المحادثات اليمنية في مأزق: وداعاً هادي

برز مؤخراً الرئيس اليمني الفار، عبدربه منصور هادي، كمعرقل مباشر للحل السياسي الذي تعمل الأمم المتحدة على تحقيقه في اليمن. فبعد إعلانه قبول التفاوض وإرساله وفدا إلى مسقط بناء على موافقة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي» على تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦، عاد وتراجع عن ذلك. تطور أوجد حالة ذهول لدى كبار المسؤولين في الأمم المتحدة وشكوكاً في أهلية المبعوث إسماعيل ولد شيخ أحمد لأداء دور الوسيط. كذلك طرح تساؤلات كبرى عن سبب ترك واشنطن ولندن وباريس السعودية وأتباعها دون ضغط لتحقيق ولو هدنة إنسانية في اليمن لبضعة أيام كحد أدنى.

يتصرف الرئيس اليمني الفار، عبدربه منصور هادي ليس بوحي من أولياء نعمته في الرياض وأبوظبي والدوحة وحسب، بل أيضاً من زاوية الهلع من بلوغ حل ينهي حياته السياسية إلى الأبد. الرجل قلق للغاية ويتصرف بعصبية، كما يقول من يعرفونه عن كثب. يعلم الرجل أن حظوظه في لعب دور في مستقبل اليمن لا تتجاوز الصفر. وإنعكس توتره مباشرة على جسم الحكومة التي يقودها.

 

فعلاقته برئيس الوزراء خالد البحاح المتوترة جداً دفعته لمحاولة استبداله أخيرا، لكنه فشل. أجرى تعديلاً حكومياً فاستبدل وزراء النفط والشباب والصحة، رافضاً طلب بحاح تعيين عبدالله الصايدي، مندوب اليمن السابق لدى الأمم المتحدة، وزيراً للخارجية لأنه من الشمال. تجلى الخلاف داخل الحكومة اليمنية في بيان صدر عن مجلس الوزراء رحب بما تم التوصل إليه مع مبعوث الأمين العام إلى اليمن للذهاب إلى مسقط، ليصدر بعده مباشرة بيان هادي الرافض للمفاوضات. وجوه كثيرة إحمرت بين الرياض ونيويورك بينها وجه بان كي مون ووجه مساعده جفري فلتمان.
وراء هذا الرفض لهادي هناك موقف شخصي مرتبط بمصالحه، وآخر إقليمي ودولي. كثيرون يتحدثون عن أن هادي يجمع أكبر قدر ممكن من المال لأنه يدرك أن مستقبله سيكون خارج أي حكومة يمنية. أي حل سينهي ودوره كلياً. وصفقات نجله جلال في السلاح والنفط خارج إطار الدولة خير دليل على إنتهاج هذا المسلك الفاسد. ربما كان هذا هو السبب لعدم تعيين هادي وزيراً للمالية في حكومته حتى الآن.
وفي الشق الخارجي، التحالف مع القيادة السعودية يعمل على تقويض مقومات الدولة اليمنية بتدمير ممنهج واضح للبنى التحتية بهدف جعل اليمن معتمداً كلياً على دول الجوار الغنية ولا يفكر مستقبلاً في الإستقلال. يأتي تمدير رافعات ميناء الحديدة العملاقة كجزء من هذه الخطة. هذه الرافعات الخمس الحديثة التي فاقت تكلفتها نصف مليار دولار هي الأكبر والأسرع في كل المنطقة وقادرة على رفع أكبر الحاويات وإنزالها على الرصيف بسرعة. جرى قصفها بطائرات التحالف السعودية والإماراتية على عدة مراحل رغم صراخ الأمم المتحدة وإحتجاجها على لسان ستيفن أوبرايان، وكيل الأمين العام لشؤون تنسيق المساعدات الإنسانية. وقصفت المستودعات المجاورة والمصانع ومحطات الكهرباء والمحولات والجسور والمستشفيات وحتى محطات ضخ المياه وحرمت المنطقة الوسطى والأطراف الشمالية في حجة والجوف الوقود. وهادي شريك ومستفيد من كل هذا الدمار لأنه يبيع النفط المسروق ويريد حصر التجارة عن طريقه. إنها حرب تجويع من أجل التركيع.
الأمم المتحدة تعرف كل هذا وأكثر، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في المبعوث إسماعيل ولد شيخ أحمد الذي يتصرف كأنه موظف لدى الحكومة السعودية ويدرك ضعفه وعجزه. ورغم نفي ولد الشيخ أنه سأل غرفة القيادة السعودية في أوائل عهده بالوساطة «كم يوما تحتاجون لتغيير الواقع الميداني؟» إلا أن كل الأحداث التي سبقت والتي تلت ذلك تؤكد أن مهمته التفاوضية شكلية قبل مؤتمر جنيف وبعد فشل عقد مؤتمر مسقط. والأسباب تبقى ذاتها. السعودية وحلفاؤها من قطريين وإماراتيين وبحرينيين و«القاعدة» و«الإصلاح» لا يريدون الحل السياسي الذي يعطي «أنصار الله» وحزب «المؤتمر» أي دور في مستقبل اليمن. و«الحراك الجنوبي» بات خارج المعادلة فهو لا يمضي مع الخطط كما يُراد منه، لذلك تصفى قياداته عبر الإغتيالات.
التحالف بكل أطرافه الإقليمية والدولية باتوا معرقلين للحلول لحسابات دولية واسعة. الولايات المتحدة وحلفاؤها يعلمون أن السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي المشاركة مرهقة ومرتبكة، لذلك يبطنون مساعدتهم لها. فهم جميعاً، واشنطن ولندن وباريس، يستفيدون من هدر السلاح وعقد صفقات جديدة كبيرة. إذا ربحت السعودية شيئاً من الحرب، يكون لهم نصيب الأسد من فوزها على المستويين المحلي والإقليمي. وإذا أخفقت، تحمل السعودية المسؤولية المادية والسياسية والأخلاقية. أيضاً لم تشأ الإدارة الأميركية الضغط على حلفائها خلال مرحلة إعتماد إتفاق فيينا النووي.
وبعد أن يجلو غبار المعركة تتدخل الدول نفسها بوجه إنساني للمساعدة وتلطخ سمعة دول مجلس التعاون وحدها. لهذا سمى فيتالي تشوركين مندوب روسيا، رئيس مجلس الامن الدولي الحالي كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بأنها معرقلة. قال إنهم يكتفون بهزّ رؤوسهم بالإعراب عن الأسف للوضع الإنساني السيئ في اليمن، لكنهم يرفضون أي مقترحات ترمي إلى إيجاد حل فعلي، منتقداً العقوبات التي فرضت على قيادات الحوثيين واعتبرها جزءاً من الصعوبة في إيجاد الحلول.

جبهة «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي» السياسية تبدو متماسكة وموحدة في مواقفها. هؤلاء قدموا تنازلات كثيرة وقبلوا عودة الحكومة إلى صنعاء والإنسحاب من المدن والتفاوض على خطط لنزع السلاح ليس من الزاوية التكتيكية. هم يدركون أن اللعبة الكبرى في المنطقة تطحن اليمن. ويحرصون على بقاء بلادهم لأنهم لا يملكون غيرها، بعكس خصومهم الذين يرون أن حساباتهم المصرفية هي العنوان. هم بقوا في مسقط للتفاوض مبدين كل تماسك واستعداد جدّي للحوار. وفي المقابل يبدو الطرف الآخر متضارب التكوين والأهداف على عدة مستويات. أجندات السعودية غير القطرية والإماراتية. وإذا كان حزب «الإصلاح» و«القاعدة» مع السعودية يريدون الهجوم من الجنوب نحو الحديدة والعاصمة وتعز، ومن مأرب نحو الجوف وصنعاء مخاطرين بحرب مذهبية كبرى، فإن «الحراك الجنوبي» والإمارات يختلفون على ذلك، وإن كان دمّ الإماراتيين فائرا بسبب الخسائر الضخمة التي تكبدوها في صافر منطقة صحن الجنّ. الأمر الآخر أن اليمن لا يزال يحتفظ بمفاجآت عسكرية من قدرات صاروخية قادرة على ضرب عواصم كالرياض وأبوظبي والدوحة والمنامة. وعندما يبدأ الزحف نحو صنعاء ستواجه الجيوش تدميراً هائلاً في الطريق لأن كل القبائل ستحاربها. وتتهدد تلك العواصم بمثل ما كانوا ينوون إلحاقه بصنعاء.

 

 

بعض المعطيات الميدانية باتت تشي بأن الأمور تجاوزت بعض الخطوط الحمر. هناك معلومات مؤكدة حصلت عليها «الأخبار» بأن أسلحة أميركية بالغة التطور وقعت في أيدي الحرس الجمهوري اليمني و«اللجان الشعبية». وهي عبارة عن منظومة تحتوي على تقنيات دفاعية متطورة. وبالتالي باتت الرياض في وضع محرج للغاية كحليف يمكن الإعتماد عليه وتزويده بمعدات تقنية عالية. الجيش السعودي فرّ في مناطق من نجران وجيزان وترك تلك المعدات دون أن يدمرها في الحدّ الأدنى. وقعت في يد الحرس الجمهوري اليمني الذي لن يتأخر في معرفة كيفية إستخدامها، وستظهر آثارها في المعارك المقبلة.
واشنطن باتت أيضاً قلقة على وضع البيت السعودي. الجيش السعودي كشف بمغامراته الفاشلة مدى هشاشته. شاهد الأميركيون فيديوهات قناة المسيرة التي عرّت مدى هلع الضباط السعوديين وخوفهم وفرارهم الجماعي من جبهات القتال. صورة تشجع تنظيم «داعش» على التجرؤ داخل المملكة، وربما في دول أخرى كالكويت والبحرين بشكل خاص، حيث لديه قاعدة شعبية كبيرة. الإعتقالات في صفوف التنظيم في هذه الدول تضاعفت في الأشهر الماضية، ويمكن أن يبادر أنصاره إلى أعمال كبيرة مستفيدين من حالة الإرباك الميدانية والسياسية التي تعيشها هذه الدول.

(نزار عبود/الأخبار)

 

آخر الأخبار