عامان على العدوان واليمن يصمد ويقوى ويثبت أكثر

قد لا نكون متطرفين أو مغالين في التحليل والاستنتاج اذا اعتبرنا ان كل مجتمع يحتاج الى ازمة عسكرية وأمنية واقتصادية، او بمعنى اوسع الى اعتداء وحرب، تكون بمثابة معمودية تصقل أبناءه بروح القتال والصمود، وتكون ايضا ضرورية واساسية لكل دولة او لكل أمة لكي تستمر وتبقى قوية وثابتة، وربما تكون الحرب على اليمن وعلى ابنائه خير دليل على حقيقة هذه المعادلة وعلى صحتها، في صراعٍ وجوديٍ فُرض على هذا الشعب المظلوم في واحدة من اعنف الحروب عبر التاريخ.

صحيح ان اليمن تَعَرَّض خلال العامين المنصرمين لحصار خانق، مُنعت خلاله عن ابنائه أغلب حاجات الاستمرار والحياة من ادوية واغذية ومواد ضرورية، واقفل اعداؤه حدودَه البرية ومعابره البحرية ومطاراته دخولا وخروجا الاّ لِمن او لِما يخدم عدوانهم ...

ولكن اليمنيين أثبتوا انهم ابناء الارض الاقدم في التاريخ، ابناء الزمن البعيد منذ بدايات الانسان، فتكيفوا مع الحصار الخانق، وعاشوا في هذه الفترة من الحرب على اليمن كما عاش اجدادهم، دون بواخر تشطط على سواحلهم وموانئهم، دون طائرات تجوب اجواءهم وتَغُط في مطاراتهم الا للقاذفات المعتدية، ودون سيارات او شاحنات تدخل من خارج حدودهم، وقاتلوا ودافعوا وصمدوا وثبتوا.

صحيح ان اليمن كدولة وشعب وارض تَعَرّض لاقسى واكثر الاسلحة العالمية المتطورة قدرة على التدمير والتخريب، حيث استُهدِفت وبتركيزٍ متعمد بنيته التحتية بشكل كامل، ففقد مجتمعه ابسط مقومات الخدمات الاجتماعية والانسانية، والتي كانت أصلاً دون الحد الادنى من المستوى المطلوب والكافي لحاجة مدنه وقراه وابنائه..

ولكن رغم ذلك، أظهر هذا الشعب قدرة فائقة على التكيف مع فقدان هذه الخدمات وتقديماتها، فقاتل ودافع وصمد وكأنه يقاتل في الزمن الغابر حيث لم تكن قد وجِدت هذه الخدمات والبنى التحتية.

صحيح ان جيوشا جرارة من دول محيطة وبعيدة اعتدت على اليمن، بطريقة مباشرة من قبل وحداتها، او غير مباشرة عبر كثير من العملاء الداخليين الذين اثبتوا انهم ليسوا بطبيعتهم يمنيين، ولا يملكون بتاتا نواة وبذور ابناء اليمن الاشاوس الصامدين؛ وصحيح ان هذه الجيوش شنّت على اغلب محافظات اليمن وعلى حدوده البرية والبحرية المئات من معارك المواجهة الصعبة بشكل متزامن تقريبا في محاولة لتشتيت جهود ابطال اليمن ومقاتليه..

ولكن ابطال اليمن الحقيقيين (جيش ولجان شعبية وقبائل) برهنوا أنهم يشكلون عند الدفاع عن ارضهم وحقوقهم جيشا عنيدا محترفا، استطاع ان يصمد بامتياز وبتفوق على جميع تلك الجيوش الجرارة، وظهر هؤلاء الابطال بمختلف مواقعهم، من الجيش او من اللجان الشعبية او من انصار الله او من ابناء القبائل الشرفاء، انهم جميعا كتلة صلبة واحدة موحدة  تخضع لقرار واحد ولمنظومة قيادة وسيطرة مشتركة، وتنفذ قتالا منسقا متناغما بالرغم من المسافات الشاسعة بين مواقع انتشار جميع هذه الوحدات، ورغم الصعوبات الكبيرة في الاتصالات وفي التواصل والانتقال.

صحيح أن أعداء اليمن يمتلكون قدرات عسكرية ومالية واعلامية ضخمة، وقد سخّروها بالكامل في عدوانهم الواسع على هذه الدولة وعلى شعبها، فأشركوا اكثر القاذفات تطورا، و قصفوا بها الاهداف العسكرية والمدنية والشعبية والدينية بأحدث الصواريخ الموجهة والقنابل الذكية، واستعملوا الاعتدة والتجهيزات الاكثر تقنية وفعالية في العالم، في معاركهم وفي محاولاتهم الهجومية للسيطرة على المديريات والمواقع اليمنية..

ولكن رغم هذا التفوق العسكري والمادي فشل المعتدون في السيطرة على اي هدف حيوي او استراتيجي يخدم حربهم وعدوانهم، وكان هؤلاء دائما يهللون ويروّجون بشكل يدعو للسخرية عند اي تقدم ميداني بسيط، وليتبين لاحقا كذبهم وهشاشة ما حصلوا عليه..

وفي المقابل استطاع الجيش اليمني واللجان الشعبية فرض تهديد جدي وكاسح على اغلب المواقع والمدن الحدودية داخل المملكة العربية السعودية، وتوصلوا رغم الحصار والقصف والدمار الى تطوير اسلحة وتجهيزات مهمة، وكانت القدرات الصاروخية التي ادخلوها في الميدان وفاجأت العالم بالكامل، بفعاليتها وبامكانياتها التي استهدفت وهددت العمق السعودي، وبمدى تجاوز احيانا الالف كيلومتر وبحشوات متفجرة وازنة وضخمة، وخلق اليمنيون عبر هذه القدرات معادلة ردع وتوازن وقوة، فرضت نفسها بمواجهة تحالف واسع من الدول الاقليمية والغربية.

وعليه.. فبعد حرب شعواء شُنت على اليمن وعلى شعبه خلال عامين كاملين، من قبل تحالف واسع ضم دولا غنية ومتطورة ومجهزة بأحدث تقنيات العصر في الاسلحة والعتاد العسكري، وبعد حصار خانق، مُنع من خلاله على الشعب اليمني ان يستفيد من اية تجهيزات او حاجات ضرورية واساسية للاستمرار وللحياة، ها هو اليمن اليوم شعبا وجيشا ولجانا شعبية، يقف صامدا منتصرا على محيطه الظالم المعتدي، فارضاً نفسه على مجتمعٍ دولي كاذبٍ خسيس، مُسَطِّرِاً بدم شهدائه الابطال ملاحمَ مضيئة من البطولة والشرف والعنفوان، سوف تبقى للتاريخ منارة وللشعوب والامم قدوة ورسالة.

 

(العميد شارل أبي نادر/العهد)

آخر الأخبار