«ميدل إيست آي»: صفقات التسليح «السرّية» بين لندن والرياض

كشف موقع «ميدل إيست آي» عن وثائق جديدة، تبرز توجه الحكومة البريطانية إلى «إخفاء المدى الحقيقي» للدعم العسكري المقدم من جانبها إلى السعودية، مشيراً إلى وجود «زيادة كبيرة في منح تراخيص سرية» من أجل مواصلة مبيعات الأسلحة البريطانية إلى الرياض، منذ بدء الحرب في اليمن في العام 2015، وذلك بالإستناد إلى نظام قانوني مثير للجدل، يقر منح ذلك النوع من التراخيص.
ولفت «ميدل إيست آي»، إلى أن الكشف عن الجداول والوثائق الجديدة، ذات الصلة بـ «النظام المفتوح والغامض لمنح تراخيص بيع الأسلحة» المعمول به في بريطانيا، يتزامن مع اقتراب موعد لقاء رئيسة حكومة لندن تيريزا ماي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، «كبير مهندسي الحرب في اليمن»، يوم الأربعاء، شارحاً أن النظام القانوني المذكور، جرى تعديله في العام 2015، من قبل الحكومة البريطانية، بشكل جعل من الصعوبة بمكان، إخضاع صفقات الأسلحة لـ«تدقيق عام» من قبل المواطنين، أو لـ«إشراف برلماني»، وهو ما ينطبق على مبيعات الأسلحة للسعوديين. 
ومن جملة ما تظهره تلك الوثائق، هو أن الحكومة البريطانية «أشرفت، وبشكل فاعل، على زيادة منح التراخيص المفتوحة والسرية، بهدف إبرام صفقات أسلحة إضافية لصالح المملكة العربية السعودية»، و«بنسبة تجاوزت 75 في المائة»، وهي صفقات شملت توريد قطع غيار، وأجزاء رئيسية من الطائرات الحربية التي تشارك في الحملة الجوية داخل اليمن. 
وفي سياق الحديث عن الانتقادات الموجهة للقانون المشار إليه، رأى «ميدل إيست آي»، أن «الطبيعة الغامضة لنظام منح التراخيص المفتوحة (لتصدير الأسلحة)، تعني أن الحجم الحقيقي، والفعلي لصادرات الأسلحة المعقودة (مع السعودية) وفق هذا النظام القانوني، يمكن أن يكون أعلى بكثير»، متوقفاً عند ثغرات قوانين تصدير الأسلحة في المملكة المتحدة، مثل سماحه للجهة المصنعة للأسلحة بعدم إعلان قيمة الصفقات، وكذلك نوعية الأسلحة الموردة، في إشارة إلى غياب الشفافية في هذا المجال. ونقل «ميدل إيست آي» عن ناشطين حقوقيين قولهم، إن منح «التراخيص المفتوحة» لتوريد الأسلحة البريطانية الصنع إلى السعوديين، «يلعب دوراً مميتاً في الصراع» داخل اليمن، بالنظر إلى تضمن صفقات الأسلحة بين لندن، والرياض مدافع رشاشة وبنادق قنص وصواريخ، علاوة على قطع غيار للطائرات النفاثة والعمودية، والتي تعد «عنصراً أساسياً» في الحرب التي تتزعمها الأخيرة هناك.
هذا، وأوضح مصدر عسكري سابق بدوره، للموقع بقوله إن وقف الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة لدعمهما المقدم إلى الرياض، إلى جانب توقفهما عن توريد الأسلحة، وقطع الغيار لصالح السعوديين، «من شأنه أن يوقف الحملة الجوية ضد اليمن في غضون 48 ساعة». 
وتحت عنوان: «زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة البريطانية السرية لصالح المملكة العربية السعودية»، أورد الموقع بيانات منظمة «مناهضة بيع الأسلحة»، لافتاً إلى أن لندن أقرت في العام الماضي، 36 ترخيصاً لبيع 707 صنف من المعدات ذات الاستخدامات العسكرية لحساب المملكة العربية السعودية، بالمقارنة مع إقرار 28 ترخيصاً لتوريد 163 صنفاً من المعدات العسكرية في العام 2015، ليصل العدد الإجمالي إلى 85 ترخيصاً و1127 صنفاً من المعدات العسكرية البريطانية، أجيز تصديرها إلى المملكة العربية السعودية. ومن هذا المنطلق، عبّر الناطق باسم المنظمة، أندرو سميث، بقوله إن الأرقام الواردة في الوثائق، التي حصل عليها الموقع، «تشير إلى أن حجم مبيعات الأسلحة (البريطانية) إلى المملكة العربية السعودية أعلى بكثير مما كنا نتوقع». وتابع سميث، في حديث إلى «ميدل إيست آي»، أنه «يتم ترخيص (بيع) معدات قاتلة، بعشرات ملايين الجنيهات، مع قدر من الشفافية، هو أقل من المستوى المعتاد»، موضحاً أن زيارة ولي العهد السعودي للندن، ونهج الحكومة البريطانية في ملف صادرات الأسلحة للرياض، تحمل دلالات على أن المملكة المتحدة «تولي اهتماماً بصادرات الأسلحة، وعلاقتها مع (النظام) الدكتاتوري في المملكة العربية السعودية، أكبر مما توليه من اهتمام بأرواح المواطنين اليمنيين».
وفي سياق الإشارة إلى تواطؤ الحكومات البريطانية المتعاقبة مع الرياض منذ بدء الحرب في اليمن، اتهمت وزيرة الخارجية في حكومة الظل البريطانية، إميلي ثورنبيري، حكومة ماي بالسعي إلى «إخفاء دورها في تأجيج الحرب» في ذلك البلد، داعية الوزراء المعنيين إلى إثارة قضية حرب اليمن مع ابن سلمان لدى زيارته لندن. وأردفت ثورنبيري، والتي تنتمي إلى «حزب العمال»، أن «الزيادة المروعة في عدد التراخيص المفتوحة لبيع الأسلحة، تعود تحديداً إلى تاريخ بدء الحرب في اليمن، وهي تعني أننا لا نستطيع إجراء تقييم دقيق، سواء (لكميات وأنواع) الأسلحة التي تم بيعها إلى المملكة العربية السعودية، أو لقيمة تلك الأسلحة»، متعهدة بالشروع في تعديل النظام القانوني لبيع الأسلحة حال تسلم حزب «العمال» للسلطة.
وفي هذا السياق، قال لويد راسل-مويل، وهو برلماني بريطاني عن «حزب العمال»، وأحد أعضاء اللجنة البرلمانية الموكلة مهمة الإشراف على صادرات الأسلحة، إن «وزراء حكومة (ماي) رفضوا الكشف عن أسماء شركات الأسلحة، التي حصلت على تراخيص مفتوحة» بموجب النظام القانوني لتصدير المعدات العسكرية، منتقداً النظام المذكور كونه يعطي تلك الشركات «شيكاً على بياض»، من أجل توريد أكبر قدر ممكن من المعدات العسكرية، ولأي دولة تشاء، من دون علم الرأي العام، أو اللجنة البرلمانية المعنية. أما أوليفير سبراغ، وهو مدير «قسم الرقابة على الأسلحة» في فرع «منظمة العفو الدولية» داخل بريطانيا، فقد شرح أن «الزيادة الكبيرة في استخدام هذا النوع من التراخيص المفتوحة، تفتح الباب أمام زيادة مهولة في شحنات (الأسلحة) التي يستحيل رصدها، ومراقبتها بشكل صحيح، من دون أن يكون في إمكان البرلمان أو الرأي العام إخضاعها للدراسة، والتمحيص على نحو دقيق وفاعل»، معرباً عن قلقه من زيادة تراخيص بيع الأسلحة البريطانية الصنع لصالح السعودية، على وقع وقوع آلاف الضحايا المدنيين اليمنيين بفعل غارات «التحالف».

آخر الأخبار