خاص | حرب الطرقات تضاعف مآسي اليمنيين

رشيد العديني - صنعاء |  لم يستثنِ تحالف العدوان أي قطاع خدمي في اليمن، إلا وحوله إلى هدف مشروع لعملياته العسكرية كالطرقات العامة التي تعرضت لعملية تدمير ممنهجة من قبل الطيران الحربي السعودي طيلة أربع سنوات من العدوان والحصار، مما أدى إلى تراجع قدراتها الاستيعابية في ظل ارتفاع حركة النقل فيها، وهو ما أدى إلى تعاظم مخاطرها لتتحول إلى طرقات موت.
يؤكد المركز القانوني للحقوق والتنمية، وهو المعني برصد اضرار العدوان على القطاعات المختلفة ، أن "الطيران السعودي شن الآلاف من الغارات على الطرقات العامة التي تصل بين المحافظات اليمنية والعاصمة صنعاء واعاق حركة النقل البري بين المدن والمحافظات، وكذلك الطرقات الفرعية التي تصل المدن بالناطق الريفية"، ويشير المركز إلى أن "التحالف استهدف 2559 طريق وجسر خلال الـ 1300 يوم الأولى من عمر العدوان على البلاد، يضاف إلى تعرض أكثر من 4000 وسيلة نقل عام اثناء مرورها في الطرقات العامة للاستهداف، مما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين"، وبما أن "الهدف الخفي لحرب التحالف على الطرقات اليمنية كان إعاقة وصول الإمدادات الغذائية التجارية والإنسانية فقد استهدف طيران التحالف طيلة تلك الفترة 621 شاحنه غذاء و256 ناقلة وقود اثناء مرورها في الطرقات ". 
أضرار مادية وإنسانية 
ورغم فداحة الاضرار المباشر للاستهداف الممنهج للطرقات العامة من قبل العدوان والتي تفيد تقارير وزارة الاشغال العامة بصنعاء أنها تتجاوز الـ 3 مليارات دولار  كما تصل خسائر النقل البري في البلاد إلى 4 مليارات دولار، إلا أن مأساة الطرقات الناتجة عن العدوان والحصار تفوق تلك الاضرار المادية إنسانياً. فبسبب تدمير البنية التحتية للنقل البري الأمن عبر الطرقات في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة "الإنقاذ" وتدهور الحالة الفنية للطرقات في المحافظات الخارجة عن سيطرة صنعاء، والواقعة تحت احتلال الإمارات والسعودية والبعض منها تحت سيطرة أحزاب وتيارات موالية لحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي وحزب الإصلاح، يموت على جنبات الطرقات مواطن يمني في كل ساعتين بسبب ارتفاع الحوادث في تلك الطرقات التي خرجت البعض منها على الجاهزية دون أن تتلقى أي صيانة من قبل حكومة هادي.
يقدّر مصدر مسؤول في الإدارة العامة لشرطة السير في العاصمة صنعاء، في حديثه لـ(راصد اليمن) ارتفاع ضحايا الحوادث في الطرقات العامة إلى الضعف عمّا قبل العدوان التي بلغ متوسط الوفيات الناتجة عن حوادث السير سنوياً بـ 3000 حالة وفاة و5000 إصابة بين متوسطة وجسيمة في عموم البلاد، ويعيد ذلك إلى ارتفاع مخاطر الطرقات بسبب استهدافها من قبل طيران العدوان وكذلك عجز الدولة عن ترميم الكثير منها في الشمال والقيام بترميم أجزاء منها وفق الإمكانيات في صنعاء وذمار وانشاء طرقات لتسهيل حركة السير في الجوف والحديدة. 


معبر الموت 
وعلى العكس مما تتعرض له الطرقات في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة "الإنقاذ" بصنعاء، تتجاهل حكومة هادي حرب طريق "العبر ـ الوديعة" التي تتجاوز 100 كيلو متر والتي يستخدمها ما يزيد عن 3 ملايين مغترب يمني يعملون في دول الخليج نتيجة اغلاق التحالف للمعابر الأخرى كمعبر البقع الذي يصل محافظة الجوف بعسير السعودية، وكذلك منفذ الطوال الذي يصل محافظة حجة اليمنية بمنطقة الطوال السعودي في جيزان، ولذلك فرض التحالف المرور إجبارياً على منفذ الوديعة الذي تبلغ عائداته الشهرية 3 مليارات ريال يمني (6 ملايين دولار)، وسنوياً 36 مليار ريال (72) مليون دولار .
ذلك الطريق الذي بات يطلق عليه "طريق الموت" نظراً لارتفاع الوفيات الناتجة عن حوادث السير فيه إلى المئات سنوياً، وسط تجاهل حكومة هادي لتلك الماسي اليومية، اعتبره العشرات من الناشطين اليمنين موالين للعدوان ومناهضين دليلاً على فساد ما تسمى بـ"حكومة الشرعية" التي تكتفي باستلاب المارة ملايين الريالات يومياً ولا تقوم بدورها في ترميم الطريق الصحراوي الدولي السريع الذي يعاني من حفريات مميته على امتداد الطريق.  
معاناة النقل البري 
رئيس الهيئة العامة للنقل البري في العاصمة صنعاء، وليد الوادعي، يؤكد لـ(راصد اليمن) أن اضرار العدوان والحصار على الطرقات انعكست سلباً على حركة النقل البري في البلاد. ويشير الوادعي إلى أن هناك اضرار اقتصادية تمثلت في ارتفاع معدلات الإهلاك للسيارات والمركبات من جانب، وكنتيجة لتباعد مسافات النقل التي كانت تقطع في ساعات ارتفعت أصبحت بعد العدوان تقطع في 12 ساعة وهو ما يضاعف معاناة المرضى وكبار السن والمسافرين بين المحافظات، يضاف إلى ارتفاع أجور النقل إلى الضعف. 
ولفت الوادعي إلى أن "استهداف العدوان للطرقات أدى ايضاً إلى ارتفاع تكاليف نقل الشحنات التجارية واعاق انسياب حركة المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، وشدد على ضرورة تنفيذ اتفاق السويد وفتح ممرات أمنة في الحديدة لمرور الشحنات التجاري والمساعدات الاغاثية".
قراصنة على الطريق
يعتبر الدستور اليمني حرية التنقل بين داخل اليمن وخارجها حق اصيل من حقوق المواطنة، إلا ان التنقل في ظل الحرب والانقسام الداخلي أصبح محفوف بمخاطر الاختطاف والاعتقال والمنع من الوصول إلى الوجهة الأساسية في ظل تعدد الجهات المتحكمة بالطرقات في مناطق جغرافية من البلاد، الأسبوع الماضي احتجزت قوات موالية للإمارات دكتور جامعي من جامعة صنعاء كان في طريقة لمناقشة رسالة دكتوراه لأحد الطلاب في جامعة عدن بسبب هويته الشمالية.
ولم تكن تلك الحادثة عابرة بل تمنع تلك القوات التي ترفع علم الإمارات العشرات من المسافرين يومياً من الوصول إلى مطار عدن للسفر للخارج بالهوية ، وفي طريق صنعاء ـ مارب التي كانت تقطع في ساعتين وأصبحت المسافة اليوم 6ساعات بين العاصمة ومأرب بسبب قطع الطريق الرئيسي الذي في نهم واستبداله بطريق فرعي عبر يربط البيضاء الواقعة تحت سيطرة الإنقاذ بمارب الواقعة تحت سيطرة حزب الإصلاح الموالي لهادي وللتحالف، تعرض المئات من المسافرين عبر مأرب إلى مطار سيئون من أبناء صنعاء والمحافظات الشمالية للاختطاف والاعتقال والإخفاء القسر ، كما يمنع اخرين من الانتقال من البيضاء إلى مأرب من قبل نقاط تابعة للإنقاذ خشية التحاقهم بالقوات الموالية "للإصلاح" باستثناء من يحصلون على تصاريح مرور مسبقة من الجهات الأمنية او من لديهم جوازات وتذاكر سفر للخارج .


مأساة برلين في تعز
تتباين مأسي الحرب من مدينة إلى أخرى، فمدينة تعز التي تنتظر ببالغ الصبر تنفيذ اتفاق السويد بشأن فتح معابر إنسانية، تعيش وضعاً مشابهاً لما عاشته العاصمة الألمانية برلين خلال الفترة 1964 ــ 1989م ، عندما قسم الحلفاء والسوفييت المدينة إلى قسمين غربي وشرقي ووضعا جدار برلين ليفصل بينهما ، فمدينة تعز مقسمة بين اطراف الصراع حيث تسيطر عدد من الأطراف الموالية لدول التحالف على الاحياء الغربية للمدينة، وتسيطر الجيش واللجان الشعبية التابعة لحكومة "الإنقاذ" على الاحياء الشرقية، ولذلك فإن انتقال سكان المدينة من منطقة الحوبان إلى منطقة بئر باشا في الجانب الغربي الذي لا يتجاوز نصف ساعة أصبح محفوف بمخاطر الموت كون المنطقة التي تفصل بين طرفي القتال مناطق تماس، ولذلك السبب يستدعي الوصول من إلى احد اطراف المدينة قضاء 8 ساعات في السيارة والمرور من الحوبان شرق المدينة، عبر مديرية ثلاث حتى يتم الوصول إلى الأجزاء الغربية للمدينة .
ونظراً لتعدد الأطراف الموالية للتحالف وتصارعها الداخلي المستمر خصوصاً أطراف حزب "الإصلاح" ومليشيات تابعة للإمارات، فإن كل محاولات فتح معابر تسهل مرور المواطنين بين أجزاء المدينة بائت بالفشل خلال الفترة الماضية، ولايزال الصراع الداخلي بين مليشيات دول التحالف يهدد بفشل تفاهمات السويد بشأن فتح معابر للمدينة وتسهيل انسياب حركة السكان والبضائع. 
يشار إلى أن حركة "أنصار الله" طالبت وفد الرياض في مشاورات السويد بوقف الحرب بشكل كامل في تعز، إلا أنه رفض المقترح واعتبر ذلك "انتقاصاً لانتصارات المقاومة". وبعد التفاهم على فتح المعابر تم نسيان التفاهم من قبل طرف الرياض، ونظراً لذلك طالب قائد "أنصار الله" السيد عبد الملك الحوثي، خلال لقائه بالمبعوث الدولي مارتن غريفيث، الأحد الماضي، بسرعة تنفيذ اتفاق السويد كاملاً، وشدد على ضرورة فتح المعابر الإنسانية في تعز.

(خاص | راصد اليمن)

آخر الأخبار