«اتفاق الحديدة»... هل يرى النور؟

تراجعت العمليات العسكرية بين قوات حكومة «الإنقاذ» والقوات الموالية للإمارات، نسبياً، في محيط مدينة الحديدة خلال الايام القليلة الماضية، إلا أن الكثير من المؤشرات على الأرض تفيد بأن وقف إطلاق النار الذي سيدخل حيز التنفيذ خلال الساعات القادمة لن يصمد طويلاً في ظل إستمرار التحشيد العسكري من قبل القوات الموالية للإمارات، في محيط المدينة التي شهدت على مدى الأيام القليلة الماضية إشتباكات متقطعة وقصف بري وجوي مكثف، ومحاولات تسلل من اكثر من اتجاه. 
ومع بدء العد التنازلي لدخول اتفاق الحديدة الموقّع من قبل طرفي الصراع برعاية أممية ومباركة الدول الدائمة في مجلس الأمن حيز التنفيذ ، أعلنت «مقاومة تهامة» برئاسة قائدها الموالي للإمارات، عبدالرحمن حجري، رفضها الكامل للاتفاق. واعتبرت  أن «اتفاق استوكهولم لايعنيها ولن يوقف عملياتها العسكرية، كونها لم تكن طرفاً فيه، ولذا فإنها غير ملزمة بتنفيذه. ولا خيار لها سوى مواصلة عملياتها العسكرية حتى السيطرة على مدينة الحديدة واستعادتها موانيها بالكامل». وطالب الحجري في بيان  دول «التحالف» بـ«الوقوف مع المقاومة التهامية لتحرير الحديدة خلال الأيام القادمة مهما كلفها ذلك من ثمن».
تنصل مسبق من الإتفاق 
إعلان قوات «المقاومة التهامية» رفض إتفاق وقف اطلاق النار في الحديدة، جاء في إطار ترتيبات تجريها القوات الموالية للإمارات للتنصل من تنفيذ الإتفاق بطريقة غير مباشرة. فمنذ أيام توارى الحديث عن تصدر«قوات العمالقة» الجنوبية الموالية لابو ظبي للمواجهات، وخفت صوت قائد تلك القوات أبو زرعة المحرمي في الساحل الغربي، وتصدرت «المقاومة التهامية» التي تمتلك عدد من الكتائب، معظم منتسبيها من أبناء المحافظات الجنوبية، تصدرت قيادة العمليات العسكرية في محيط مدينة الحديدة ومديرية الدريهمي.
وأعلنت أمس الاول «المقاومة التهامية» تنفيذ عملية هجومية واسعة للسيطرة على مدينة الدريهمي، وحاولت التقدم في قرية الشجن الواقعة في محيط الدريهمي جنوب مدينة الحديدة، وذلك بالتزامن مع محاولات لاختراق المدينة من محاور  أخرى. واستمرت المواجهات السبت الماضي لاكثر من ست ساعات لتنتهي دون تقدم، الا أن مقتل عدد من القيادات العسكرية المنتسبين لقوات «حراس الجمهورية» التي يقودها طارق صالح والمدعومة من قبل أبوظبي، أكدت أن الإمارات تتجه لمواصلة التصعيد في الحديدة بغطاء محلي، فتلك المعركة التي تصدرتها «المقاومة التهامية» إعلامياً،  قتل فيها   قيادات مقربة من العميد طارق صالح  وعلى راسها  العقيد حسين أبو حوريه قائد «قوات مكافحة الإرهاب» في عدن سابقا. والعقيد صالح علي الموسمي، أحد القيادات الميدانية التابعة لقوات طارق في  الساحل الغربي، وعدد من عناصر «قوات العمالقة» الجنوبية، ولم يعلن عن مقتل أياً من ابناء تهامة الموالين لأبوظبي فيها. وهو ما يؤكد عدم وجود أي نوايا إماراتية لوقف إطلاق النار في الحديدة خلال الأيام القادمة. ويؤيد ذلك تحشيد عدد من الالوية العسكرية الموالية للإمارات إلى جبل النار في المخا والتي تم سحب بعضها من جبهات المضاربة ولحج ، إستعدادا لعملية عسكرية واسعة.
قوات اممية في الحديدة 
منذ انتهاء مشاورات السويد الخميس الماضي، وإعلان الأمم المتحدة على لسان أمينها العام ومبعوثها لدى اليمن توصل وفدي حكومة «الإنقاذ» وحكومة «الشرعية» لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار، والقيام بترتيبات أمنية واشرافية في مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة، أثارت بعض نقاط الإتفاق لغط شعبي واسع نتيجة التأويل، والتوظيف الخاطي من قبل الموالين للطرفين لبنود الإتفاق، حيث اتهمت الطرفين  بتسليم الحديدة لقوات أجنبية ووضع المدينة وموانئها تحت وصاية دولية. 
وزاد من ذلك إعلان المبعوث الأممي لدي اليمن مساء الجمعة الماضية، عن تكليف الجنرال الهولندي باتريك كيمرت للإشراف على إتفاق الحديدة ووقف إطلاق النار بين الطرفين،  الا ان الرد كان من عضو وفد حكومة «الشرعية»، عبدالعزيز جباري،  الذي نفى موافقة الطرفين على تشكيل قوات حفظ سلام دولية لإدارة موانئ الحديدة، وحفظ السلام  في المدينة. وهو ما اكده لـ«العربي» مصدر إعلامي مرافق لوفد حكومة «الإنقاذ» والذي أوضح بأن «الاتفاق ينص على تشكيل لجنة تنسيق من 6 أشخاص، ثلاثة من كل طرف، وبإشراف خبير عسكري من الأمم المتحدة تقتصر مهمتها في مراقبة وقف إطلاق النار وتنفيذ الإتفاق».
لمن ستسلم المدينة؟ 
عقب إنتهاء مشاورات السويد، سوّق عدد من أعضاء  وفد حكومة «الشرعية»، وعلى رأسهم رئيس الوفد، خالد اليماني، لانتصارات لا صلة لها بالإتفاق. فاليماني فسر اتفاق الحديدة حسب ما يتمنى، وقال في حديث لقناة «اليمن» الموالية لحكومة هادي في الرياض إن «الاتفاق ينص على إنسحاب الحوثيين من المدينة ومن المواني بإشراف الجنرال الهولندي  باتريك، وستحل محلها القوات الأمنية التي كانت تعمل في العام 2014، بإشراف من وزارة الداخلية في عدن». وأشار اليماني إلى أن «موانئ  الحديدة والصليف ورأس عيسى  ستخضع لإشراف وزارة النقل في عدن، وستورد إيرادات المواني  لفرع البنك في الحديدة تحت إشراف البنك في عدن».
ولكن مزاعم وزير خارجية هادي، نفاها عضو وفد حكومة «الإنقاذ»، عبدالملك العجري، الذي أكد بأن «الإتفاق يقول أن قوات الجيش واللجان الشعبية،  والقوات الغازية ستتراجع عن الحديدة إلى الوضع الذي كان عليه قبل رمضان الماضي». وأشار العجري، إلى أن «السلطة المحلية والجهات الامنية القائمة حالياً في الحديدة هيا من ستقوم بالجانب الإداري والامني في المدينة، وإدارة المواني ستظل تحت إدارة مؤسسة البحر الأحمر».
ونفى العجري في حوار نشرتة صحيفة «الثورة» الرسمية بصنعاء أمس، «مزاعم التحالف حول تسليم قوات الجيش واللجان الشعبية ميناء الحديدة له أو للأمم المتحدة»، مشيراً إلى أن «ما يقال حول عملية تسليم الميناء شائعات لا صحة لها، يحاول العدوان من خلالها التعويض عن هزائمه ميدانياً وسياسياً».
ولفت العجري، إلى أن «بنود الاتفاقية واضحة وصريحة إذ إنها لا تتضمن تسليماً للموانئ كما يدعي العدوان، بل إعادة لترتيب الوضع لما يسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية والمعيشية لليمنيين».
التباين الكبير في وجهات النظر لدي طرفي الصراع حول الوضع الأمني والإداري في الحديدة ، يهدد الإتفاق بالفشل، في ظل إصرار وزارة خارجية هادي التي  بعثت أمس الأحد برسالة للمبعوث الدولي لدى اليمن طالبت فيه الأمم المتحدة بسرعة إخلاء موانئ البحر الأحمر الثلاثة من قوات صنعاء وتسليمها «للشرعية»، وهو ما يؤكد وجود نوايا لدى حكومة هادي بإفشال اتفاق الحديدة. 
ولذلك، يظل تنفيذ مخرجات مشاورات السويد بين الأطراف اليمنية مرهوناً بقرار ملزم يصدر عن مجلس الأمن حتى يتم تنفيذ الاتفاق بدون أي عرقلة  أو تنصل.

 

(رشيد الحداد - العربي)

آخر الأخبار