خاص | دعوة لليمن: نظرة فاحصة على تجارب تنموية عالمية (1/2)

أحمد فؤاد - كاتب عربي مصري | تتجه الدول إلى الإصلاح، مدفوعة برؤية، باحثة عن هدف نقل المجتمعات إلى حالة أفضل، لتحقيق الرفاهية، وضمان تأمين المستقبل، ولو بالتضحية وتحمل نصيبها من معاناة الحاضر، خاصة لو كانت الدولة واقعة تحت تأثيرات ماضوية، عاجزة عن الانتقال بها إلى عالم جديد، تشكّل منذ زمن، وهي بمسيرتها البطيئة، أو بصراعات تستنفذها، تبتعد أكثر فأكثر عن عالمها.
المنطقة العربية، وفي قلبها شبه الجزيرة العربية، مهد الدين واللغة، والمكون الأكثر حضورًا في الثقافة المسيطرة على القلوب، تكافح دولها للحاق بسباق التقدم الإنساني، والاستعداد –المتأخر جدًا- لتجاوز عصر البترول، وتهيئة الظروف لاقتصاد متنوع، يثبت الصناعة كمكون رئيس للقطاعات الاقتصادية، في وجود قدرات مالية هائلة، قادرة على التحول لإمكانيات تكنولوجية وصناعية تستطيع الثبات والمنافسة، في عالم يتجاوز الضعيف دون أن يلقي إليه بنظرة شفقة.
اليمن الخارج من حرب تدميرية، استهدفت الدولة ومؤسساتها، بقدر ما استهدفت البشر والحجر في الأرض الطيبة، مدعو لإلقاء نظرة فاحصة على تجارب تنموية عالمية، بعين عربية يمنية، لا بعين تنظر للغربي كقائد أو ربما راعِ، كما تفعل الكثير من الأنظمة العربية الفاشلة.
عبر صندوق النقد والبنك الدوليين، ثم مكاتب الاستشارات الأميركية، حاولت حكومات "مشيخات وإمارات" الجزيرة العربية طرق باب تجربة التحّول لعصر ما بعد النفط، لكنها ما وجدت إلا سرابًا بقيعة، حسبوه ماء، ولما وصلوه لم يجدوا شيئاً، فقط الأرقام المنمقة، والمسؤولين الدوليين ذوي الألقاب المفخمة، وملفات لا يفهم منها الوزير أو الأمير العربي منها سطرًا واحدًا، وبالتالي يعتبرها عبقرية، فالإنسان عدو ما يجهل أو مستعبده، حسب ما يصور له عقله.
نفذت حكومات وعائلات الخليج توصيات مؤسسات السيطرة العالمية، وفشلت، تمامًا وكلية، في تقديم أي إصلاح لشعوبها، عدا عن حفلات ماجنة تجري في الرياض وجدة، وأبراج زجاجية شاهقة ترتفع في سماء دبي والدوحة، وحسابات بنكية للعائلات المالكة تتضخم في بنوك أوروبا وأميركا، وأخبار تملأ الصحف الغربية عن السفه والأسعار الجنونية التي يدفعها أمراء الخليج لاقتناء كل معروض في أسواق العالم، من سيارات تطلى بالذهب إلى لوحات عالمية، مثل لوحة "المخلّص" التي زايد عليها محمد بن سلمان وأوصلها إلى ما يقارب نصف مليار دولار، ثم تبين أنها لوحة لم ترسم بيد ليوناردو دافنشي نفسه! والأنكد أنها تخاصم الشعور الديني، في بلد يقدم نفسه كراعٍ لأقدس الأماكن الإسلامية.
لكن مع نسمات العام الجديد، فإن العرب مدعوون لوقفة، مع تقارير مؤسسات التمويل –أو السيطرة- المالية الدولية، في 2020 من المفترض أن تكون السعودية قد أنجزت خطة "التحول الوطني 2020"، كمتكأ لإنجاز رؤية 2030، التي تقول قياداتها إنها الضامن لانتقال المملكة إلى عصر ما بعد النفط.
الغريب هو حجم الإشادات التي خرجت من مسؤولين وجهات ومؤسسات عالمية للخطة والرؤية السعوديتان، بضغطة واحدة على محرك البحث "جوجل" ستجد عشرات التقارير عن السعودية الجديدة، الإنجاز الاقتصادي، شهادات الثقة الموزعة يمين يسار، على السعودية وقائدها الجديد ابن سلمان.
لكن الحقيقة الوحيدة أن ما تحقق في السعودية كان الفقر، والفقر، ثم الفقر.
10% من سكان السعودية، أو 3 ملايين شخص، هم تحت خط الفقر، بدخل أقل من 1.9 دولار/للفرد يوميًا، وربعهم يقبع في أسر "الفقر المدقع".. وما أدراك ما الفقر المدقع، فوفقًا لتعريف البنك الدولي، على موقعه الإليكتروني: "عدم القدرة على ضمان توفير وجبة واحدة أساسية، أي العجز عن الإيفاء بمتطلبات الحياة ذاتها"، وهو توصيف مرعب لمرض ينتشر في المجتمع السعودي، ويُمنع الإعلام من رصده تمامًا.
الحال السعودي ذاته متكرر في مصر، أكبر الدول العربية سكانًا، وأولها سقوطًا في فخ التطبيع مع الصهيوني والأميركي، بمعاهدة كامب دايفيد، سيئة الذكر، 32.5% من السكان تحت خط الفقر، و6.5% منهم سقطوا في هاوية الفقر المدقع، والأرقام طبقًا لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، وجاءت بعد تقرير للبنك الدولي، قال فيه نصًا: "إن عدد السكان الفقراء أو المعرضون للفقر وشدة الحاجة يدور حول 60%" وهو رقم مرعب، في بلد يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة، وتدور جهود حكوماتها حول الاستدانة أو بيع كل ما يمكن بيعه لتأجيل انفجار واقع حتمًا.
ولن تحتاج في حالة مصر أيضًا سوى لضغطة مماثلة على محرك البحث "جوجل" لتعرف عدد شهادات النجاح التي حصل عليها برنامجها "الافتراضي" لما يُقال إنه إصلاح اقتصادي، بدأ وعدد فقرائها 27% من السكان، وانتهى إلى بلد يتمدد فيها الفقر كما يتمدد ثعبان في صحراء قاحلة، ينتظر أول عابر ليلسعه لسعة لا يفيق منها أبدًا.
هذه هي نماذج الدول العربية التي سارت وراء شهادات النجاح الغربي، لن تجد إلا فشلًا يتلوه فشل، وخيبة تتلوها خيبات، وفي المقابل، ماذا كان البنك الدولي يقول عن الصين مثلًا؟!
البنك الدولي كان يصرخ من التدخل السيادي الصيني في الأسواق –التدخل الصيني في أسواق الصين!_ وفرض سعر محدد لليوان أمام العملات الأجنبية، وتدفق الاستثمارات الحكومية لتحتل النسبة الغالبة من الاستثمارات الجديدة كل عام..
فهل لا يزال البنك الدولي عند رأيه اليوم؟!

 

خاص | راصد اليمن

آخر الأخبار