توتشكا ’صافر’ ونقطة التحوّل في الحرب على اليمن

"التوتشكا" صاروخ أرض - أرض باليستي تكتيكي، يسميه حلف الناتو(ss21) ، قصير المدى (حد أقصى 120 كلم)، روسي الصنع، تجرّه عربة خاصة وهو عالي الدقة ومجهز برأس حربي يزن نحو 500 كلغ، تلامس فاعليَّة قدرته على التدمير دائرة بشعاع يبلغ 200 متر، يملكه الجيش اليمني ضمن ترسانته الصاروخية المتضمنة عدة انواع من الصواريخ الباليستية الاستراتيجية والتكتيكية.


قد تكون من أقسى الضربات العسكرية التي تلقاها تحالف القوات الخليجية والمسلحين اليمنيين التابعين له منذ أن شن حربه المجنونة على اليمن، هي تدمير مراكز تجمعات وحداته في مركز قيادة اللواء 107 في منطقة صافر التابعة لمحافظة مأرب (250 كلم شرق صنعاء، والتي كانت تتحضر لتنفيذ عمليات عسكرية مختلفة في أكثر من ناحية تابعة للمحافظة المذكورة، وقد وقع هذا التدمير بصاروخ تابع للترسانة اليمنية من نوع "توتشكا" أطلق من منطقة بيحان في محافظة شبوة وهي نقطة استراتيجية تتوسط مثلث مأرب - عتق - البيضا، يسيطر عليها الجيش واللجان الشعبية وانصار الله، ونتج عن ذلك مقتل أكثر من مئة جندي وضابط سعودي وبحريني وإماراتي وتدمير عربات قتال ومدرعات خفيفة وثلاث طوافات من نوع اباتشي، وما زاد الطين بلّة هو انفجار أكثر من مستودع ذخيرة وصواريخ في الثكنة العسكرية حيث انفجر الصاروخ.

لقد جاءت ردة الفعل على العملية وكالعادة مأسوية على الصعيد المدني والانساني حيث شن طيران التحالف اوسع غاراته الجوية مستهدفا الاماكن السكنية والمستشفيات والمؤسسات العامة والخاصة في صنعاء ومحافظات الشمال كصعدة وحجة وعمران، وعلى الرغم من الاستنفار والاستنكار الواسع خليجيًّا ودوليًّا من خلال المواساة وتقديم التعازي لقادة الدول التي قتل جنودها وضباطها في هذه العملية النوعية، وعلى الرغم من أجواء الحزن والخيبة التي اصابت قادة ورفاق هؤلاء، فلا شك أن هذه الرماية أو هذه العملية العسكرية الكاملة، حيث جاءت نتائجها مماثلة لنتائج عملية عسكرية هجومية خاصة اشبه بمعركة واسعة او بكمين محكم، هي عملية مشروعة بالكامل ومن حق الجيش اليمني المدعوم من اللجان الشعبية وأنصار الله ان ينفذها دون اي تردد، فقد نُفذت داخل الاراضي اليمنية على جنود وضباط غرباء لم يكونوا في زيارة تعارف عسكرية او في مؤتمر او جولة استطلاعية، بل كانوا في قلب معركة شرسة مفتوحة على جيش وعلى شعب اليمن، وقد تم تحذيرهم مسبقا ولاكثر من مرة من مغبة تماديهم في عدوانهم الغادر وفي دعمهم لمجموعات يمنية ضالّة ولكنهم لم يستجيبوا للتحذيرات والنداءات المتعددة للتفاوض وللشروع بالبحث عن تسوية توقف الحرب والدمار والقتل وتعيد الامور الى محور الحلول السلمية.

لقد شكلت العملية بمعناها وبطريقة تنفيذها وبنتائجها نقطة تحوّل مفصليّة في الحرب على اليمن بعد البدء بتنفيذ الخيارات الاستراتيجية التي تكلم عنها قادة انصار الله منذ فترة ليست ببعيدة، كما ان الظروف والمعطيات العسكرية والميدانية التي طبعت هذه العملية بطابعها الخاص والتي امنت لها النجاح يمكن تلخيصها بما يلي :

الاختيار الناجح للمكان

يعتبر موقع صافر حيث انفجر الصاروخ "توتشكا" نقطة استراتيجية بالغة الاهمية في المناورة الهجومية البرية التي ينفذها حاليا التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، فهي تشكل امتدادا حيويا لمحور الوديعة – عبر – مأرب،  حيث يؤمن هذا المحور دخول وتقدم القوى البرية المشتركة والتابعة للتحالف المذكور انطلاقا من اراضي المملكة في معسكرات شرورة جنوب شرق نجران في وسط الحدود المشتركة بين الدولتين باتجاه محافظة مأرب الاستراتيجية امتدادا الى العاصمة صنعاء ، وهو لا يقل اهمية عن مدينة تعز الاستراتيجية على المحور الجنوبي بين عدن و دهمار امتدادا لمدينة صنعاء ، كما وتشكل الثكنة في الموقع المذكور والتي تحوي مطارا جويا ومخازن كبيرة للذخائر وللصواريخ، النقطة العسكرية المناسبة او الاكثر صلاحية وتجهيزا لاستيعاب هذا التجمع المشترك من اغلب انواع الاسلحة التي تشارك في المعركة البرية المذكورة والتي رأينا نموذجا عنها من خلال التنوّع في الخسائر المادية بين الاسلحة والاليات والعتاد التي ظهرت بعد حصول الانفجار.

الاختيار الناجح للزمان

لقد جاء التوقيت مناسبا في اطلاق الصاروخ، اولا: في اختيار لحظة اكتمال التجمع الذي كان قد اصبح جاهزا بالكامل من ناحية العديد والعتاد للبدء بالعمليات العسكرية المرتقبة في محافظة مأرب تحضيرا للهجوم على صنعاء، وثانيا من ناحية اختيار التوقيت السياسي والديبلوماسي المناسب والخاص بالمفاوضات التي يتم التحضير لها بشكل جدّي وقريب جدا بين التحالف بقيادة المملكة والمُمَثَل بحكومة الفار هادي في المنفى وبين اللجان الشعبية وانصار الله في مسقط عاصمة دولة عمان، وحيث ان المفاوضين وحسب ما خبرناه في هذه الحرب على اليمن يفتشون دائما عن نقاط قوية تتمثل في سيطرة معينة في الميدان يستعملونها في ادارة مفاوضاتهم كنقاط ضغط على الفريق الآخر، والعملية النوعية التي نتحدث عنها تعتبر نقطة قوية جدا في يد اللجان الشعبية وانصار الله لما لها من دلالات ميدانية وعسكرية واستراتيجية في مواجهتم لعدوان التحالف .

الاختيار الناجح للهدف

إضافة إلى كون الهدف موقعا مهما من الناحية العسكرية والميدانية، فقد فرضت العملية على التحالف اعادة النظر من الاساس بالمناورة الهجومية حيث يجب مهاجمة "حيان" والسيطرة عليها وعلى محيطها قبل الحشد لمهاجمة صنعاء عبر اكمال السيطرة على مأرب بالكامل، فان الموقع المستهدف هو عبارة  عن تجمع كبير لقوى خليجية مشتركة في التحالف يضم بالاضافة إلى السعوديين مجموعة من الإماراتيين والبحرينيين، ما يشكل بحد ذاته رسالة سياسية ووجدانية لحكومات وشعوب هذه الوحدات حول جدوى انخراطهم في حرب خاسرة ضد شعب متحصّن داخل ارضه ومقتنع بالمقاومة حتى الرمق الاخير.

بعد خسائر المملكة اللافتة معنويا وماديا ومقتل وإصابة عدد من جنودها وضباطها، وفرار قسم كبير منهم هربا من مواجهة انصار الله على الحدود اليمنية، وبعد الفوضى المسلحة في الجنوب وتحديدا في عدن ولحج حيث لم تتمكن من السيطرة مباشرة او بواسطة ميليشياتها المختلفة بغية تأمين عودة الرئيس الفار منصور هادي لادارة "الشرعية" ،حسب ما هدفت من وراء هذه الحرب المجنونة التي ادخلت نفسها وادخلت اليمن والمنطقة فيها، جاءت هذه الضربة الموجعة في صافر لوحداتها وللوحدات الخليجية التي تتحالف معها لتجعلها ربما تعيد حساباتها ولتستفيق وتأخذ قرارا جريئا بتفعيل المفاوضات والذهاب نحو تسوية سلمية توقف هذا الدمار المجنون وتنتشلها من هذا المستنقع الذي يبدو ان الغرب وعلى رأسهم الاميركيون يحاولون إبقاءها فيه وادخال الاخوة الخليجيين معها، حيث يكون الوضع مناسبا حينها لرفع وتيرة صفقات الاسلحة الهائلة التي كانت الحل المثالي لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ورفع معدل النمو في الغرب بشكل عام وفي الولايات المتحدة الاميركية بشكل خاص.

 

(شارل أبي نادر - عميد متقاعد/ موقع العهد الإخباري)

آخر الأخبار