الضربة الجوية في ينبع: بعدٌ محلي في سياق إقليمي

الضربة الجوية بسبع طائرات مسيرة، التي سددها اليمن إلى محطّتي ضَخ للنّفط غرب المملكة السعودية في مُحافظتي الدوادمي وعفيف، وأشعلت فيهما النّيران، هي في معادلات الصراع قفزة نوعية وارتقاء في مستواه على الصعد كافة، إن لجهة الأهداف (قطاع النفط) أو القدرات (تكنولوجيا) أو القرار (الارتباط بمحور المقاومة). وتأتي العملية ترجمةً للقرار الاستراتيجي الذي أعلنته قيادة «أنصار الله» بأن العام الخامس للعدوان هو عام الحسم، إذ انتقل فيه الجيش و«اللجان الشعبية» من وضعية الدفاع البحت إلى «الدفاع ـــ الهجومي التدريجي». وتجلى ذلك في التقدم الملحوظ في محافظتي البيضاء والضالع، وتأتي الضربة الجوية اليمنية بعد أيام من تنفيذ المرحلة الأولى من تفاهمات السويد من طرف واحد (أنصار الله) التي تسلّمت بموجبها الأمم المتحدة المراقبة والتفتيش في موانئ الحديدة ورأس عيسى وصليف.

الأمم المتحدة أكدت أمس نجاح المهمة وفق المتفق عليه مسبقاً، ومن شأن البدء بتنفيذ اتفاق السويد توقف العمليات العسكرية في الحديدة. تجدر الإشارة هنا إلى أن المندوب الأميركي في «اللجنة الرباعية»، المشكلة من واشنطن ولندن والرياض وأبو ظبي، كان قد أعطى الضوء الأخضر للإماراتيين لمعاودة الهجوم على الحديدة. ووفق معلومات حصلت عليها «الأخبار»، أعلن المندوب الإماراتي «عدم جاهزية بلاده» وكذلك الفصائل الموالية لها في اليمن لتكرار الهجمات على المدينة، الأمر الذي أدى باللجنة إلى الإيعاز إلى مندوب الأمم المتحدة في اليمن، مارتن غريفيث، بالسفر إلى صنعاء وإعطاء الموافقة على العرض (القديم) من جانب «أنصار الله» بالانسحاب من طرف واحد.
لا شك في أن العامل الداخلي (المحلي اليمني) في عملية استهداف المنشآت النفطية السعودية في ينبع يخدم بالدرجة الأولى اليمن، بالاستفادة من قدراته الذاتية في التصدي للعدوان السعودي ــــ الإماراتي ودفعه إلى واقع شديد القتامة والغموض، عبر تشكيل تهديد لأهم أوراق القوة لديه، أي قطاع النفط، وتحويل ذلك القطاع إلى نقطة ضعف، الأمر الذي يضطر النظام السعودي إلى إخضاع تلك الورقة للمساومة على طاولة المفاوضات، أو أنها ستدخل تلقائياً في الأيام المقبلة لتشكل توازن ردع غير مكتوب مع صنعاء مقابل تحرير الاقتصاد اليمني ورفع الحصار عن البلاد، كما لوحت «حكومة الإنقاذ» في غير مناسبة.
في غضون ذلك، لا يستطيع أحد سلخ البعد المحلي للضربة الجوية فجر الثلاثاء عن سياقها الإقليمي، وأنه يؤثر سلباً أو إيجاباً في الصراع في اليمن. فتوقيت الضربة وأثرها انعكسا إيجاباً على محور المقاومة، ووضعها أيضاً في السياق الإقليمي الراهن، ما يعطيها قوة دفع إضافية لمصلحة التصدي للعدوان على اليمن. ومهما حاولت بعض الأطراف العمل على سلخ اليمن عن محور المقاومة، فإن صنعاء باتت تتأثر بتداعيات الصراع الدائر في الإقليم وتؤثر فيه. في السياق الإقليمي أيضاً، كأن الضربة الجوية (طائرات من دون طيار) تقصّدت ضرب ما يفترض أنه بديل من مضيق هرمز، إذ تصدّر السعودية خمسة ملايين براميل من مدينة ينبع على البحر الأحمر، وذلك بعد يوم واحد من تفجيرات السفن الأربع في ميناء الفجيرة الإماراتي على سواحل بحر عمان المتفلت أيضاً من المضيق نفسه. ومن شأن ذلك أن يُسهم في تبريد الرؤوس الحامية في كل من واشنطن والرياض وأبو ظبي، ويشعر الجميع بعقم خيارات الالتفاف على أهم ممر مائي في العالم (هرمز).
وللضربة الجوية العديد من الدلالات الأخرى، ويمكن إيرادها على هذا النحو:
أولاً: المسافة التي اجتازتها الطائرات اليمنية في الأراضي السعودية هي أكثر من 1000 كلم، ومن يمتلك القدرة على الوصول إلى أي هدف في المملكة، فإنه قادر من دون شك على الوصول إلى أي هدف في الإمارات، وهذا ما أكده زعيم «أنصار الله» في الذكرى الرابعة للعدوان.
ثانياً: القيمة الفعلية للضربة الجوية ليست حصراً بذاتها، بل لكونها تشكل بداية مسار إذا ما استمر، فستصبح مفاعليه الاستراتيجية توازي مفاعيل الصواريخ التي أطلقت على الرياض، بل قد تفوق قدرة الصواريخ بكثير، ولا سيما أن إمكانية اعتراضها من صواريخ «الباتريوت» ضعيفة، وهذا سيشكل تحدياً مقبلاً للأماكن الحيوية والحساسة في الرياض وغيرها.
ثالثاً: تذكر الضربة ما دأبت على التذكير به قيادة «أنصار الله» بشكل متكرر، بشأن امتلاك خيارات استراتيجية ووسائل ردعية تظهر قدرةً على المواجهة، تضعف الخيارات المفترضة للعدوان. وفي هذا الإطار، لم يعد باب المندب وأماكن بحرية أخرى بعيدة عن متناول اليد.
وضع الجانب السعودي نفسه جراء استعلائه وتعنته في استمرار الحرب على اليمن أمام خيارات صعبة، ولم يعد أمامه سوى استعطاف العالم، إذ اعتبر مجلس الوزراء السعودي أمس أن تخريب محطتي ضخ النفط في خط أنابيب نفط رئيسي لا يستهدف المملكة فحسب، بل «أمان إمدادات النفط العالمية والاقتصاد العالمي أيضاً».

 

(لقمان عبدالله - الأخبار)

آخر الأخبار