خاص | هتلر الخليج

أحمد فؤاد - صحافي مصري | الأنظمة الفاشية الديكتاتورية لا تنشأ من فراغ، ولا يتمتع قادتها برؤية استراتيجية سليمة، تمكنهم من الاستمرار في مشروعاتهم للنهاية، تتقاطع مسيراتها، وتكاد تكون مصائرها واحدة، ففي اللحظة التي يفشل النظام الديكتاتوري في الحفاظ على "الوطن"، كأرض ومساحة، تفقد فورًا ظهيرها الشعبي، ويتحول مجتمعها إلى عدو، يسارع بالتخلص منها، مهما كانت التضحيات.
وزير دعاية "هتلر" الأشهر، "جوبلز"، يبدو أحد محركات حكام الشرق الأوسط، خاصة أنظمة الخليج الملكية، وفي القلب منها "آل سعود"، وولي العهد الطموح محمد بن سلمان، السائر على خطى إصلاح اقتصادي، يحاول من خلاله استنساخ "المعجزة الألمانية"، في بدايات حكم "هتلر"، بحثًا عن شرعية شعبية، تعوض شرعية عائلية كُسرت، وليس هناك إلى إصلاحها سبيل، ولو في المستقبل المنظور.
عقب صعود غير منتظر لأدولف هتلر إلى منصب المستشارية الألمانية، في 1933، بدأ برنامجًا اقتصاديًا طموحًا، صادف من النجاح ما لم يعرفه أي إصلاح اقتصادي في أي وقت، وفي أي بلد، وتحوّلت ألمانيا من بلد فقير، خارج من الحرب العالمية الأولى مهزوما، مكسورًا، فاقدًا لجزء من أراضيه، ومليوني شخص كقتلى، ويعاني مواطنيه من أزمات طاحنة، رفعت أعداد المتعطلين عن العمل إلى 6 ملايين شخص، في مجتمع صناعي، وشباب يخرجون إلى المجهول من المدارس والجامعات سنويًا، وطوابير تنتظر أي لقيمات، تسد جوعها.
في عام واحد، تراجعت معدلات البطالة 33%، من 6 إلى 4 ملايين عاطل، وبدأت ألمانيا إحدى أضخم مشروعاتها البنائية، وهي الطرق السريعة –لا يزال بعضها موجودًا إلى الآن- بما وفرته من فرص عمل كثيفة، وضخ الأموال إلى شرايين الاقتصاد المصاب بالكساد، وبالتوازي مع مشروعات التسليح، بدأت ألمانيا النازية الخروج بسرعة مذهلة من أزمتها، بدفع من إعلام تعبوي، مثله "جوبلز"، وسياساته الناجحة للغاية، في تعبئة الموارد، وحشد المواطنين حول أهداف براقة، يجري التركيز عليها، وتلميعها، وبدأت في سحب الأرضية من الشيوعيين، حتى داخل المصانع.
أطلق "جوبلز" مشروع "القوة من أجل المرح"، الموجه للطبقات العاملة، لتوفير الراحة والسعادة داخل المصانع والوحدات الإنتاجية، ووفر لهم الرحلات الطويلة، بتكاليف شبه مجانية، وفرق الموسيقى الجوالة، والطعام الساخن داخل الورش، بالتوازي مع قانون حلّ النقابات العمالية القديمة، واستبدالها بـ"جبهة العمال الألماني"، للتوصل إلى إصلاح عمالي زائف، يتيح السيطرة على العمال، كواحدة من أقوى شرائح المجتمع وقتها.
بالكذب، والسيطرة من أعلى، بالقانون وعصا الأمن، وتلميع مشروعات "تافهة"، تمكّن جوبلز من استمالة الشعب الألماني إلى النازية، لتتغلغل إلى قلب كل بيت، وباستخدام كل وسائل التواصل المتاحة وقتها، من راديو وصحف وسينما، حدد وزير الدعاية الأنجح في التاريخ، وجهة الشعب كله، وجعل من مشروع "هتلر" وحيًا لا يُناقش، وهدفًا شخصيًا لكل مواطن، يجد فيه مستقبلًا موعودًا زائفًا، حتى إنه جعل من عيد ميلاد "الفوهرر" مناسبة وطنية للتوحد الوطني.
رفع المشروع النازي سقف الطموحات الوطنية، على المستوى الفردي والجماعي، إلى حدود غير مسبوقة، وحين سقط، تفتت ألمانيا لسنوات، تحت ضغط صدمة الفراغ، وضياع الثقة، وهذا أخطر ما يواجه مجتمع.
بدأ محمد بن سلمان على خطى هتلر الطريق، لكن من منتصفه، بعد أن وفرّ الملك سلمان لنجله طريق الصعود، وأزال من أمامه كل المنافسين، وطوّع الطامحين، ولجم الطامعين، ليجد بن سلمان نفسه على بعد خطوة من العرش، لكنها الخطوة الأصعب، والأهم.
لكن مشكلة "ابن سلمان" إنه لا يملك مشروعًا للمستقبل، ولا يوفر لوسائل إعلامه ومتملقيه أي فرصة حقيقية لاستنساخ "جوبلز"، وعند أول أزمة، تبدو وسائل الإعلام الخاضعة للأمير وكأنها تتخبط من المسّ، وبالتالي تفوت على ولي العهد فرصة الإقناع والتعبئة، ما أنتج في النهاية مشروعًا يقوم على "سياسة البترودولار"، أي أن السلطة قائمة على المال، وحتى القوات المسلحة والحرس الوطني والداخلية، كلها مؤسسات خاوية، في غياب التمويل الدائم، لا تتمتع بالكفاءة أو الظهير الشعبي المساند والمعضد.
حاول ابن سلمان، ويحاول، تعويض غياب المشروع بشراء مشروع جاهز، فعل هذا حين أعلن عن "رؤية المملكة 2030"، وكرره حين خاض حربًا غير مبررة على اليمن، وكما كان الفشل يطارده في الجنوب، طارده أيضًا في مقاطعته لقطر، لتخرج الدوحة منتصرة، بفعل عدم القدرة على تركيعها بالحصار، وتهدد "أنصار الله" في اليمن مستقبل المملكة ذاتها، بعد أن زرع سببًا لعداوة تاريخية، لن تنته إلا بخروج السعودية من التاريخ.
"رؤية 2030" التي بدأت كمشروع معاد ومعتاد، لرسم مستقبل لا يخضع للنفط، تجاهل أن برميل البترول هو مصدر قوة المملكة، والسبب الرئيس للحماية الأميركية، الضامنة والمستمرة، وجاءت من مكاتب اقتصادية غربية، لا يعرفون طبيعة المجتمع، حتى وإن توافرت أمامهم كل الأرقام الحقيقية للاقتصاد.
طرح شركة "أرامكو" كان الفيصل في الحكم على فشل خيار التغيير، وتهافته، فالعوائق التي ظهرت أمام طرح أضخم وأكبر شركة على ظهر الأرض، أثبتت أن الإصلاح إن لم يكن معبرًا عن إرادة شعبية، ويتبناه نظام يمثل تلك الإرادة، ويتمتع بالثقة والكفاءة، فإن مصيره هو "الضياع"، ضياع يهدد حلم بن سلمان بالقيادة، بقدر ما يهدد مستقبل المملكة، في السنوات القريبة القادمة.

 

(خاص | راصد اليمن)

آخر الأخبار