الفنان التشكيلي حكيم العاقل: الحرب استثناء في حياة الشعوب، ولا بدّ للسلام أن يعمّ في اليمن

الحرب والسلام، نقيضان اجتمعا في ذهن الفنان التشكيلي اليمني حكيم العاقل، واحتشدا فيه على هيئة لوحات مشكَّلة بألوان الألم والمعاناة والأمل، قبل أن يعمل على إخراج تلك اللوحات إلى أرض الواقع، ويجمعها معلَّقة في معرض فني حمل عنوان: "الحرب والسلام" الذي احتضنه مؤخراً جاليري صنعاء بديوان وزارة الثقافة اليمنية.

المعرض لم يأت إلا نتيجة واقع مؤلم عاشه الفنان العاقل، ليُخرج من أثقال مخيّلته بعضاً من الرسومات واللّوحات، ظنًّا منه بأن الحرب على اليمن ستنتهي قريباً، إذ كان يعتقد أنه سيرسم لوحة أو اثنتين تعبّران عن واقع الحرب، لكنّ أمد الحرب طال وامتدّ، وتتابعت الأعمال التشكيلية بالظهور حتى عزم على إقامة معرض فني يجمعها فوق جدران أروقته ويحمل مسمى: "الحرب والسلام"، وهو ما أوضحه لنا حين سألناه عن فكرة المعرض وأسباب إقامته والهدف من تسميته ليجيب العاقل قائلاً: "معرض الحرب والسلام جاء بعد العدوان بشهر مباشرة، حين شرعت بإنجاز أول لوحة معتقداً أنني سأرسم لوحة أو لوحتين، لأن الحرب ستنتهي قريباً، لكنّ ذلك لم يحدث، واستمرت الحرب في تدمير كلّ جميل من ذكرياتنا، وكلّ تفاصيل حياتنا في اليمن، فضلاً عن الأثر الذي خلّفته وتخلّفه على الأطفال والنّساء والشيوخ، ناهيك عن تدمير المدارس وقصف المنشآت سواء أكان ذلك في صنعاء أم في بقية المحافظات اليمنية، ولأن صنعاء كانت تتعرّض منذ بداية الحرب لقصف يومي، وجدت نفسي في هذا الجو العام، وبدأت فكرة المعرض عندما أنجزت 5 أو 6 لوحات، فكنت أثناء الحرب أرسم لوحات تحاكيها وأخرى تحاكي السلام، حتى عزمت على إقامة معرض في صنعاء تحت هذا المسمى "الحرب والسلام".




ثلاثون لوحة فنية تمتزج فيها مختلف الألوان، وإن طغى على بعضها الألوان القاتمة وبخاصة اللون الأحمر، إلا أنّ فيها من الحركة ما يأخذ بالرائي إلى بلوغ حدود الفكرة القابعة خلف كل لوحة، فضلاً عن الإيقاعات في التكوين والتي عكست أثر الحرب في بعضها وواقع السلام المنشود في بعضها الآخر، ولا تنتمي أعمال المعرض إلى مدرسة فنية واحدة بل تتداخل أكثر من مدرسة فيها بهدف أن يكون لهذا التداخل تنوع في الفكرة، وقدرة على إيصالها إلى المتلقّين بشكل أفضل، وهو ما تحدث عنه الفنان التشكيلي حكيم العاقل قائلاً: "المدارس الفنية أصبحت تتداخل مع بعضها، وصار بالإمكان أن تصنع لوحة تتداخل فيها عدة أساليب وعدة اتجاهات وعدة مدارس، وأعمال المعرض هذا تكاد تكون تعبيرية يختلط فيها الواقعي مع الخيالي، إضافة إلى جانب المنظور من الأعلى إلى الأسفل وهو منظور عين الطائر أو عين النسر، أما بخصوص الخامات المستعملة في المعرض بشكل كامل فهي مادة الأكليريك على كانفاس".
أما عن قدرة اللوحات على التعبير وعكسها للواقع وإمكانية أن تكون عاملاً مجدياً في الدفع باتجاه ما يطمح إليه العاقل من سلام يعمّ أرجاء اليمن، فيعتقد أنه ولكي يتم ذلك، لا بد من تكامل أدوار بين مكوّنات العمل الواحد، لتصبح القدرة الفنية غالبة على الواقع، فاللون والتكوين والفكرة والضوء والظل وأشياء أخرى، تتكامل لتؤدي دورها الفني ورسالتها الخاصة في ظل الحرب، لتكون الحرب استثناء في حياة المجتمعات ويكون السلام واقعها الطبيعي، وهذا ما يدفع العاقل للاعتقاد بأن للفن بشكل عام واللوحة بشكل خاص تأثيراً كبيراً جداً، لذلك ستنتهي الحرب، وسيبقى الفن من موسيقى ولوحة وكلمة وأدب وشعر. 




ولا يستهدف العاقل من خلال معرض "الحرب والسلام" فئة معينة من الناس، بل جميع فئات المجتمع دون استثناء، وهو ما ساهم في أن يكون لأعماله أثر واضح وبيّن عكسته ملامح وجوه مَن حضر المعرض عبر الثناء عليه، فضلاً عن التأثر الواضح الذي ظهر من قبل البعض، حتى أسبل منهم قطرات من دموع، وليس ما يرويه الفنان التشكيلي حيكم العاقل عمّا لمسه من أثر على بعض الزائرين إلا دليلاً على قدرة الفنّ في إيصال شتى الرسائل الإنسانية، يقول العاقل: "دخلت امرأة إلى صالة العرض، ووقفت أمام لوحة الحرب وأجهشت بالبكاء، وبقدر ما شعرت بألمها، شعرت برضىً نفسي، لأن أعمالي أثّرت بها، ولأنها جاءت لتحكي مختلف أطياف المجتمع، وبالتالي فهي لا تستهدف النخب الثقافية والسياسية فقط،  إنما كل فرد من أفراد مجتمعنا، إضافة إلى موقع المعرض في ميدان التحرير في صنعاء، في مكان يكتظ بالناس العابرين الذين يحثّون الخطى إليه فيزوره عدد كبير منهم بشكل يومي، وأقف بينهم أقرأ انطباعاتهم وأتلقى منهم الملاحظات، وأعتقد أن الرسالة التي كنت أقصدها وصلت إلى الناس، أما بالنسبة للتأثير على المستوى العربي، فهذا يعتمد على الإعلام، واليمن بحالة حصار شديد، لكنّ الإعلام بشكل عام والخليجي بشكل خاص باتجاه واحد".

ولا يعتبر الفنان التشكيلي حكيم العاقل معرضه موثقاً للحرب، بل فكرة للخروج من حالة الذهول التي أصابته وسواه من الفنانين الآخرين تزامناً مع القصف المدوي على أرجاء اليمن المختلفة، وهو جاء ليكون حافزاً ومشجعاً ومستنهضاً للخروج من الانكسار المعنوي والروحي، وليقول من خلاله للعالم أجمع، إنهم صامدون وباقون هنا في أرض اليمن، في البلد الذي تعصف فيه نار حرب مسعورة، تخطف أرواح المدنيين والأبرياء، وتدمر كلّ بناء قائم فيه، ولكن يبقى الأمل سلاحاً في وجه الألم ولا بد ترفع الحرب أوزارها.

ومعرض واحد لا يكفي بحسب العاقل، ليوجّهَ رسالة إلى كلّ الفنانين وكلّ المعنيين، من أجل العمل على إيصال رسائل الصمود بأسلوب فني، حتى بعد انتهاء الحرب: "ربما نلجأ إلى مشاريع أخرى، إلى إقامة جداريات مثلاً في الشوارع تذكر بهذه المأساة، فلا يجب أن ننساها، أو تمحى من ذاكرتنا، وأعيد وأكرر، الحرب عملية استثنائية في حياة الشعوب، ويبقى الأمل دائماً يدفعنا باتجاه السلام". 

ويأتي تنظيم العاقل للمعرض في  صنعاء، بعد قرابة خمسة عشر عاماً على آخر معرض له في هذه المدينة، وهو الذي يُعتبر من رموزِ الجيلِ الثاني في المحتَرَفِ التشكيليّ اليمني، شغلَ موقعَ نقيبِ التشكيليينَ اليمنيين وأمينِ عام الحلقةِ الثقافيةِ اليمنيةِ الدولية، وشاركَ في أكثر من ثمانين معرضاً حولَ العالمِ على مدى أكثر من ثلاثةِ عقود.

(حسن خليفة / موقع النور الجديد)
 

آخر الأخبار