«فاينانشال تايمز»: صورة ابن سلمان... مغامرات الخارج تقوض إصلاحات الداخل

تناولت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى العاصمة لندن، مشيرة إلى أن الحفاوة الرسمية التي لاقاها الأمير السعودي الشاب هناك، عكست «رسالة لا لبس فيها»، من قبل حكومة ماي، مفادها أن ابن سلمان «هو الرجل الذي يجب القيام بصفقات وتعاملات (تجارية) معه».
وأضافت الصحيفة البريطانية، أن حكومة ماي، وبدافع نهمها الشديد للحصول على فرص إقتصادية خارج القارة الأوروبية، «تتطلع إلى العلاقات المستقبلية مع المملكة العربية السعودية، من خلال عدسة الماضي»، في إشارة إلى فترة ما قبل هبوط أسعار النفط. 
وأردفت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقع في «الفخ نفسه»، الذي وقعت فيه رئيسة الحكومة البريطانية، إذ عكف العام الماضي على توقيع صفقات مع الرياض بقيمة 110 مليارات دولار، «وقد ترتب عنها نتائج ملموسة قليلة حتى الآن». 
وبحسب الصحيفة، فإن «الأيام التي كان باستطاعة المملكة العربية السعودية فيها، أن تعمد إلى تبذير مليارات الدولارات على شراء أسلحة ليست بحاجة لها، مقابل الأمن، قد ولت»، حيث «لم تعد قادرة على شراء ولاءات مواطنيها، من خلال تقديم المنح، والمنافع لهم من المهد إلى اللحد»، وذلك في ضوء تزايد عدد السكان، من جهة، وانخفاض عائدات النفط، من جهة أخرى.
وألمحت «فاينانشال تايمز»، إلى أن «الإنطباع العام، الناجم عن الحملة الإعلانية، المصاحبة لزيارة ابن سلمان»، يشي بمساع يبذلها الأخير لـ «تغيير صورته» في العواصم الغربية، لا سيما وأن هناك جانباً «جوهرياً» في الإصلاحات المزمع إجراؤها داخل المملكة العربية السعودية، حيث تعد وتيرة التغيير التي ينتهجها ولي العهد السعودي، «سريعة وفق معايير» بلاده. فالأمير الشاب، وبعدما حد من صلاحيات الشرطة الدينية، وسمح بتنظيم الحفلات الموسيقية، إلى جانب رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، وتقديم نمط حياة مليء بالمرح والتسلية لفئة الشباب، «تمكن من كسب تأييد معظم الفئة المذكورة». كذلك، وفي محاولاته الرامية إلى ضرب المؤسسة الدينية الوهابية، يمكن القول إن ابن سلمان «قد وضع نفسه في مصاف المحدثين» داخل المملكة، خصوصاً وأن «قدرة الرياض، على الحد من انتشار التطرف الإسلاموي، وخلق نظام إقتصادي قائم على اقتصاد السوق، تعتمد إلى حد كبير على إمكانية نجاحه في الحد من تأثير رجال الدين، بخاصة في قطاع التعليم».
وفي سياق متصل، تابعت «فاينانشال تايمز» أن «السؤال الأكبر»، يرتبط بمدى قدرة ولي العهد السعودي على توفير معيشة لائقة لمواطنيه، مضيفة أن الطريق أمامه طويل على هذا الصعيد، ذلك أنه «إضطر بالفعل إلى إلغاء بعض التدابير التقشفية، ليس بسبب إضطرابات في الشارع، بل بفعل إنهيار حركة الطلب، لا سيما وأن القطاع الخاص يعتمد في الوقت الراهن على الإنفاق العام». 
وأوضحت الصحيفة أن الأهمية المعلقة على الطرح العام الأولي، المقرر لنسبة 5 % لأسهم شركة «أرامكو» السعودية، لا تتعلق بالعائد المالي، الذي قد يترتب عنها، بقدر ما تتعلق بكون خصخصة الشركة، تعد خطوة تمهد لقيام إقتصاد سعودي «أكثر ملاءمة» لإقتصاد السوق، و«يشتمل على كافة معايير المساءلة».
ومع الإشارة إلى المبالغ الطائلة التي خصصها ابن سلمان من أجل التعاقد مع مؤسسات إستشارية، لفتت «فاينانشال تايمز»، إلى أن قدرات السعودية الإقتصادية «ما زالت محدودة»، وأن سياستها الداخلية والخارجية «قد تكون متذبذبة أيضاً». فعلى الصعيد الإقتصادي، ذهبت الصحيفة إلى أن الحملة الأخيرة، التي قادها ابن سلمان، لمكافحة الفساد «نجم عنها تكاليف»، باعتبارها «انطوت على تحذير للمستثمرين الأجانب، الذين تحتاجهم المملكة في خططها المستقبلية لحقبة ما بعد النفط، مفاده أن قواعد قطاع الأعمال تعتمد على نزوات، وأهواء أميرية».
أما على الصعيد السياسي، شرحت الصحيفة أن «الرصيد الشعبي، الذي قد يحصل عليه ابن سلمان بسبب إقدامه على تغييرات في الداخل، قد يتعرض للخطر بسبب مغامراته في المنطقة»، مضيفة أن أصداء المواقف المعارضة للحملة العسكرية «الوحشية» في اليمن، تجاوزت زعيم المعارضة البريطانية جيمي كوربين، إلى داخل أروقة مجلس الشيوخ الأمريكي.
إلى ذلك، خلصت الصحيفة إلى أنه «ليس ثمة مؤشرات على أن ولي العهد السعودي ينوي الإفساح في المجال أمام مشاركة أكبر في الحياة السياسية» داخل المملكة، وإن كان «خياراً لا يمكن العودة عنه»، لافتة إلى أن حلفاء الرياض، بمن فيهم المملكة المتحدة، معنيين بالتعبير عن هواجسهم في هذا الخصوص، فيما سيكون من الحكمة أن تلقى تلك الهواجس آذاناً صاغية لدى ابن سلمان، بصفته «الرجل القوي قيد التشكل».

آخر الأخبار