خاص | 1000 يوم في اليمن.. منتصرون لا ضحايا

لا تذهب الدول إلى ميدان القتال إلا حين تتعارض الإرادات، أو تنطلق شرارة الأطماع، وبين سعي الجماعات البشرية، منذ القدم، إلى تعزيز وجودها وفرض كلمتها على محيطها الجغرافي، القريب منه والبعيد، وبين مطامع أنظمة، يتمحور التطور الإنساني، المتمثل في صعود وأفول الدول.
من هذه الزاوية ينبغي قراءة العدوان على اليمن.. فطوال 1000 يوم، أثبت الشعب اليمني، بجيشه وقواه الداخلية، أنه قادر على مجابهة الخليج عسكريًا، وأثبت مجددًا، خلال الشهر الأخير، قدرته على نقل المواجهة لعواصم العدو، وصواريخ بركان مثلت وتمثل نقلة في مستوى إدارة الصراع المشتعل بالجزيرة العربية.

 

حاضرة الجزيرة

اليمن أبعد من خيالات من يتصورها ضحية، تستجدي التعاطف معها في حربها ضد محور البلطجة، من أبناء مشايخ وإمارات ظهروا على سطح الأحداث بفعل تدفق البترول فقط، فالدولة صاحبة الحضارة الأقدم بجزيرة العرب صارت عصية على أحلام "صغار" تصوروا أن مراكمة ثروات عفنة بلا جهد، يعطيهم الحق في قيادة أمّة كاملة.
بلاد العرب السعيد، التي سقطت في أتون مشروع استعماري قسمها بين شمال وجنوب، ويعلم آل سعود أن وجود يمن قوي تقدمي، خارج فلك السيطرة الأمريكي والصهيونية هو أخطر ما يتهددهم، مع تعدد سرقاتهم للأرض اليمنية، حين أقاموا دولتهم.


التحالف يتفتت

تحولت نيران التحالف الموجهة على رؤوس أبناء الشعب اليمني إلى نار آكلة لتحالف الشر، فقبل شهور اشتعلت الخلافات بين السعودية والإمارات من جهة، وقطرمن جهة أخرى على تنسيق السياسات في المنطقة، أدت إلى مقاطعة عدة دول عربية لقطر، وصلت إلى اتهامات بالخيانة في العدوان على اليمن.
خروح قطر، وهي شريك أساسي في مشروعات تدمير العراق وسوريا وليبيا بالتعاون مع أنظمة الخليج، وإشعال الوضع المصري بالتعاون مع تركيا، استتبعه حديث فاضح لرئيس وزرائها السابق، حمد بن جاسم، فضح وعرى كل أنظمة الخليج، وخاصة فيما يتعلق بتمويل الإرهاب، وهو ما ترك القوات السعودية وحلفائها بلا "غطاء إيديولوجي أو أخلاقي"، فحليفهم السابق كشف تدبيرهم القديم على الملأ.


الهجوم على الحواضر

السعودية طوال تاريخها القصير لا تفعل إلا خدمة الكيانات العالمية الكبرى الفاعلة، لتحصل على توكيلها الحصري في الشرق الأوسط.. فعلت هذا مع بريطانيا إبّان سطوتها العالمية، ثم تحولت إلى تابع خلف السياسة الأمريكية، ولما اكتشفت مكانة الكيان الصهيوني قبلت أن تكون التابع الثاني في المنطقة، مقابل تنسيق المصالح والأدوار من وراء ستار طوال العقود الماضية.
تهاجم السعودية في مشروعها لفرض نفسها على الساحة العربية ما يمكن القول أنه الحواضر العربية، بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة، وكأن السعودية تمارس "الثأر" ضد تهميشها طوال التاريخ، استنادًا إلى ثروة طارئة، هي ناضبة بطبيعتها، بدلًا من رفع الاستفادة منها إلى الحد الأقصى.
الحقيقة أن مملكة آل سعود أهدرت مئات المليارات من الدولارات، بلا أي عائد، سوى استهلاك مرضي لمشايخ قبائل في القرن العاشر الميلادي، لم يرتفع وعيهم على الإطلاق لاستحقاق قيادة دولة.. أي دولة.

 

الاقتصاد ينزف
اندفعت المملكة وراء الأطماع المتزايدة لنزق شاب فاشل، في حين لم يكن مطلوبًا منها ذلك، فتحول الرهان إلى الحصول على الصفر أو أقل، فالحرب مع طول أمدها، تقهر الواقع اليومي للمواطن، والاقتصاد يعاني بشكل غير مسبوق، والآلة الإعلامية للملكة تدافع عن تصرفات أقل ما توصف به "الحمق والصبيانية"، وتعبير "ملك الحزم" الذي أطلقه سلمان على نفسه يتحول لـ"نكتة" سخيفة تبكي القلوب القلقة على الغد.
معيشة المواطن العادي تأثرت، والخدمات في كل دول الخليج لا تقارن على الإطلاق بالخدمات في المملكة، ومستويات المعيشة ارتفعت بشكل مذهل من حولنا، ومتوسطات الدخل في قطر والإمارات أضعاف مثيلها هنا، فيما تراجعت المخصصات والمرتبات والمزايا للمواطن السعودي، تبعًا لتراجع الإنفاق العام، مقابل إطلاق غير محدود للإنفاق العسكري، سعيًا وراء سراب حسم لن يحدث إلا في خيالات بن سلمان.
المملكة مقبلة خلال العام الجديد على حزمة جديدة من الضرائب، وتجبرها النفقات العسكرية على تقليل المصروفات بالموازنة، الموجهة أساسًا لخدمة المواطن العادي، الذي يدفع وحده الآن ثمن الفشل المريع.
مشهد الأمراء السعوديين المقيد إقامتهم في فندق "الريتز كارلتون" لا يبتعد كثيرًا عن اليمن، لأنه وبفعل الصمود اليمني، تحولت الحرب تدريجيًا إلى استنزاف أقوى اقتصادين عربيين، وتسجل الموازنة السعودية للعام الثالث مستويات عجز متنامية، ولجأت الحكومة خلال 2016 لتمويل العجز المتوقع عن طريق السحب من الاحتياطي، وإصدار أدوات دين تشمل الصكوك والسندات، إضافة إلى لجوئها للاقتراض، وأدى سحب نحو 180 مليار ريال خلال 2016 من الاحتياطي العام، إلى تراجع الاحتياطي بنسبة 28%، ليبلغ 474 مليار ريال بنهاية أكتوبر/تشرين الأول 2016، فيما كان نحو 654 مليار ريال نهاية 2015.
وفي العام الحالي استمرت وتيرة العجز ليسجل عجز الموازنة بالنصف الأول من العام المالى الحالى نحو 72 مليار ريال، في إشارة لفشل جهود ولي العهد لضبط الموازنة، رغم فرض ضرائب ورفع أسعار المحروقات، والرسوم الجديدة المفروضة، وخطط التقشف.

 

واقع الصاروخ

التدخل العسكري الفاشل، المستمر منذ 2015، خاصم العقل فقهرته الفضيحة، مجموعات من المقاتلين بعزم لا يلين تمكنوا من تجاوز تفوق السلاح، وإثبات القاعدة التاريخية المتجددة، أن الإيمان هو أول أسباب النصر، وأن الحق الذي تسنده القوة لا يهزم.
تدخل سلمان، ومن ورائه العائلة المالكة لمنع ميلاد أسطورة جديدة في اليمن، تستلهم من حزب الله ألقه، فتحول الحوثيون إلى كيان جديد يقض مضاجع الملك السعودي وابنه الطامع في قيادة إقليمية، وقد سقطت مفاتيح السيطرة على أركان دولته بفعل صواريخ أنصار الله.
الطغيان العسكري من شاب لم يفكر أبعد من موضع كرسيه المهتز فقد شروط النصر الأولية، والأهم أن تحول من تدخل إلى تورط، فلن يستطيع سلمان أو ابنه الانسحاب إلا وقد أقرا بالهزيمة، وهو ما يؤدي فورا لتضعضع الدولة القائمة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

اليمن تحولت مع طول أمد الحرب إلى فاعل على الساحة العربية، إلى إحدى قلاع النضال المنيعة، وبإمكان السياسة الهادئة لأنصار الله تحويلها إلى "فيتنام عربية" في قلب العالم، وليست في أقاصي آسيا، لتأذن بختام مشروعي دولتين أقامهما الاستعمار لبث الفرقة الجغرافية والمذهبية بين أبناء وطن واحد..
اليمن قادرة، وهي تكتب ملحمتها بالدم الزكي، أن تكون أول مسمار في نعش مملكة الشر الوهابية.

 

خاص - راصد اليمن

أحمد فؤاد - صحافي مصري

آخر الأخبار