عندما تقايض المملكة خسائرها الميدانية بدم أطفال اليمن

ربما يتساءل البعض عن الظروف والمعطيات الميدانية والسياسية التي أسست لوقف اطلاق النار الجزئي بين قوات تحالف العدوان على اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية وبين الجيش واللجان الشعبية وانصار الله في اليمن، خاصة وأن هذا الوقف الجزئي انحصر فقط في وقف الأعمال العسكرية على المواقع الحدودية بين البلدين، وفي وقف القصف الجوي على صعدة وبعض مناطق محافظات الشمال اليمنية ما بين صنعاء والحدود مع المملكة، في الوقت الذي ازدادت فيه ضراوة الأعمال العسكرية على كافة الجبهات الداخلية ما بين مأرب والجوف شرقًا وتعز وسطًا وميدي وحرض في الغرب شمالًا، والتي تترافق مع قصف جوي عنيف وتغطية شاملة بكافة انواع الصواريخ والقنابل الذكية المدمرة...

بداية... لا شك ان الداخل اليمني وخاصة في الوسط والشمال منها يعاني ويلات وكوارث القصف الجوي الذي قلب حياة السكان رأسا على عقب لناحية الجرائم الفظيعة التي طالت المدنيين اطفالا وشيوخا ونساء، وايضا لناحية الدمار الكبير الذي لحق بكافة المؤسسات والمناطق السكنية والمدارس ودور العبادة والطرق الرئيسة والثانوية والجسور وكامل البنى التحتية والتي هي اساسا دون الوسط لناحية مستوى الخدمات التي تقدمها، ناهيك عن الحصار الكامل الذي طال وبشكل مركّز الحاجات الاساسية لناحية الادوية وطعام الاطفال والسلع الضرورية.

هذا الرعب الاجتماعي والانساني والذي اوجده التحالف قصداً ليكون احد العوامل الرئيسية لممارسة الضغوط السعودية على الشعب اليمني وعلى لجانه الشعبية، نجح في اجبار المسؤولين اليمنيين على القبول مرغمين بهذه المعادلة الميدانية حول تبادل اسرى الحرب بين الطرفين، ووقف الاعمال العسكرية الجزئية مقابل وقف القصف الجوي على مناطق محددة اصبحت في حكم المنكوبة، خاصة وان هؤلاء المسؤولين اليمنيين لم يكونوا بالاساس ضد وقف القتال والتصعيد العسكري الميداني، وكانوا ايضا السباقين الى طرح مشاريع التسويات السلمية والبحث عن الحلول السياسية والسعي لانهاء دورة العنف القاتل التي طالت كافة اراضي ومكونات اليمن الذي كان يدعى "اليمن  السعيد"، وذلك من خلال التنازلات المعروفة حول المواضيع التي يمكن البحث فيها والتفاوض حولها، والتي كانت تقابل بتسويف وبتضييع الفرص من قبل الجانب السعودي الذي ميّز استراتيجيته دائما بمحاولة اقتناص الفرص للحصول على مكاسب ميدانية ليستغلها في المفاوضات والتي كان دائما يفشل في الحصول عليها ميدانياً .


بالمقابل، لا يمكن ان ننكر ان تحالف العدوان على اليمن والمُمَثّل بشكل اساس وشبه حصري بالمملكة العربية السعودية، قد كسب ميدانيا من هذا الوقف المقيّد لاطلاق النار وللعمليات العسكرية وللقصف الجوي الجزئي، وحيث يمكننا تلخيص هذه المكاسب بالتالي:

- المكسب الاساسي تمثل بالميدان في تأمين حماية لكافة مراكزه ومواقعه العسكرية على الحدود من خلال وقف اطلاق النار والاعمال العسكرية في تلك المواقع، في الوقت الذي كان فيه عاجزا عن تأمين هذه الحماية بواسطة قواه العسكرية التي كانت تفشل دائما في وقف تقدم ودخول الوحدات اليمنية الى اغلب مواقعه وتدميرها وقتل واصابة واسر جنوده الذين رأوا في هذه الهدنة خلاصا ومخرجا لخسائرهم العسكرية والمعنوية.

- المكسب الميداني الثاني تمثل في توفير جهود الطيران وتوجيهه لتركيز ضرباته الجوية على الجبهات الداخلية التي اصبحت بحاجة ماسة لهذا الدعم المركّز وغير الاستثنائي علّها تُحرز تقدما ما قبل استنفاذ الوقت الذي اصبح يبدو محددا بسبب الضغوطات الهائلة دوليا واقليميا لوقف هذا العدوان، وهذا ما أمّنه هذا الوقف الجزئي للقصف الجوي على مناطق حدودية شمالية في اليمن، وبالأخص بعد ان تراكمت الخسائر المادية المكلفة لتغطية النفقات الباهظة لهذه الحرب الجوية الواسعة والتي تضمنت الآلاف من الطلعات الجوية باحدث الطائرات التي رمت مئات الاف الصواريخ والقنابل الذكية الاعلى تكلفة، والتي يبدو ان ثمنها يجب تسديده مسبقا الى مصادره من الدول الغربية غير البعيدة عن تسعير هذه الحرب وعن فرضها على الاطراف المتورطة الذين انجروا اليها مدفوعين بأحقادٍ دفينة وبعقد التسلط والهيمنة وبغباء واضح .

- المكسب الثالث والذي يأخذ طابعا سياسيا ودوليا هو التظاهر بالرضوخ للمطالب الدولية والاقليمية الضاغطة، وللاصوات الاممية التي تكلمت عن التجاوزات التي ارتكبها التحالف في اليمن حول المجازر والانتهاكات الفاضحة لحقوق الانسان وحول الجرائم التي اجمعت هذه الاوساط الاممية بانها تدخل وبامتياز ضمن خانة جرائم الحرب التي تمنعها القوانين والمعاهدات الدولية، والتي يبدو انها لم تلاحظها او لم تسمع بها الا مؤخرا وبعد مرور ما يقارب العام على هذه الحرب القذرة التي مارسها هذا العدوان على اليمن وعلى شعب اليمن .
واخيرا... قد يكون التحالف قد ربح من هذه المعادلة التي جنّبته خسائره في حرب المواقع الحدودية، وسمحت لطيرانه بالتفرغ للداخل اليمني بهدف مساعدة الوحدات العميلة له لتحقيق تقدم ما، وسيستطيع الافلات مؤقتا من الضغوط الدولية حول جرائمه الثابتة في اليمن، ولكن سوف يثبت الجيش اليمني واللجان الشعبية ووحدات انصار الله بانهم اظهروا الوجه الصادق والنية الحسنة لناحية القبول بوقف جزئي للنار وللاعمال العسكرية لاسباب انسانية قاهرة، ولاسباب اقتناعهم الدائم بالحل السلمي، ولكنهم بالمقابل سوف يُظهرون الوجه المقاوم الصامد البطل، من خلال التصدي الشرس في كافة معارك الداخل ما بين مارب والجوف وتعز وشبوة وغيرها، وعلى الحدود الغربية الشمالية في ميدي وحرض، وسوف تبقى مواجهتهم البطولية للعدوان الغادر نقطة ناصعة مشرّفة في تاريخهم الطويل، ووصمة عار في تاريخ المعتدين المجرمين الفاشلين.

(شارل أبي نادر / موقع العهد)

آخر الأخبار