الجنوبيون في معركة الحُديدة: وقود لمعارك أبو ظبي

إذا ما قُدّر للجولة التفاوضية المقبلة بخصوص الأزمة اليمنية أن تنعقد في جنيف أواخر الشهر الجاري، فلن يشارك فيها أي طرف جنوبي وفق ما هو مُقرّر إلى اليوم. كما لا شيء يشي بأن القضية الجنوبية ستكون مطروحة في المفاوضات، فضلاً عن أن تلقى اهتماماً من دول الإقليم، باستثناء ما يتصل باستفادة «التحالف» من الموارد البشرية للمحافظات الجنوبية، ومن موقعها الحيوي. المفارقة أن من يتحمّل التكلفة الأكبر للهجوم الأخير على الحديدة، ويحاول من خلاله «التحالف» استغلال الوقت الضائع قبيل المفاوضات، هو الفصائل الجنوبية التي يُديرها كوادر وشيوخ سلفيون (ألوية العمالقة، قوات الحزام الأمني، وحتى ألوية الرئاسة التابعة للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي). 

هذه الفصائل تتصدّر العمليات الدائرة اليوم، فيما تحتلّ قوات طارق صالح المعروفة بـ«حراس الجمهورية»، وكذلك «الألوية التهامية»، الخطوط الخلفية، علماً بأنّ المشروع الإماراتي يفترض أن يتولّى نجل شقيق الرئيس السابق قيادة العمليات، لكن كتائب هذا الأخير دائماً ما يوجِّه إليها «رفاق السلاح» اتهامات بالإحجام عن تقدّم صفوف المهاجمين. على أي حال، تتكبّد التشكيلات الجنوبية خسائر فادحة تُقدّرها مستشفيات عدن والمخا بمئات القتلى والجرحى، فيما لم تُتِح ضراوة المعركة سحب جميع القتلى أو إحصاء عددهم الكلي، وفاق حجم المصابين قدرة المستشفيات على الاستيعاب. 
وسائل إعلام مختلفة أجرت، أخيراً، مقابلات مع جرحى جنوبيين، راوحت حول مسألتين: الأولى أن العوز والحاجة وعدم توافر فرص العمل هو الدافع الرئيس وراء انخراط هؤلاء في القتال، رغم اعترافهم بعبثية الحرب وعدم جدواها بالنسبة إلى القضية الجنوبية. والمسألة الثانية هي المعاملة السيئة التي يلقونها من قِبَل المسؤولين الحكوميين، وعدم الاهتمام بعلاجهم، وتركهم في مستشفيات الهند ومصر من دون أي متابعة.
لا تتحمّل كل من الرياض وأبو ظبي التكلفة البشرية لمعارك الحديدة. تشارك العاصمتان بطائراتهما الحربية والمروحية من دون أن تنزل وحداتهما البرية على الأرض. وقد سمح «التحالف»، الشهر الماضي، لفريق من صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بزيارة الساحل الغربي، فنقل الفريق مشاهداته، وقال إن دولة الإمارات تدفع أجور المقاتلين الذين وصفهم بالمرتزقة، وتزوّدهم بالعربات المصفّحة والصواريخ. وأشارت الصحيفة إلى أن كل القتلى والجرحى هم من الجنوبيين، لافتة إلى أن الجنرالات الإماراتيين يديرون المعركة من عدن بعيداً عن أرض الميدان. 
إزاء ذلك، يؤخذ على القيادات الجنوبية زجّها للشباب في جبهات القتال تلبية لمصالح دول الخليج، من دون أي فائدة للجنوب وقضيته، أو حتى وعد بالوقوف إلى جانب القضية الجنوبية في المستقبل. يُسجّل لدولة الإمارات أنها نجحت في تطويع تلك القيادات بوسائل الترغيب، ومنها توفير مساكن لهم في أبو ظبي ودبي مع كامل متطلبات الرفاهية. من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، نائب رئيس «المجلس الانتقالي»، القيادي السلفي هاني بن بريك، الذي سُلّم ثلاث فلل فارهة في أبو ظبي. امتيازات لا يُعدّ غريباً معها أن يخرج بن بريك ليشبّه أحد ضباط الاحتلال الإماراتي في اليمن، وهو الضابط علي الطنيجي، بالقائد التاريخي خالد بن الوليد، واصفاً إياه بأنه «قائد تحرير عدن ولحج والعند الذي لم يُهزَم بعد».
وتكيل قيادات «الانتقالي» المديح للإمارات، التي عملت على صناعة هؤلاء وتصعيدهم ومحاولة تطويع الآخرين من خلالهم، في وقت تتحمّل هي فيه مسؤولية تردّي الوضع الاقتصادي في المحافظات الجنوبية، والإفقار المتعمّد لغالبية سكان تلك المحافظات التي تفوق نسبة الفقر والمجاعة فيها ما هو قائم في المحافظات الشمالية. وقد اعترف، أمس، وزير النقل في حكومة هادي، صالح الجبواني، بأن حكومته لا تسيطر على المرافق الحيوية في عدن، سواء من الناحية الأمنية أو من ناحية آليات الرقابة والتفتيش، وأن من يسيطر على تلك المرافق فعلياً دولة الإمارات وميليشيات «المجلس الانتقالي» التابع لها.

 

(لقمات عبدالله - الأخبار)

آخر الأخبار