خاص | دعوة لليمن: نظرة فاحصة على تجارب تنموية عالمية (2/2)


أحمد فؤاد - كاتب عربي مصري | الاقتصاد سيبقى هاجس اليمن الأول، وتحديه الأخطر، وطريقه الأوحد للخروج تمامًا من الحصار السعودي المفروض، كما أنه الفشل الأوضح فيما مضى، أمام تخطيط سعودي للاحتواء، نجح في تقزيم الدور اليمني لنصف قرن ويزيد، منذ طفرة أسعار البترول وتمكين آل سعود من توجيه مليارات الدولارات للخطط الموضوعة لتركيع الدول العربية، وأولها بالطبع كان الجار المباشر والأقوى، اليمن.
مسيرة اليمن مع الجار الشرير شهدت، إبان الطفرة السعودية، فتحًا بدا غريبًا لتوظيف الملايين من أبناء اليمن، لتصبح مع مصر أكثر الجنسيات العربية المرتبطة بالسعودية وسوقها ومالها، والتهديد كان حاضرًا فور نجاح الخطة الأولى، إما التركيع والموافقة على كل شروط آل سعود، أو تقذف السعودية فورًا بملايين العمال إلى المجهول، وقبلهم أسر وعائلات بأضعاف أعدادهم إلى ذل الحاجة.
والآن اليمن على موعد قريب مع نهاية العدوان السعودي المستمر للعام الخامس، العدوان سيتوقف، مهما بدا من عناد سعودي مفهوم، بفعل عمق الخسارة وفداحتها، والبلد مدعو لتوجه اقتصادي جديد، يفيد من خيبة الماضي، ويسعى نحو مستقبل بدأ فيه النفوذ الأميركي الهائل بالتراجع، ودخلت قوى عالمية جديدة، ترغب في التعاون، وهي مستعدة لتحقيق ما يمكن أن يكون مصلحة مشتركة بكسر العالم الأميركي، الحاكم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
صندوق النقد والبنك الدوليين، رسولا الخراب والفقر والديون، لم ينفكا يهاجما التنين الصيني، الذي صعد كبرق إلى قمة الاقتصاد العالمي، متجاوزًا مركزه السادس في تسعينات الألفية الماضية، وبأداء مذهل، وتقدم واثق الخطوات.
وإذا كان شخص ما على وجه الأرض لا يزال يبحث عن دليل تفوق، ما عليه إلا مراجعة الصراع التجاري الذي أشعله ترامب مع الصين طوال عام 2019، فخرج يعض أصابعه بعد أن اكتشف الفارق بين "الصناعة" و"الخدمات"، الصين –وجنوب شرق آسيا بشكل عام- تحولت إلى مصنع العالم، وبالتراكم المالي الهائل، والتوجيه الصحيح إلى أغراض التطوير والبحث العلمي، ها هي الصين تحصل على مشروع إنشاء قطار فائق السرعة في ألمانيا، أهم اقتصاد صناعي في أوروبا، ثم أن شركتها المتألقة هواوي تسبق نظيراتها الأميركية بأجيال، والأهم أن مشروعات الاستزراع السمكي، التي تمثل "إجابة صحيحة" عن أزمة الغذاء في العالم العربي، تعد الصين رائدتها وأبرز دول العالم، بثلثي الإنتاج العالمي من الأسماك، وهي فرصة لن تحجبها الصين بالتأكيد، عن السواحل التي يأكلها الفقر وينهشها سوء التغذية، وتفتقر لإمكانيات اقتناء أساطيل صيد ضخمة.
البنك الدولي الذي أصدر ويصدر وسيصدر التعليقات عن مدى تدخل وسيطرة الحكومة الصينية على أسواقها، والضغوط على المستثمرين، والتوجيه المستمر لرؤوس الأموال الجديدة، خرج من أحد قياداته حديث كاشف، المصري محمود محيي الدين، نائي رئيس البنك، وقبل خروجه من العمل بالمنصب الدولي المرموق، يخاصم كل الإدعاءات والأكاذيب التي كانت تتكرر على مسامع المهتمين بالاقتصاد العالمي.
"محيي الدين"، وخلال للقاء غير مسبوق، قال إن الاقتصاد في المنطقة في نهاية 2019 في وضع لا يحسد عليه، مع تراجع مؤشرات التنمية كافة، وازدياد أرقام الفقر والفقر المدقع، وارتفاع نسب البطالة، والزيادة المتنامية في معدلات التضخم، معتبرًا أن الجهود الحالية والنمط الحالي للسياسات الاقتصادية لم ينعكس بتغيرات ملموسة على أرض الواقع.
وركز المسؤول الدولي على أرقام الفقر، والتي لا تندرج تحت التقييم الدولي، وغالبًا فإن البعثات التي تأتي لبلداننا المنكوبة تتجاهلها، أو تقبل ما تقدمها لها الحكومات من أرقام "مضحكة".
أكد محيي الدين أن المنطقة العربية تفوقت في نسب الفقر المدقع بجدارة، وتجاوزت حتى الدول الإفريقية جنوب الصحراء، والتي كانت مضرب الأمثال بسبب تفشي الفقر والجهل والمرض، وكانت قِبلة المساعدات الدولية، وما يزيد من أزمة الفقر العربي، هو أن معدلات التضخم وزيادة نسب البطالة تساعدان على اتساع دائرة الفقر الجهنمية، وتلقي إليها كل عام بالمزيد من الضحايا، إذ أن التضخم أكبر مما تتحمله الدخول الضعيفة –والثابتة- بطبيعتها.
ما حققته المنطقة العربية كان نكسة كاملة، طبقًا لأرقام نائب رئيس البنك الدولي، إذ تجاوزت الدول العربية أسوأ الأقاليم لسوء توزيع كل من الثروة والدخل، لتتفوق على أميركا اللاتينية، المتصدرة سابقًا لترتيب الفساد.
ما حدث في المنطقة العربية، وخلال 10 سنوات فقط، هو زيادة أعداد من يعانون من الفقر المدقع من نحو 9.8 مليون نسمة، إلى نحو 18.9، أي تضاعفت نسب الفقر في أقل من عقد فقط، وهو عكس ما حدث في الصين، صاحبة أكبر تعداد سكاني.
السياسات الصينية ببساطة، ركزت على دور الدولة، وهو عكس ما تبشرنا به مؤسسات السيطرة الدولية، فاندفعت الحكومات المتعاقبة إلى تنفيذ سياسات تهدف لرفع كفاءة البشر، وتوفير مشروعات هائلة للاهتمام بالصحة والتعليم الراقي، بجانب زيادة استيعاب العاطلين، لتتجاوز أزمة عددها السكاني البالغ 1.4 مليار نسمة.
وتحت شعار لن يبقى صيني واحد تحت مؤشر الفقر المدقع، نجحت في القضاء على 90% من الأزمة، وتقليل أعداد الطبقة المسحوقة من 550 مليون نسمة إلى أقل من 58 مليونًا، والأرقام بنهاية عام 2018.
الغريب أنه في ضوء تركيز الصين على ثلاثة محاور للقضاء على أخطبوط الفقر، فقد جعلت الدعم، الذي يعد الحل الأوحد أمام الحكومات العربية، في ذيل القائمة، التي حرصت على توفير تعليم جيد مرتبط بسوق العمل، وتدريب مرتفع المستوى في مصانع وشركات قائمة، ورعاية صحية شاملة وكفئة موجهة للأكثر احتياجًا، وأخيرًا اعتبار الدعم حل أخير ضمن سياسات الدولة لمكافحة الفقر.
فهل نتعلم الدرس الصيني، ونقبل اليد الصينية الممدودة، عبر طريق الحرير، وعبر الاستثمارات المرصودة للشرق الأوسط، وخصوصًا إن اليمن تحتل مكانها في قلب أي خط تجارة يمر بالمنطقة العربية، وفي أي طريق واصل بين آسيا وإفريقيا.

 

خاص | راصد اليمن

 

آخر الأخبار