"فورين بوليسي": ضرب "القاعدة" وتجاهل الحملة السعودية دونه مخاطر

مع تواصل الغارات الأمريكيّة ضد تنظيم "القاعدة" في اليمن، قالت مجلة "فورين بوليسي" إن "حملة القصف الجوي الموسّعة هناك تؤشّر إلى استخدام أكثر عنفاً للقوة العسكرية تنتهجه إدارة ترامب ضد التنظيمات الإسلامويّة من سوريا إلى أفغانستان"، حيث "أقرّ البيت الأبيض نشر وحدات من القوات البحريّة، وقوات العمليات الخاصة في سوريا، ووافق على إجراء عمليات إنزال وغارات واسعة النطاق في اليمن"، لافتة إلى فوارق في عملية اتخاذ القرار على هذا الصعيد، بين عهدي الإدارتين السابقة والجديدة، حيث كانت "المناقشات بين المسؤولين بشأن السياسات المتبعة للتحرّك تسير بوتيرة بطيئة" في عهد أوباما، بالمقارنة مع وتيرة "أسرع" لإعطاء الضوء الأخضر من أجل تنفيذ الغارات الجوية في عهد ترامب.

واعتبرت تقرير "فورين بوليسي" الذي حمل عنوان: "تسريع حملة القصف داخل اليمن يدلل على استخدام أكثر عنفاً للقوة العسكريّة" أن "الجهوزيّة التي يظهرها الرئيس دونالد ترامب، للتحرك عسكريّاً يناقض (نهج) الإدارة السابقة"، حين كان "الإحباط" يستشري في أوساط المخططين العسكريين داخل القيادة المركزية الأمريكيّة، بسبب الخلافات التي كانت تعتري إدارة أوباما حيال توقيت وآليات تنفيذ الخطط المتفق عليها للتحرك.


وتابعت المجلّة ان وزارة الدفاع الأمريكّية قدّمت خلاصات ومقترحات للبيت الأبيض خلال العام 2016، بشأن "كيفيّة التعامل مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على نحو أكثر تشدّداً، في وقت بدا فيه أن التنظيم يحقق مكاسب ونفوذاً أكبر في معاقله اليمنيّة"، دون أن يتحقق شيء على الأرض، لأسباب يمكن إرجاعها إلى "نفاذ الوقت" أمام إدارة أوباما للقيام بشيء في هذا الخصوص، وفق ما أدلى به مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأمريكية.وعلى هذا الأساس، فقد تسلّم فريق إدارة ترامب، التي يهيمن على أركانها ومفاصلها جنرالات وشخصيات عسكرية بارزة، في يناير الماضي "خططاً لتصعيد الحملة العسكرية" داخل اليمن، من جانب إدارة أوباما، بما أفضى إلى "تغيير فوري في وتيرة وإيقاع العمليات العسكرية"، وعكس "تفضيل الإدارة الجديدة الواضح لعمل عسكري فوري وعاجل، على حساب اعتبارات التمهّل السياسي".
وبحسب المجلّة، إذا كان كل شيء يشي بأن "الأمور سوف تسير بوتيرة أسرع" في عهد الإدارة الأمريكيّة الجديدة، فإن "اندفاعة عسكريّة بغير خطة تحرك ديبلوماسية واضحة يمكن أن يترتب عنها تداعيات غير مقصودة"، حيث إن "التركيز ضيّق الأفق على الهدف العسكري، المرجو من الغارات الجوية على صعيد مكافحة الإرهاب، دون استراتيجيّة للخروج بتسوية تنهي الحرب الأهلية اليمنية، بما في ذلك التعامل مع انخراط السعودية وإيران في الحرب هناك، لن يعود بنتائج تذكر، سواء لناحية إعادة الاستقرار إلى البلاد، أو لناحية إيجاد حلول للتوترات المذهبيّة والاثنية الكامنة، التي تاحت الفرصة لفرع تنظيم القاعدة (داخل اليمن) بالانتعاش". 
وشرحت المجلّة كيف أنه وفي حين "استحوذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مجمل النقاشات فيما يخص (محاربة) الإرهاب، فقد اكتسب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مكاسب إضافيّة على الأرض، ونفوذاً متزايداً، من خلال استغلاله الطائفيّة، وحالة الفوضى العارمة" داخل البلاد التي تشهد صراعاً منذ ما يناهز السنتين.
وتابعت "فورين بوليسي" ان "الضرورة الملحّة للجولة الأخيرة من الضربات (الجوية)، قد أكّدت على كيفية مقاربة كبار المسؤولين العسكريين وضباط أجهزة الاستخبارات لتهديد تنظيم القاعدة- فرع اليمن" ومدى قدرته على شن هجمات في الغرب، خصوصاً وأن التنظيم بات "أكثر قوّة مما كان عليه في أي وقت مضى"، بسبب ما وفّره "الفراغ الأمني" الناجم الحرب الأهلية في اليمن بين "الحوثيين الشيعة" و"مؤيدي هادي السنة"، و"المخاوف المذهبيّة" المصاحبة له، من بيئة خصبة لأنشطة "التهريب" التي عزّزت نفوذ التنظيم.
ووفق ما نقلت المجلة عن مصدر مسؤول في الاستخبارات الأمريكيّة، فإن "جماعة (القاعدة في جزيرة العرب) ما زالت تشكل عدواً خطيراً" للولايات المتحدة، وذلك بالنظر إلى أن "الاضطرابات الداخليّة في اليمن، لم تحرف أنظار التنظيم عن اهتمامه طويل الأمد، وبشكل متواصل بمهاجمة الغرب"، علماً بأن "التحدّي الذي تواجهه الإدارة الجديدة يتمثل بمحاولة احتواء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وإن في ظل اندلاع حرب أهليّة معقّدة وشديدة الخطورة، وأزمة إنسانيّة متفاقمة.
وفيما يخص نهج الإدارة الأمريكيّة السابقة إزاء الصراع اليمني، أوضحت المجلة أن إدارة أوباما "حاولت مساعدة جهود الوساطة من أجل التوصل إلى تسوية سلميّة في اليمن، لكنها لم تتوصّل إلى شيء" في نهاية المطاف، حين بدا لها إن "طرفي النزاع يراهنان على الفوز في الميدان". وأردفت بأن "أغلب النقاشات في أروقة البيت الأبيض خلال عهد أوباما قد تمحورت حول الأسئلة بشأن عملية الإغاثة الإنسانية"، مشيرة إلى أن "هذه النقاشات أدت إلى إحباط بعض القادة والمخططين العسكريين، ممن شعروا بضرورة تحقيق مكاسب على صعيد مكافحة الإرهاب، قبل النظر بإمكان السماح ببدء تدفق المساعدات الإنسانية إلى البلاد". 
غير أن "إطلاق العنان لحملة قصف أوسع ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، تزامناً مع تجاهل ما وصفه أحد المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية بـ(الحملة السعودية الكارثية وغير مأمونة العواقب ضد الحوثيين) يحمل معه مجموعة من المخاطر المترتبة عنه"، لا سيما وأن "المزيد من الضربات الجوية، التي يمكن أن تتسبب بالمزيد من الخسائر في صفوف المدنيين، قد تثير استياء الجماعات المحليّة التي عقدت تحالفات ورسخت توافقات مع تنظيم القاعدة، أو غيره من الجماعات المسلّحة، وقد تسهم في تكريس الشعور بالغبن، الذي يغذّي العنف" بدوره.
كما دأبت المجلة على اعتبار موافقة وزارة الخارجية الامريكية على بيع ذخائر وأسلحة موجهّة للرياض أخيراً، بمثابة "إشارة على أن الإدارة قد تكون على استعداد لدعم جهود الحرب التي تقودها السعوديّة"، لافتة إلى أن البيت الأبيض، في حال أعطى موافقته لاستئناف هذه المبيعات، "سيكون قد خالف سياسة الإدارة السابقة التي شرعت في تعليق هذه المبيعات، بسبب المخاوف المتعلقة بارتفاع عدد القتلى المدنيين نتيجة الغارات الجوية للتحالف" في اليمن.
هذا، ونقلت المجلة عن محللين ومسؤولين أمريكيين سابقين تحذيرهم لإدارة ترامب، من "توسيع دور الجيش الأمريكي" على الساحة اليمنية، بما يشمل "تعزيز دعمه للتحالف السعودي، الذي يواجه انتقادات واسعة" جرّاء عملياته هناك، لأنها "قد تجد نفسها وقد غرقت في مستنقع"، لا سيما وأن اليمن "ليس المكان الذي يمكن أن تجد فيه حرباً مجيدة قصيرة"، ولأن الحرب في ذلك البلد "سوف تكون دموية، وبالغة السوء والتعقيد".
كما ذكّرت الصحيفة بعملية الانزال التي قامت بها وحدات أمريكيّة وإماراتيّة في 29 يناير الفائت، ضد أحد مواقع "القاعدة" مشيرة إلى أن العملية التي جرى التخطيط لتنفيذها على مدى أشهر طويلة من من العام الماضي، أسفرت عن "الحصول على معلومات استخباراتية قيمة عن التنظيم"، وبأن مسؤولين من وزارة الدفاع الأمريكية "ما زالوا يجرون عملية مسح للمعلومات التي تم تحصيلها، دون أن يبلغوا عمّا توصلوا إليه في علمهم بأي شكل من الأشكال".
كما ذكّرت المجلة بالدور الذي اضطلعت به القوات الإماراتية، سواء في القتال إلى جانب القوات الأمريكية خلال عملية يناير، أو في دعم ومساندة قوات حكومة هادي، لا سيما عملية طرد تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" من ميناء المكلّا في ابريل المنصرم. وأضافت أنه "منذ ذلك الحين، أخذت القوات الخاصة الإماراتية على عاتقها القيام بدور ريادي في مكافحة الإرهاب"، لا سيما حين تقدّمت تلك القوات على طول الخط الساحلي، وأسهمت في استعادة السيطرة على منشأة الغاز في منطقة بلحف، فيما يرجّح خبراء "إمكانية أن تتوجّه تلك القوات الإماراتية شمالاً، في المستقبل"، وذلك من أجل "دحر تنظيم القاعدة من المناطق التي يسيطر عليها"، بما يكفل "انتزاع بعض المكاسب التي حققها التنظيم منذ بدء الحرب، وبفعل التدخّل السعودي" داخل حدود جارها الجنوبي. 
وفي الختام، أوردت المجلة بعض ما جاء في تقرير صادر عن "مجموعة الأزمات الدولية" لجهة القول إن عقلية التحالف "أحاديّة الوجهة" وتركيزها على "إلحاق الهزيمة بالمتمردين الحوثيين"، كان بمثابة "نعمة" لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب"، الذي تمكّن من الحصول على أسلحة من "التحالف السعودي"، فضلاً عمّا حصل عليه من أموال من خلال عمليات السطو على البنوك.

آخر الأخبار