رواية الساعات الأخيرة لاحتواء غضب انصار الله والمؤتمر الشعبي

بعد أيام من الغموض حول مصير مفاوضات الكويت اليمنية _ اليمنية، بات يمكن القول إنها ستبصر النور على الأرجح بدءاً من يوم الجمعة المقبل فيما لو صدقت النوايا والتزم الأطراف الخارجيون بما تعهدوا به لوفدي أنصار الله والمؤتمر الشعبي وحلفائهما.

الوفد الوطني غادر يوم الأربعاء صنعاء في طائرة مدنية تابعة لسلاح الجو السلطاني العماني ليحطّوا في مسقط المحطة الإلزامية قبل السفر الى الكويت. لكن ما الذي حقّقه "أنصار الله" وحلفاؤهم من وراء تمنعهم عن الذهاب في الثامن عشر من نيسان/ ابريل الجاري كما هو محدد في إعلان المبعوث الاممي إسماعيل ولد الشيخ؟.

يجيب مصدر قيادي في حركة "انصار الله" اليمنية بأن النتيجة الأهم التي تحققت تمثلت بـ "نسف كل المقولات التي سوّقها إعلام العدوان ومحللوه وسياسيوه من أن الوفد الوطني يهرول الى السلام بأي ثمن، وإنه قد أنهك، ولذلك قَبل بالكويت مكاناً للتفاوض رغم أنها مدرجة من قبل الرياض ضمن "التحالف العربي" كما يسمونه الذي يشنّ الحرب على اليمن منذ عام وشهر تقريباً".

ذهاب وفد "أنصار الله" الى الكويت كسر ابرز الأهداف التي وضعت لعملية "عاصفة الحزم"

ويوضح المصدر ان "ذهاب وفد "أنصار الله" تحديداً الى الكويت التي وافقت على استضافة المفاوضات بناءاً على طلب الأمم المتحدة هو كسر لابرز الأهداف التي وضعت لعملية "عاصفة الحزم" وهو حصار هذه القوة الجهادية الصاعدة ومنعها من تمثيل من تمثل في الحياة السياسية اليمنية، وهذا بحد ذاته اعتراف بالفشل في تحقيق هذا الهدف، والاّ ما الذي يدفع الكويت الى استضافة فريق كان تحالف العدوان يتوعد بإقصائه من التأثير في صناعة المستقبل اليمني؟".

وأردف المصدر ذاته قائلاً "الهدف الثاني الذي تحقق من التأخر في السفر _ بناءً على قرار قيادة الثورة_ هو اجبار الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على مراجعة حساباتهم الخاطئة في فهم سلوك الوفد الوطني والمسارعة الى احتواء الازمة قبل أن تؤدي الى تطيير هذه الجولة التفاوضية؛ علماً أن محاولة تحميل وفد صنعاء مسؤولية إفشال هذه الجولة مردودة سلفاً ذلك ان أنصار الله والمؤتمر الشعبي قد أرسلوا إشارات إيجابية بشأن الانخراط الجدي والفعال في أي مسار تفاوضي يؤدي الى تحقيق نتائج جدية توقف العدوان وترفع الحصار عن اليمن وتفتح مساراً للحل السياسي".

ويضيف المصدر القيادي اليمني "تمثّلت الإشارات الأساسية بإرسال وفد عسكري الى الكويت ضمن غرفة العمليات المشتركة التي تشرف عليها الأمم المتحدة وتضم ستة ممثلين من كل فريق (6 صنعاء و 6 الرياض) لمراقبة وقف إطلاق النار الذي بدأ فجر الحادي عشر من الشهر الجاري. وقد انخرط الفريق العسكري القادم من صنعاء والذي يضم ضباطاً من الجيش اليمني ومندوبين عن اللجان الشعبية بشكل جدي في آليات المراقبة، فضلاً عن انبثاق لجان محلية في ست محافظات يمنية لفحص الخروقات الميدانية".

أما الإشارة الثانية، يتابع المصدر قائلاً "فتمثلت بتحضيرات الفريق الإعلامي المرافق لوفد صنعاء والذي تلقّت وزارة الاعلام الكويتية قائمة بأسماء اعضائه من أجل تجهيز بطاقاتهم الصحفية فور وصولهم الى المركز الإعلامي الذي يديره قطاع الاعلام الخارجي في الوزارة. كما أن الاستمرار في تنفيذ مخرجات التفاهمات الثنائية بين "أنصار الله" والقيادة السعودية والمتعلقة بالجبهة الحدودية اليمنية _السعودية والأداء الإيجابي لـ "أنصار الله" في هذا السياق عكس رغبة صادقة في فتح مسارات للحلول العادلة والمنصفة للشعب اليمني".

محاولة ولد الشيخ تكريس نقاطه الخمس كأجندة تراتبية للحوار هي عملية وضع العربة أمام الحصان!

بناء على ما تقدم، يضيف المصدر القيادي في أنصار الله القول "فان الفريق الاخر وحلفاءه الاقليميين ومشغليهم الدوليين قد فهموا الرسالة خطأ واعتقدوا أن قيادة الثورة ممثلة بفريقها التفاوضي تتصرف انطلاقاً من إحساس بالخسارة وانسداد الأفق، فكان أن أمعنوا في انتهاكات خروقات وقف اطلاق النار وعدم احترامه محاولين تظهير انطباع بتفوقهم الميداني مقابل إظهار اننا ذاهبون الى الكويت للتفاوض من موقع ضعف، كذلك السعوديون أخلّوا بالتزاماتهم بتثبيت وقف النار بناء على دعوة الأمم المتحدة واستمروا بالقصف والغارات حتى أنهم كادوا يقتلون لجنة التهدئة في محافظة الجوف بغارتين جويتين، وسمحوا لمرتزقتهم بمواصلة الزحوفات وتغطيتهم جوياً، وربما هذا ما شجع المبعوث الاممي إسماعيل ولد الشيخ على الاستمرار في مناوراته وتلاعباته في أجندات التفاوض ومحاولته تكريس نقاطه الخمس كأجندة تراتبية للحوار تبدأ من الانسحاب من المدن وتسليم السلاح الثقيل ومؤسسات الدولة الى "الشرعية" ثم البحث في مصير المعتقلين والمفقودين، وأخيراً النقاش في الموضوعات السياسية، وهذا أمر أقل ما يقال فيه لمفاوض مبتدئ إنه عملية وضع العربة أمام الحصان!".

أجندة ولد الشيخ أجندة استسلامية وليست أجندة تفاوضية خاصة وأن نتائج الميدان هي لصالح الشعب اليمني

وتساءل المصدر القيادي "على أي أساس سننسحب من المدن؟ ولمن نسلّم السلاح؟ ولأي شرعية نسلّم مؤسسات الدولة؟ علماً أن عبد ربه منصور هادي بقراراته الأخيرة الإطاحة بخالد بحاح وتعيين علي محسن الاحمر بديلاً عنه في نيابة الرئيس وأحمد بن دغير في رئاسة الوزراء قد نسف "الشرعية الافتراضية التي يتمسكون بها"، وبالتالي فان أجندة ولد الشيخ هي أجندة استسلامية وليست أجندة تفاوضية على الأقل لو سلمنا جدلاً أن طرفي الحرب متساوون في النتائج الميدانية فكيف ونحن نعتبر أن نتائج الميدان هي لصالح الشعب اليمني وثورته؟".

وأكد المصدر ذاته أنه "وفي ظل هذه الالاعيب المتعددة الجنسيات والشخصيات كان لا بد لقيادة الثورة من اتخاذ موقف حاسم بعدم الذهاب الى الكويت مهما كلف الثمن، الامر الذي فاجأ الدول الراعية للمفاوضات وأصاب ولد الشيخ بصدمة كبيرة بعدما اعتبر هذا الموقف تصويباً مباشراً على شخصه وعلى من يمثّل، كما أن السعودية عندما رأت تصلّب "انصار الله" حاولت تجميل صورتها ورفع المسؤولية عنها بالعرقلة فسلمت 30 يمنياً الى "انصار الله" 14 منهم أسروا في جبهة مأرب و16 اعتقلوا داخل الممكلة وسجنوا بقضايا جنائية، لكن هذه الخطوة لم تقنع "انصار الله" واكتفوا بأدراجها في سياق التفاهمات الثنائية السابقة _ وان كانت منتقصة_ وفصلوها عن مسار الكويت.

موقف قيادة الثورة بعدم الذهاب الى الكويت استدعى تحركات دولية لاحتواء غضب "انصار الله" والمؤتمر الشعبي

هذا الموقف العالي السقف، يقول القيادي في "أنصار الله"، استدعى تحركات دولية عاجلة حيث حصلت في الساعات الماضية اتصالات رفيعة شاركت فيها المانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين والكويت عبر وزير خارجيتها وحكماً سلطنة عمان وكان محورها محاولة احتواء غضب "انصار الله" والمؤتمر الشعبي.

وبحسب مصادر ديبلوماسية عربية شاركت في الاتصالات، فان الرئيس الأميركي باراك أوباما كان مهتماً لحضور وفد صنعاء وإطلاق مفاوضات الكويت من أجل تجييرها كنجاح لجولته في المنطقة وقبل لقائه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لذا طلب الاميركيون من الكويتيين التواصل مع "انصار الله" و"المؤتمر الشعبي" وتقديم تعهدات لهم بتثبيت وقف اطلاق النار بمجرد مغادرة الوفد الوطني صنعاء، وابلاغهم بسهولة تجاوز أجندة ولد الشيخ عبر السعي لانجاح التفاوض بمعزل عن النقاط الخمسة والترتيب الذي حاول فرضه.

وعليه، تواصل وزير الخارجية الكويتي مع قيادات في حركة "أنصار الله" و"المؤتمر الشعبي" وعرض عليهم التزامات شفهية، فتلقّى الوزير الكويتي وعداً بدراسة الموضوع لكن على قاعدة صدور إعلان رسمي عبر الكويتيين بخصوص تثبيت وقف إطلاق النار وتجاوز أجندة ولد الشيخ. فضّل الكويتيون عدم إصدار أي بيان رسمي من طرفهم باعتبارهم دولة مقر وليست راعية للمفاوضات، إضافة الى ان الكويتي لم يرد أن يحمل نفسه أعباء الفشل في هكذا خطوة.

التزامات دولية بتثبيت وقف النار وإنجاح المفاوضات وعدم التصلب في أجندة ولد الشيخ

وبعيد جولة جديدة من المشاورات، تمّ الاتفاق على صدور التزامات مكتوبة من المبعوث الاممي ولد الشيخ وشفهية من الصين حيث يواصل سفيرها في اليمن (المقيم في خارج اليمن) حواره مع القيادات المعنية في صنعاء متحدثاً باسم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي ملتزماً بتثبيت وقف النار وإنجاح المفاوضات وعدم التصلب في أجندة ولد الشيخ. كما أن الأوروبيين _ وعبر سفيرتهم في صنعاء بي تينا المقيمة أيضاً خارج اليمن _ تعهدوا بضمان وقف إطلاق النار.
 
هذه الالتزامات الدولية كانت كافية لكي يصدر بيان مقتضب موقّع من رئيسي وفد "انصار الله" محمد عبد السلام والمؤتمر الشعبي عارف الزوكا تمّ توزيعه على وسائل الاعلام وهو موجّه الى ولد الشيخ بالاسم ويتحدث فيه عن تقديم الأخير التزامات بوقف الاعمال العسكرية وعدم فرض أي أجندة للتفاوض غير متفق عليها والاّ فإن الوفد الوطني يحتفظ بحقه في تسجيل أي موقف يراه مناسباً في حال عدم الالتزام بهذين البندين وغيرهما من البنود التي أوضحها المبعوث الاممي في رسالة مؤرخة بتاريخ الثلاثاء التاسع عشر من نيسان/أبريل الجاري.

مستقبل ولد الشيخ المهني على المحك

هكذا شعر ولد الشيخ بسخونة الموقف ووضع مستقبله المهني على المحك، فقدّم التزامات مكتوبة لا يمكنه التنصل منها لانه بعد ذلك لن يكون أي مطلب أقل من تنحيته عن هذا الملف واستبداله بوسيط نزيه ومحايد. أما المجتمع الدولي فقد بات هو الاخر محلّ اختبار لقدرته على تنفيذ تعهداته، وفحص جديته في البحث عن حل سياسي في اليمن بعدما فشل الخيار العسكري.

ويضيف القيادي في "أنصار الله" أنه وبعد مناقشة قيادية لمجمل الاتصالات والتعهدات أُعطي الاذن للوفد الوطني بالسفر الى مسقط أولاً لاستجلاء الموقف عن قرب، واجراء مزيد من المشاورات مع الأطراف الدولية التي أخذت على عاتقها ضمان إنجاح هذه الجولة، وفحص قدرتهم على المضي قدماً بتعهداتهم، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام جميع الخيارات، ومنها العودة الى صنعاء وقطع هذه المفاوضات في أول الطريق أو منتصفها فيما لو تبين أن هناك مناورات وخدعا يحاولون تمريرها. لذلك وقبيل اقلاع الطائرة العمانية تحدث محمد عبد السلام للصحفيين المرافقين للوفد بتصريح مقتضب دعا فيه "جيشنا ولجاننا الشعبية إلى التنبّه والحذر والرّد طالما استمر العدوان، فنحن لا نثق بأعدائنا ولنا الحق في اتخاذ الموقف المناسب أمام أي تجاوزات فيما تم التعهد به".

الرياض تبحث عن مخرج للخروج من مأزقها

وهذا يكفي للقول إن الأمور ما تزال غير محسومة، وهناك تجربتان تفاوضيتان أفشلهما فريق الرياض بقرار من إدارته الخارجية، مع العلم أن هناك فرصة جديدة أمام السعودية للهبوط التدريجي عن الشجرة العالية التي صعدت اليها منذ إطلاقها "عاصفة الحزم"، فاذا ما تعقلت _كما دعاها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه الأخير_ بإمكانها الخروج من المأزق اليمني بعدما استنزفها. وهناك في الرياض من بات مقتنعاً بأنهم أُنهكوا ويجب أن يخرجوا من اليمن مع إصرارهم على الظهور بمظهر المنتصر ولو إعلامياً. وربما يدرج في هذا السياق الإعلان الأميركي في ختام محادثات وزير الحرب الأميركي آشتون كارتر في الرياض مع نظرائه في مجلس التعاون الخليجي بتشكيل اطار تعاون بحري عسكري أميركي سعودي لمراقبة تهريب الأسلحة الإيرانية الى اليمن، بما يظهر أنهم يخرجون من الحرب وقد حققوا مثل هذا "الإنجاز" الافتراضي. ويمكنهم على هذا المنوال أن يستعينوا بالتجربة "الإسرائيلية" في تسويق إنجازات القرار الدولي 1701 الذي أوقف حرب صيف العام 2006 "الإسرائيلية" على لبنان لتسويق "إنجازات" شتّى، وربما يكون إشغال الرأي العام السعودي والعربي بمرحلة ما بعد استعادة جزيرتي صنافر وتيران من مصر فرصة إضافية لصرف النظر عن الهزيمة في اليمن.

(عبد الحسين شبيب / موقع العهد)

آخر الأخبار