خاص | حربٌ أم جنون

 أحمد فؤاد / كاب عربي مصري |

"سنصبح نحن يهود التاريخ
ونعوي في الصحراء بلا مأوى
هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية
هذا وطن أم مبغى"؟!
مظفر النواب

بسرعة وجنون كاملين، وبعد أقل من أسبوع واحد على الاعتراف الكامل بالهزيمة في اليمن، وإعلان وقف الغارات العدوانية، دون أي قيد أو شرط، يسابق محمد بن سلمان الزمن إلى حرب جديدة، ومع أقوى جارٍ بالخليج العربي، وقبل حتى أن ينفض يديه من حريق محطة "بقيق" النفطية.
اعتداء صاروخي سافرـ ليس له تفسيران، على ناقلة نفط إيرانية بالبحر الأحمر، وقبالة ميناء جدة –كانت تبعد عنه 60 ميلًا بحريًا فقط- يدفع المنطقة من جديد إلى أتون الجحيم، هذا إن كانت قد خرجت منه أصلًا.
بن سلمان مصمم على إبهار كل متابعيه، وكل أعدائه، فالرجل لا يترك فرصة لدمار دولته والإسراع بزوالها إلا واقتنصها، لم يقرأ دروس التاريخ، ولا يبدو قادرًا –وإن حاول- على استيعاب حدود إمكانيات المال، ويخلط عامدًا بين حلم النفوذ الإمبراطوري وحقيقة ما يملكه من أدوات، وبالتالي كما غرق لسنوات خمس في اليمن، واستنزفته تلك الحرب حتى كادت تفلسه، يقرع طبول الحرب من جديد، وباندفاع لا يمكن تفهمه، إلا في إطار جنون بات يحكم ويتحكم في ولي العهد السعودي.
بداية الحديث عن أي تحرك سعودي عسكري ضد الجمهورية الإسلامية تأتي من اليمن، واليمن وحدها، تلك الدولة الفقيرة التي تركتها الثورة شبه مقسمة، لكنها أذلت الأمير الحالم بمجد عسكري، يضاهي منصبه الأول كوزير للدفاع، ربما كان يشتاق إلى أن يقلد "نابليون"، لكنه قلده في حملته إلى روسيا، تلك التي انتهت بنكسة لم يفيق بعدها أبدًا، وتسببت في تمزيق جيشه المهيب تمامًا.
خسائر الحرب السعودية العدوانية في اليمن أعمق وأكثر من أن تحصى، ثلاث أرباع تريليون دولار –على الأقل- ذهبت في صفقات سلاح وشراء صمت العالم، طوال خمس سنوات، كما كشفت مجلة "فورين بوليسي" المرموقة، في منتصف العام الحالي، إذ قالت إن صفقات السعودية العسكرية وصلت إلى 750 مليار دولار -دون حساب الصفقات الإماراتية- ويدخل بالطبع في حساب التكلفة شراء صمت مجمع المصالح الغربي الضخم، للسكوت عن الجرائم ضد الإنسانية والحصار المفروض على اليمن، واستهداف المدارس والمستشفيات وساحات العزاء والأسواق الشعبية، وكل ما يعد هدفًا مدنيًا يتحتم الابتعاد عنه.
اقتصاديًا أيضًا، ضربت حرب اليمن كل آمال تحقيق انتعاش، ولو بشكل مؤقت، في مجالي تقليل البطالة أو التضخم أو معالجة عجز الموازنة المستمر للعام الرابع على التوالي، مع تدمير محطة ضخ بقيق، التي أطاحت في لحظة بنصف قدرات السعودية التصديرية للنفط، أي نحو 5.7 مليون برميل يوميًا، بالإضافة إلى التأثير على تدفقات الغاز الطبيعي، قدرها وزير النفط السعودي عبدالعزيز بن سلمان –نجل الملك الحالي أيضًا- بنحو ملياري قدم مكعب، وتراجع إمدادات غاز الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى حوالى 50%، مع تدمير منشأة "بقيق" الواقعة في أكبر حقل للنفط في العالم "الغوار"، والمسؤولة عن 70% من الإنتاج السعودي اليومي من الخام.
الاقتصاد الساقط من حسابات "بن سلمان" لم يرحمه، حين جاءت ساعة الحساب، رغم كل المؤشرات التي كانت تستدعي وقفة ما، فبداية من العام 2015 سجلت الموازنة السعودية عجزًا ضخمًا قيمته 367 مليار ريال، وبالتالي فإن الموازنة ابتلعت نحو نصف الاحتياطي السعودي، خلال سنوات الحرب على اليمن، فتراجع الاحتياطي من 732 مليار دولار في 2014 إلى 478 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2017، ومع وضع عامين آخرين في الحساب، يمكن تخيل إصرار السعودية على طرح حصة من شركة "أرامكو" لمواجهة السحب الهائل من الاحتياطيات.
والنفقات العسكرية الهائلة تعد السبب الأول للعجز الاقتصادي، فالمملكة تعتبر ثالث أكبر منفق على الجيش في العالم، وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم الدولي للسلام "سيبري"، ويتجاوز الإنفاق السعودي نظيره الروسي، حيث يبلغ نحو 87 مليار دولار، متجاوزًا روسيا –الدولة العظمى- التي بلغ إنفاقها العسكري 66.4 مليار دولار فقط، ويبقى الإنفاق السعودي هو الثاني عالميًا كحصة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13.7%، وهي نسبة هائلة، إذا ما وضعنا في الاعتبار أن النسبة العالمية للإنفاق العسكري لا تتجاوز 2.1%، ولا تكسر النسبة السعودية سوى سلطنة عمان، التي تنفق 14% على التسلح، علمًا بأن موازنتها تبلع بالكاد 1/10 الموازنة السعودية.
وعلى الجانب العسكري، مدن الحد الجنوبي للمملكة تحولت إلى هدف يقصف يوميًا، بلا أمل في وقف صواريخ "أنصار الله" والجيش اليمني، ورغم وصول قوات أميركية وأنظمة دفاع هي الأحدث والأكثر تطورًا عالميًا، إلا أن القصف اليمني استمر وأصبح لدى الجميع يقين كامل بقدرة "أنصار الله" على استهداف أي مكان بالمملكة، ولم تغن القوات الأميركية عن "بن سلمان" شيئًا أمام الصواريخ اليمنية.
الغريب أن عددًا من مسؤولي المملكة سارعوا إلى اتهام الجمهورية الإسلامية بالوقوف خلف الهجوم على منشأة "بقيق" النفطية، وأي مسؤول سعودي يردد على الدوام أن إيران تقف وراء "أنصار الله" بدون مواربة، وبالتالي كان من الغريب السعي إلى صدام مع طهران، رغم هزيمة الرياض أمام من تقول إن إيران تدعمهم.
فهل يتخيل بن سلمان، ومستشاروه، أنهم قادرون على هزيمة إيران ذاتها، في حين يرجعون الهزيمة في اليمن إلى تدخل إيراني!.
مسيرة تطور الدول تعتمد على التوازن، وعلى تحليل حسابات القوة الشاملة، والعلاقات مع الأطراف المشتبكة في المصالح أو الصراعات إقليميًا ودوليًا، وهذا ما تفتقده المملكة العربية السعودية بالكامل في ظل قيادة بن سلمان، وهي تندفع نحو المجهول، فليس من العقل أن تسير دولة كاملة إلى حتفها بقيادة متهورة، والأهم فاقدة كل صلة لها بالحقائق.

(خاص | راصد اليمن)

آخر الأخبار