«ذا تايمز»: حرب اليمن مشكلة بريطانية أيضاً

على وقع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العاصمة البريطانية، وما أثارته من ردود أفعال متباينة داخل المملكة المتحدة، من جدل حيال ملفات التعاون الثنائي بين لندن والرياض، بخاصة تلك المرتبطة بملف حقوق الإنسان في السعودية والأزمة اليمنية والمصالح الإقتصادية والأمنية المشتركة بين الجانبين، ذهبت صحيفة «ذا تايمز» إلى أن تلك الزيارة، تأتي في سياق «مشكلة العلاقات العامة» التي تواجهها الرياض على الصعيد الدولي، بسبب حرب اليمن.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن العالم ينظر إلى حرب اليمن، بوصفها صراعاً بين «دولة فاحشة الثراء»، وأخرى «شديدة الفقر والبؤس». 
ولفتت الصحيفة إلى أن المتظاهرين المعترضين على زيارة ابن سلمان إلى المملكة المتحدة، خلال الأسبوع الحالي، سيوجهون رسالة «واضحة»، مفادها أن «الحرب في اليمن، هي مشكلة بريطانيا أيضاً، كون (حملة) القصف الجوي هناك، تُشن بمعدات (عسكرية) من صنعنا، فيما يصار إلى معالجة الضحايا بمواد إغاثية مقدمة من جانبنا».
وألمحت «ذا تايمز» إلى أن الإستقبال الرسمي الحار للأمير السعودي الشاب، يندرج ضمن «محاولة مدروسة من أجل حرف وجهة النقاش» لدى حلوله في لندن، بعيداً عن ملف اليمن، لصالح «إرساء صيغة النفط مقابل الأسلحة»، و«تبرير تلك الصيغة» في سياق العلاقات البريطانية - السعودية، في إشارة إلى طغيان العامل الإقتصادي فيها على ما عداه من اعتبارات سياسية وإنسانية. 
وتابعت أن ابن سلمان «ينشد، في الحد الأدنى، كسب تأييد لندن في مواجهة إيران»، وذلك عبر تصوير الأخيرة كـ «نظام رجعي ومتخلف يقدم على خنق أبناء شعبه». وإذا كانت المملكة المتحدة «ترغب بالإستفادة المادية من مشروع التغيير الدائر في المملكة العربية السعودية»، فإن أياً من أوجه التربح الإقتصادي المترتب عن تلك الرغبة «لن يساعد اليمن، الغارق في الحرب»، والذي ينظر إليه على أنه «ضحية سوء إدارة القوة الصلبة» (من جانب الرياض)، كما أنه «لن يسهم في حل المعضلة الأساسية التي يواجهها ابن سلمان»، والتي تفيد بأنه كلما طال أمد الصراع في اليمن، كلما كانت مفاعيل ذلك الصراع «أكثر تدميريةً» على سمعة الأمير السعودي، كـ «قائد عسكري»، يقف خلف تلك الحرب، وبيده القرار النهائي لوضع حد لها.
وشرحت «ذا تايمز» أن إخفاق ابن سلمان في إنجاز مهمته في اليمن، وعدم تمكنه من وقف الهجمات الصاروخية من قبل «أنصار الله» باتجاه أراضي بلاده، أدى إلى «الإضرار بمؤهلاته»، كالرأس المدبر للمواجهة مع إيران. 
وأضافت أن «مشروع إصلاح المملكة العربية السعودية، والتي تعد المدافع عن الحرمين الشريفين، لن يكتب له النجاح إلا في حال تمكن قادتها من إثبات معرفتهم بكيفية شن حرب، وكيفية كسبها»، مشيرة إلى أن اليمن تحول إلى «قضية وجودية» بالنسبة لآل سعود، ولولي العهد نفسه. وأردفت: «يمكن لابن سلمان أن يحدث الإهتزازات، وهو ما نعرفه جيداً، ولكن هل بوسعه القيادة؟».
ومن منظور الصحيفة البريطانية، فإن إيران قد أعدت فخاً لابن سلمان، وهي تعمل على تحويل اليمن إلى «فيتنام سعودية»، تستننزف فيها موارد المملكة، وتشتتها، حيث بات الصراع في ذلك البلد يكلف الرياض 200 مليون دولار يومياً. وبحساب بسيط، تبلغ تكلفة الصاروخ البالستي الذي يطلق من اليمن، مليون دولار، فيما تبلغ تكلفة اعتراضه بصاروخ باتريوت ثلاثة ملايين دولار. ومنذ بدء الحرب في العام 2015، نجح «أنصار الله» في إطلاق ما لا يقل عن 30 صاروخاً باليستياً، ومئات الصواريخ القصيرة المدى باتجاه الأراضي السعودية، على نحو قد يفسر انكباب الرياض على «بناء خطوط دفاع جديدة».
ومع الإشارة إلى بداية تشكل تنظيم جديد في اليمن، على غرار تنظيم «حزب الله» اللبناني، لفتت الصحيفة البريطانية إلى أن إيران، تنظر إلى ميدان المعارك الدائرة بين حركة «أنصار الله»، والجيش السعودي، باعتباره «ساحة اختبار للنزاعات المستقبلية»، في إشارة إلى التكتيكات العسكرية التي قد تعتمدها طهران في حال اندلاع مواجهة سعودية - إيرانية. وفي هذا السياق، عمد مقاتلو الحركة في العام الماضي إلى تنفيذ هجوم، عبر إطلاق صليات صاروخية كثيفة، ومتزامنة ضد منظومات صواريخ «باتريوت» في قاعدة «خميس مشيط» السعودية، وذلك بالإستعانة بعدد من الطائرات المسيرة، عملت على التشويش على أنظمة الرادار الموجودة في القاعدة.
إلى ذلك، توقفت «ذا تايمز» عند قيام ابن سلمان بتغيير كبار قادته العسكريين، وزيادة الرياض دعمها الإغاثي لليمن بملياري دولار، قبيل زيارته إلى العاصمة البريطانية، معتبرة أن «تلك الحيلة لن تنطلي على أحد»، إذ سيتعين على الأمير الشاب في جولته الخارجية «إقناع الحكومات الغربية بعدم رفض التعامل مع المملكة العربية السعودية، كشريك لهم، على خلفية التدمير الحاصل في اليمن»، لا سيما وأن الحكومة الألمانية الجديدة، باشرت بالفعل في فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى الرياض. كذلك، «يتوجب على الأمير في زيارته المرتقبة إلى واشنطن، أن يصارح الأمريكيين حول ما يحتاجه السعوديون من الولايات المتحدة»، من معلومات استخبارية، أو دعم عسكري مباشر في وجه حركة «أنصار الله»، على غرار ما تقوم به سفن البحرية الأمريكية على صعيد حماية حركة الشحن التجاري من هجمات الجماعة، ذلك أنه باستطاعة واشنطن «أن تعتمد إجراء مشابهاً على البر، لدرء تهديد الصواريخ البالستية للبلدات والقرى السعودية». كما أن المملكة العربية السعودية معنية بأن تنأى بنفسها عن «المواجهة المروعة» بين السنة والشيعة، وهو ما يعني ضرورة أن يقوم بن سلمان بـ«تحديد رؤيته في ما يخص كيفية إنهاء حرب اليمن، والصورة المستقبلية للبلاد» بعد الحرب، فيما تبدو المملكة المتحدة «بحاجة إلى فهم وإدراك أهمية» الأزمة اليمنية، والمخاطر المترتبة عن قيام دولة فاشلة هناك.
ختاما، أشارت «ذا تايمز» إلى معضلات الساحة اليمنية، بدءاً بواقع استفادة تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» من حالة الفوضى والفراغ الأمني، مروراً بالخلافات القبلية، وتضاؤل الدعم الشعبي للرئيس عبد ربه منصور هادي، وصولاً إلى الأسئلة الكبرى المرتبطة بمستقبل اليمن، سواء كـ «كيان كونفيدرالي هش»، أو كـ «دولة قائمة على حكم الرجل القوي»، مضيفة أن كل «التفاصيل الغامضة» المرتبطة بتلك المعضلات، والمترتبة عن قيام «دولة فاشلة» في اليمن، ستعود لتلاحق قادة الغرب، بمن فيهم قادة المملكة المتحدة، «إلا إذا ما بادروا من الآن، للعمل مع الحاكم المستقبلي للمملكة العربية السعودية»، الذي من المؤكد أن تلك التفاصيل تشكل هاجساً له بالفعل، وفق ما ذهبت إليه الصحيفة.

آخر الأخبار