عشرة برامج لإنعاش الاقتصاد: صنعاء تواجه الحصار بـ«خطة 2020»

في ظلّ تراجع الإنتاج المحلي اليمني بنسبة 50% على مدى السنوات الماضية من عمر العدوان والحصار، وارتفاع واردات البلاد من الاحتياجات الأساسية إلى أكثر من 90% جراء تدمير البنية التحتية للاقتصاد، تتّجه صنعاء نحو إنعاش الإنتاج المحلي، وخصوصاً منه السمكي والزراعي الذي تراجع بأكثر من 33%، وخلق عشرات الآلاف من فرص العمل من خلال تمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة والأصغر كوسيلة للحدّ من معدّلات الفقر والبطالة وتحويل الطاقات البشرية العاطلة إلى طاقات عاملة، وتحسين وسائل تحصيل الإيرادات العامة للدولة بما يكفل إنهاء مظاهر الابتزاز والفساد المالي والإداري، وتحسين مخرجات التعليم الفني والتقني بما يتواءم مع متطلّبات سوق العمل.
خطةٌ جديدة تقول «اللجنة الاقتصادية العليا» في صنعاء، والتي دشّنت العمل بـ«برنامج الإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020» في الخامس من الشهر الجاري، إنها أُعدّت بما يلائم معطيات الواقع واحتياجاته، وإنها تحتاج إلى عدد من التدابير والسياسات من دون أن تكلّف كثيراً. وفي إطار البدء باتخاذ تلك التدابير، وجّه رئيس «المجلس السياسي الأعلى» مهدي المشاط، الثلاثاء الماضي، حكومة الإنقاذ، بسرعة إعفاء صغار المكلّفين وأصحاب المشاريع الصغيرة والأصغر من أنواع الضرائب كافة، ودعم الإنتاج المحلي، وتقديم جميع التسهيلات للمنتجين المحلّيين بما في ذلك إعفاء مدخلات الإنتاج الدوائي ومدخلات واستثمارات الطاقة المتجددة من كلّ الرسوم إسهاماً في دعم وخفض كلفة الإنتاج على المزارعين وأصحاب المشاريع المتنوعة في عموم البلاد. كما وجّه المشاط بالعمل على تشكيل هيئة تأسيسية لإنشاء بنك وطني يمني يدعم الصادرات الزراعية والصناعية ونشاط تسويقها، مشدداً على سرعة مراجعة القوانين وتقديم التعديلات إلى مجلس النواب بما يضمن تنفيذ توجيهات المجلس الهادفة إلى تشجيع وحماية المنتَج الوطني من المنافسة في السوق المحلي.
وتأتي توجيهات «السياسي الأعلى» كجزء من «برنامج الاقتصاد المقاوم» الذي دشّنته حركة «أنصار الله» قبل عامين، من أجل تحسين مستويات الإنتاج اليمني من المحاصيل النقدية كالحبوب، ودعم الإنتاج المنزلي كخطوات أولى، وصولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي. ورحّبت حكومة الإنقاذ بقرارات المجلس، واعتبرتها، على لسان وزارة الصناعة والتجارة، خطوة مهمة سترفع مستوى الإنتاج الوطني، وستخفف فاتورة الواردات من الأسواق الخارجية. وفي الاتجاه المضادّ، ردّت عليها حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، بالتشكيك والاتهام وشنّ حملات إعلامية مناهضة لها. لكن مصدراً في «اللجنة الاقتصادية العليا» أكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن خطّة صنعاء ليست عشوائية، بل أتت وفق رؤية اقتصادية طويلة الأجل سيتم ّتنفيذها على مراحل مختلفة. وأشار إلى أن «ما أُعلن عنه أخيراً من برامج وسياسات اقتصادية يأتي تنفيذاً للرؤية الوطنية لبناء الدولة المدنية الحديثة»، موضحاً أن «المرحلة الأولى من الخطة تتضمّن عشرة برامج تنسجم مع أولويات وضرورات وظروف الواقع ولا تتجاوزه». وبيّن أن «تنفيذ الخطة سيَمثُل للتقييم الشهري، وسيتمّ إعداد قائمة سوداء بمعرقلي عملية التنفيذ وإقالتهم من أعمالهم مهما كانت مستوياتها»، مضيفاً إن «عملية التنفيذ بدأت فعلياً، ولن تتوقف إلا بتحقيق كل أهدافها».
«برنامج الإنعاش والتعافي الاقتصادي 2020»، والذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، يتكوّن من عشرة برامج اقتصادية تبدأ بالإصلاح الإداري، بما يكفل تفعيل مؤسسات الدولة، وإنهاء الشللية والمحسوبية في الوظيفة العامة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والقضاء على ظاهرة الازدواج الوظيفي والأسماء الوهمية في بيانات رواتب الموظفين (يصل عدد الموظفين الوهميين فيها إلى 300 ألف) لتوفير أكثر من 100 مليار ريال يمني كانت تذهب إلى جيوب الفاسدين من قيادات عسكرية ومدنية وقبلية محسوبة على الأنظمة السابقة، وتسبّبت بعجز مزمن للموازنة العامة للدولة باعتراف الحكومات السابقة على مدى العقود الماضية. ووفقاً للخطة، فإنها ستعمل على تعزيز علاقة القطاعين العام والخاص، من خلال إنشاء مجلس أعلى مشترك بالمناصفة بين القطاعين، ومنحه صلاحيات واسعة للقيام بدوره في تهيئة بيئة الأعمال، واستقطاب وتشجيع الاستثمارات في مختلف القطاعات، وتذليل كل الصعوبات والتحدّيات التي تواجه القطاع الخاص، ومنحه حق المشاركة في صياغة السياسات الاقتصادية للدولة. كذلك، شخّصت الخطة واقع التعليم المهني والتقني، وأقرّت بوجود اختلالات بنيوية في هذا القطاع حالت دون قيامه بدوره في التنمية، وعليه قرّرت إعادة النظر في المناهج الحالية ووسائل التدريب وتطوير قدرات المعلّمين. وفي جانب آخر، شدّدت على ضرورة تفعيل دور السلطات المحلية في مختلف المحافظات باعتبارها المسؤولة عن الرقابة على الخدمات العامة والأسواق والأمن. كما دعت إلى إعادة تنظيم القطاع المصرفي بما يكفل استقرار سعر صرف العملة الوطنية، والحدّ من المضاربة بالعملة، وإعادة الدور التنموي للبنوك والمصارف، وإدارة النقد الأجنبي، وتحديد أولويات الاستيراد، ومراجعة القوانين التي تعيق قيام صنعاء باتخاذ إجراءات هادفة إلى حماية المنتج المحلي من الإغراق التجاري والمنافسة غير العادلة.
وفي ظلّ تراجع المخزون الدوائي للبلاد جراء العدوان والحصار الذي تسبّب بوفاة الآلاف من اليمنيين على مدى السنوات الماضية، كشفت الخطة عن توجّه إلى رفع معدّل الإنتاج المحلي من الدواء إلى 50% خلال المرحلة الأولى منها، متبنّيةً عدداً من الإجراءات المحفزة لهذا القطاع، ابتداءً من إعفاء مدخلات الصناعات الدوائية بنسبة 100% من الرسوم الضريبية والجمركية، وتوجيه مخرجات كليات الصيدلة نحو المصانع الدوائية، وتحسين جودة الصناعات الدوائية، واستغلال الطاقات غير المستغلة على مستوى خطوط الإنتاج التابعة للمصانع الدوائية المحلية بما يسهم في تخفيف فاتورة استيراد الدواء التي تتجاوز 400 مليون دولار سنوياً. وعلى طريق تنفيذ هذا الجانب من الخطة، أقرّت وزارة الصحة والسكان في صنعاء، مطلع الأسبوع الجاري، إلغاء استيراد عشرة أصناف دوائية، وإعادة النظر في قائمة استيراد كل الأدوية التي يتوافر لها بديل وطني لحماية الصناعات الدوائية المحلية. كذلك، أقرّت المرحلة الأولى من خطة «الإنعاش والتعافي» إدارة أراضي وعقارات التوظيف، وتحويلها من أراضٍ غير مستغلة إلى مستغلة، بما يضمن التوظيف الكامل لها، وبما يسهم في تحسين مستويات التنمية.

 

(رشيد الحداد - الاخبار)

آخر الأخبار