خاص | اليمن بين قمتين

ليلى عماشا - كاتبة لبنانية | غارة تلو غارة، تزداد صعوبة النظر في وجه اليمن المقاتل. هو يقتلنا حياء، ويهدينا الإيمان بأن لا حياة بغير كرامة.. ومن يضاهي اليمن كرمًا بتلقين الظلم الهزيمة تلو الهزيمة، ومن يضاهي مظلوميه كرامة.
لا جديد في اليمن. ما زالت الغارات الأميركية السعودية وحلفائها تتخذّ السماء مفرًّا لها، تهاجم بيد مرتزقتها من البعيد، ككل الجبناء، تقتل ثم تدّعي أن في ذلك بطولة.. لا جديد في اليمن، فما زال الخنجر الحوثي مرفوعًا يستلّ من قعر الجراح الغائرة عزيمة وينتصر، والنصر قرار.
ولا جديد في اليمن، ما زال الحصار يستهدف الأطفال ويمنع الغذاء والماء والدواء، وما زال اليمنيون من تحت الحصار يصدّرون الصبر المقاوم إلى كل القلوب، ويصلّون لأجلنا، نحن الذين لا نملك إلا الحياء والغضب. ولا جديد، لا جديد في اليمن، فالحرب عليه منذ أول غارة عادت على أصحابها بالهزيمة والخزي، ورفعت الشأن المقاوم في اليمن إلى أعلى مراتب المظلومية التي لا خيار لها إلا الإنتصار، مهما كان الثمن عاليًا، وغاليًا، وعزيز.
قصفت بالأمس صنعاء. ما استوقف القصف جلسات ما يسمى "قمة" تداعى إليها العرب.. ما استدعى القصف موقفا "عربيا" يدين القاتل، فهو "مستعرب" مدعو إلى القمة وإن لم يلبّ الدعوة. 
قصفت، ولم تنتظر أصلا، كما منذ أول غارات العدوان، أن يرتفع صوت مما يسمى "جامعة الدول العربية".. كيف تنتظر صوتًا من جمع استبعد سوريا عسى يكفّ صوتها العربي.
إذن، غاب الحدث اليمني كما غاب قبله الفلسطيني وكما غُيّب الحدث السوري عن واجهة الاجماع "العربي"، ليصبح الاجماع هذا وكل تجمّع هو الغربال الذي يتيح لنا جميعا أن نميّز العربي من المستعرب. به، يصير الغياب والتغييب معيارا ودليلا على أن ما يحاولون التعتيم عليه هو الأنقى والأشد خطرا بنقائه لأنه يدلّ على المستنقع، بحكم أن الضد يظهر ضده. غابت اليمن عن الإهتمام لأن بعينيها تدين القاتل وتشير إليه، بل وتصارعه وتهزمه وترسانته التي يفوح منها النفط والخيانة.. وما "تغريد" السعوديين من جهة ومرتزقتهم من جهة اخرى اذ  يتقاذفون السخرية من هزيمتهم وكل طرف يحمّل الأخر وزر الهزيمة إلا إقرار بأن غاراتهم ليست إلا انعكاس عجزهم. 
كل هذا لا يعني أن صنعاء لا تتألم وأن اليمن ليس جريحا أتعبه النزف. ولا يعني أن نصمت حيال "الصمت العربي" الذي يلف القضية اليمنية وكأن ما يحدث قدرًا أو مجرّد شأن داخلي أو "ثنائي" بين بلدين متجاورين. تبدأ الحكاية من اقرارنا بأن آل سعود هم يد أميركية تحتل جوار اليمن وتعتدي. ولا تنتهي، بل من المعيب ان تنتهي بغير بتر يد الاحتلال الأميركي.
يبدو الكلام هيّنًا، لكنها حتمية التاريخ تقودنا إلى اليقين بأن كل احتلال إلى زوال مهما تبدّلت وتغيرت أشكاله وظروفه وصوره.. هذا التاريخ الذي سيقرأه أولادنا في جمل يفوح منها عطر يمني آخاذ: "قاوم الحوثيون العدوان السعودي حتى زوال آل سعود.." أو ربما "بدأت نهاية آل سعود حين توهموا أن باستطاعتهم كسر كرامة اليمني، فحاربهم الحوثي ابن اليمن الأصيل، فأزال سلالتهم اللعينة عن وجه الوجود".

 

(راصد اليمن - خاص)

آخر الأخبار