافظة عدن عاجزة عن معالجة الملفات الخدماتية والاقتصادية، كما يرى كثيرون، علاوة على عدم سيطرتها على الموارد المالية في القطاعات الإنتاجية، والتي تأتي في مقدمتها عائدات ميناء عدن الإستراتيجي.
وتطالب جهات قيادة محافظة عدن بالاقدام على الخطوات نفسها التي أقدم عليها محافظ حضرموت، والتي أتت على غرار الخطوات التنفيذية لمحافظ مأرب، سلطان العرادة، الذي يدير حكومة مصغرة من هناك، منتزعاً صلاحيات واسعة النطاق بموجب مشروع الأقاليم الذي لم ينفذ بعد، ضارباً عرض الحائط بقرارات الحكومة التي اضطرت على مضض إلى قبول سياسة الأمر الواقع في مأرب، في الوقت الذي تعمل فيه على محاربتها في كل من عدن وحضرموت.
آراء
وبهذا الصدد، يرى الإعلامي، نجيب اليابلي، أن محافظ عدن، عيدروس الزبيدي، "لم يأت إلى عدن لكي يحولها إلى دبي أخرى أو كوالالمبور أخرى، بل أتى إلى عدن في مهمة أمنية بحتة، أتى إليها وكانت مدينة آيلة للسقوط في أي لحظة، إن لم تكن قد سقطت فعلياً بيد القاعدة وداعش والعصابات المسلحة من بلاطجة وأولاد شوارع". وفي مقال مطوَّل له، يدعو اليابلي إلى دعم السلطة المحلية في عدن والوقوف إلى جانبها، معتبراً أن الزبيدي "أتى إلى عدن ليخرجها من سواد ليلها المظلم. كانت رائحة الموت تفوح في شوارعها، وكان الكثير منكم يخرج من بيته وهو يعلم أن العودة إليه تعتبر شبه مستحيلة. أتى إليها في مهمة أمنية شبه مستحيلة، وأنتم تعلمون أن المهمة التي تحمَّلها ليست سهلة وليست نزهة، وإنما كانت هي الموت وليس سواه. لقد تحمل الزبيدي المهمة ولم يكن يوماً طامعاً في منصب أو كرسي حكم، وإنما تحملها كمقاوم مستعد لأن يقدم روحه ونفسه فداء لهذه المدينة الباسلة".
مركزية
وفي سياق متصل، تعتقد الناشطة، شفيقة عبد الفتاح، أن "الإخفاق بعدن تتحمله الحكومة بدرجة رئيسية، لأنها قيدت السلطة المحلية من خلال تكريسها لسياسة المركزية". وتضيف، في منشور لها على صفحتها في "فيس بوك"، أن "حكومة بن دغر كرّست المركزية في عدن، إذ لم يعطوا محافظ عدن صلاحيات مثله مثل محافظ حضرموت، مثل محافظ مأرب الذي يتحكم بإيرادات الإقليم وكل أموره، بعيداً عن حكومة بن دغر، لذا فتأكدوا بأنه لن يتم توريد أي مبالغ مالية إلى البنك المركزي في إقليم عدن، إذا بقي الحال على ما هو عليه".
بدوره، يتفق الناشط، علي محمد السليماني، مع وجهة النظر السابقة،عاداً أن السبب الرئيس للحالة التي وصلت إليها مدينة عدن يكمن في "الشرعية"، التي تبدو "وجهاً كالحاً متلهفاً للنهب والفيد والفتنة بين الجنوبيين، لذا فهي متحفزة للهروب في أي لحظة تتعرض فيها عدن للعدوان، ولهم سجل حافل في هذا المجال، وأكثر رجال تلك الشرعية كانوا من أقرب المقربين إلى عفاش خلال حكمه المتسم بالفساد والتآمر والغدر. لذا لم تبن المؤسسات ولم تتحسن الخدمات ولم يستفد الجنوبيون بعدن من حكومة الشرعية التي تعمل على دعم الفساد والفاسدين وتكرار الأخطاء القاتلة".
نقاط وحروف
وفي وجهة نظر مغايرة، يوجه الناشط، أسامة عوض، اللوم والعتب إلى محافظ عدن، لاعتقاده أنه منح الجانب الأمني جل اهتمامه، ما انعكس سلباً على باقي القطاعات الإقتصادية والخدماتية. ويقول إن "محافظ عدن أكثر تركيزه على الأمن، ونسي أنه يوجد مدير أمن ويقوم بعمله بكل عزيمة، لذا يجب على محافظ عدن إعادة النظر في أداء سلطته بطريقة مختلفة سعياً لبناء عدن من جديد". وفي منشور له على صفحته في "فيس بوك"، يعرب عوض عن أمله بأن يحذو محافظ عدن حذو محافظ حضرموت، لافتاً إلى "(أننا) أصبحنا نحلم أن تكون عدن مثل حضرموت، وأن تكون عقلية محافظ عدن مثل عقلية محافظ حضرموت اللواء أحمد بن بريك، الذي وضع النقاط على الحروف أمام الحكومة الهزيلة بكلام واضح وصريح. فلماذا لم يتخذ عيدروس قرارات حازمة كقرار محافظ حضرموت الأخير الذي رفض أي تعيينات من قبل الرئاسة أو الحكومة؟!".     

 

(موقع العربي) 

  

آخر الأخبار