’الاتحاد الخليجي’.. استعجال سعودي قبل الانهيار

نجحت الرياض في تأمين صورة جامعة لمجلسها للتعاون الخليجي، وجمعت الممالك والإمارات على مشهد توحّدٍ ظاهر لم يأت بجديد منذ القمة الأولى إلى السابعة والثلاثين، توحّد ظاهر تسعى المملكة الأم لتكريسه في اتحاد عتيد في زمن انحلال الاتحادات وسقوط التجارب العريقة في هذا المجال وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي المهدد بالتفكك من بوابة البريكست البريطاني. والمفارقة اللافتة أن بريطانيا الخارجة من وعلى اتحادها الأوروبي تحضر ضيف شرف وحيد في حفلة الاتحاد الخليجي في المنامة، وعليها ينطبق المثل القائل " طبيب يداوي الناس وهو عليل".

لزوم ما لا يلزم تبدو همروجة الاتحاد الخليجي تحت الكنف السعودي، فواقع الحال أن الرياض تختزل كل جاراتها الخليجية التي تبدو أشبه بملحقات تعيش رفاهية اقتصادية، لكنها في السياسة حالها حال فيدرالية غير معلنة، للدولة المركز فيها قرار السياسة الخارجية والحرب وللأعضاء هوامش حكم محلي واقتصاديات مرنة، وشيء من الحريات الممنوعة في المملكة.

ومكتوب القمة السابعة والثلاثين يُقرأ من عنوانه، الاقتصاد أولوية والنقاش بين قادة الممالك والإمارات يبحث مشروع الانتقال إلى مرحلة الاتحاد ويراوح بين أن يكون الاتحاد كلياً أو جزئياً، أي أن النتيجة في أحسن حالاتها تتجه نحو اتحاد شكلي يكرس للسعودية هيمنتها على الملاحق الخليجية ويضمن لها مد يدها الى جيب شقيقاتها الصغيرات من موقع الأولوية الاقتصادية متى أوشك اقتصادها على الانهيار، وهو لا ريب واقع، فالاحتياط المالي الى انحسار والنزف الضخم في الحرب على اليمن الى مزيد من التفاقم.

وإذا كان هاجس السعودية اقتصادياً بالدرجة الأولى على اعتبار أنها في السياسة تحتكر القرار الخليجي، برغم محاولات الشغب القطري في بعض المراحل، والتمنع العُماني في ملفات هامة، فلماذا كل هذه العراضة الإعلامية والاهتمام البالغ في ما لا يمكن أن يقدم أو يؤخر؟

لا تنفك السعودية تتخيل نفسها دولة كبرى، تعيد التموضع حسب التطورات الداهمة إقليمياً ودولياً، وهي ربطاً بالاتجاه اليميني الانكفائي في الغرب مع دونالد ترامب ولاحقه المحتمل فرنسوا فيون، تحتاط من خسارتها المتوقعة في سوريا والعراق وإخفاقها المدوّي في اليمن، وتنكفئ عائدة الى تحصين بيتها الخليجي تحسباً لما هو أسوأ.
ولتحقيق الغاية السالفة وعلى قاعدة تبديل الثوب الرث بآخر من الصيحات الجديدة، ترمي المملكة بتجربة مجلس التعاون عسى أن يحمل مسمى الاتحاد ما هو جديد، ولكن إن هي إلا أسماء سميتموها.

وفي السياق الخليجي البحت، ربما تُنشد الرياض في الاتحاد ما يؤجل انفجار الخلاف بينها وبين عدد من الأعضاء، فهي على نزاعات حدودية كامنة برياً وبحرياً مع الإمارات وقطر، وخلافها مع الكويت يبدو جلياً في وقف استخراج النفط من حقل الخفجي المتنازع عليه، وهي في الوقت نفسه ربما عبر مقولة الاتحاد تعزل سلطنة عُمان وتعاقبها على مواقفها المتميزة تجاه قضايا إيران وسوريا واليمن.

وأيضاً، تتوسل السعودية من قمة المنامة وإعادة نبش فكرة الاتحاد من زمن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، توجيه رسائل في غير اتجاه، رسالة للرئيس الأميركي المنتخب بتعزيز الشراكة مع رئيسة الوزراء البريطانية الباحثة عن دور عالمي، ورسالة تصعيد، ليس بجديد، تجاه إيران عبر إصدار أحكام بالإعدام على ما يسمى خلية التجسس الإيرانية في السعودية تزامناً مع موعد انعقاد القمة.

تبدو المملكة على عجلة من أمرها في الاتحاد مع ملحقاتها الخليجية كيفما اتفق. تستعجل التعويض عما يمكن أن يفوتها مع الإدارة الأميركية العتيدة التي قد تطالبها ببدل حماية بمفعول رجعي، وتبدو أكثر استعجالاً حيال ما يجري من تبدل استراتيجي في وجه المنطقة في حلب والموصل، وحالها في اليمن تنحدر من سيئ إلى أسوأ. وهي قد لا تنجح كلياً في تحقيق مسعى الاتحاد، لكنها تتوسل غاية اقتصادية تراها أولى الأولويات، أما في السياسة والمواجهة على مستوى الإقليم فليس لدى الملحقات ما ليس لدى الدولة المركز، وفاقد الشيء لا يعطيه.

(صالح البدر / خاص راصد الخليج)


آخر الأخبار