واشنطن بوست: بن سلمان لم يتعلم من درسَي اليمن وقطر.. وقد يدفع المنطقة للحرب

توقع تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، أن تتسبب سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إيقاع منطقةٍ في الشرق الأوسط في مستنقع جديد، كاشفاً عن المكان الذي قد تشتعل فيه الحرب قريباً.

ولفت مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن الأميركية - في مقال نشر بواشنطن بوست- إلى أن نجاح بن سلمان في إقصاء خصومه في الداخل السعودي قابله فشل خارجي ذريع.

وقال الكاتب: لقد هيمنت أزماتٌ دوليةٌ ومحلية على السعودية في عطلة نهاية الأسبوع. ففي يوم السبت، 4 نوفمبر/تشرين الثاني، اعتُقِل عددٌ كبير من أمراء ومسؤولين سعوديين باسم حملةٍ جديدة ضد الفساد.

وفي اليوم نفسه، استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في بثٍّ تلفزيوني حي من العاصمة السعودية الرياض، وأطلَق الحوثيون، كما يُزعَم، صاروخاً من اليمن على الرياض، مما دفع السعودية إلى إغلاق حدودها مع جارتها الجنوبية المحظورة بالفعل، والتحذير من نشوب حربٍ مع إيران.

وركَّزَ مُحلِّلون ومسؤولون موالون للحكومة السعودية على قضية الفساد، وأبرزوا الاعتقالات كدليلٍ على تفاني ولي العهد والملك في الإصلاح. بينما أكَّد معظم المُحلِّلين المستقلين أنَّ ذلك توطيدٌ سريعٌ للسلطة من قِبَل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يبدو أنه يزيح كلَّ من يُحتَمَل أن يُمثِّل تحدياً لسلطته إزاحةً منهجية، قبل خلافة أبيه في العرش، حسب الكاتب.

وبينما لم تتضح حتى الآن الرؤية الكاملة والنتيجة النهائية للاعتقالات التي جرت يوم السبت، ينبغي فهم التطورات الجديدة في سياق التفاعل بين المدة القصيرة المتاحة أمام محمد بن سلمان لتوطيد السلطة المحلية، والموقف السعودي غير المستقر على الصعيد الإقليمي.

ويبدو أنَّ طموحات محمد بن سلمان السياسية المحلية، والتحرُّكات على صعيد السياسة الخارجية قد تكشفتا في بيئةٍ مليئةٍ بالشك، في ظل وقوع السلطة المحلية والنظام الإقليمي في حالةٍ غير مسبوقة من التذبذب.

تصعيد إقليمي
وكان من المفترض أن يُنظَر إلى الهجوم الصاروخي اليمني، واستقالة الحريري، والاعتقالات السعودية على أنها أحداث ذات أهمية محلية في المقام الأول كما هو معتاد.

ولكن في سياق الفترة الحالية، أثارت هذه الأحداث مخاوفَ من تصعيدٍ إقليمي خطير لا يمكن التنبؤ به ضد إيران.

فمنذ الثورات العربية التي شهدها عام 2011، عاشت بعض الأنظمة الخليجية مثل المملكة السعودية في حالة خوفٍ وجودي من الثوران المفاجئ للحشود الشعبية.

وفِي مواجهة الربيع العربي اتبعت دول الخليج سياساتٍ خارجية تدخلية غير عادية في جميع أنحاء المنطقة.

ورأى الكاتب أنه لا بد من فهم الانتقال الموسع للسلطة السعودية في الداخل، ونمطها الضال الخاص بالسياسات الخارجية التدخلية الفاشلة، في هذا السياق الإقليمي الأوسع.

والتطورات التي حدثت يوم السبت، رغم أنها غير مسبوقة، فإنها تتبع النمط الذي انتهجه محمد بن سلمان منذ بداية صعوده السريع إلى السلطة في عام 2015.

فعلى صعيدي الشؤون الداخلية والخارجية، واصَل بن سلمان إجراء حملاتٍ مفاجئة وواسعة النطاق، تُحطم أعرافاً سائدة لأسباب غامضة. وعلى الصعيد الداخلي، أثبتت هذه الاستراتيجية السياسية المتهورة نجاحاً نسبياً، ولو على المدى القصير.

أما على الصعيد الخارجي، فسرعان ما تحوَّلَت مناورات السياسة الخارجية، مثل التدخل في اليمن والحصار المفروض على قطر، إلى مستنقعاتٍ مُدمِّرة. ويساعد هذا المزيج من النجاح المحلي وفشل السياسة الخارجية على فهم الأحداث التي عصفت بالسعودية يوم السبت، وقد تساعد على التنبؤ بالأحداث القادمة.

فساد أم توطيد للسلطة؟

أبرزت الحكومة السعودية وبعض المُعلِّقين المتعاطفين معها الاعتقالات على أنها ضربة جديدة ضد الفساد. إذ يُمثِّل الفساد هاجساً شعبياً كبيراً يُقلِق السعوديين، ولذا، سيُعَدُّ موقف محمد بن سلمان من محاربة الفساد ذكاءً شديداً من الناحية السياسية.

ولكن ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأنَّ الفساد هو السبب الحقيقي للقمع وليس مجرد مسوِّغ له.

إذ تبدو الاعتقالات وكأنها تطهير تقليدي يتمثل في التخلص من مُتَحَدِّين بارزين ومراكز قوة منافسة بطريقةٍ تهدف إلى تخويف المعارضين المحتملين الأقل شهرة. ففوائد تأمين الانتقال الفوري للسلطة قد تفوق مخاطر توليد معارضة خطيرة على المدى الطويل.

لماذا سارع بحملة القمع؟

يرى الكاتب أن كسر الأعراف والقواعد الراسخة جزءٌ لا يتجزأ من استراتيجية محمد بن سلمان السياسية. وكانت الخطوة التي اتخذها ضد عددٍ كبيرٍ من الأمراء المنافسين ومراكز القوة مفاجئة وضخمة وهادفةً إلى إحداث صدمة.

ويبدو أن سرعة هذه التحركات ونطاقها مرتبطان كذلك بحاجة محمد بن سلمان إلى ضمان خلافة والده في العرش قبل وفاته. إذ مكَّنَته هذه الاستراتيجية من توطيد السلطة بسرعةٍ ملحوظة، مع توليد معارضة مُحتَمَلَة كبيرة ومتزايدة في المستقبل.

الاعتقالات استهدفت أنواعاً متعددة من الأشخاص المحتمل أن يتحدوا ضده المُحتَمَلين.

وكان بعض المعتقلين يشكِّلون تهديداتٍ سياسية واضحة، مثل متعب بن عبد الله، ابن الملك السابق ورئيس الحرس الوطني، الذي كان يمثِّل أكبر عقبة عسكرية أمام طموح محمد بن سلمان.

ولم يكن البعض الآخر يُشكِّلون أي تهديدٍ، مثل أول المُعتَقَلين الأمير الوليد بن طلال، أحد أغنى الرجال وأوسعهم في نطاق العلاقات في العالم، واللاعب البارز في وسائل الإعلام الدولية العربية والسعودية.

ومع ذلك، فبعض المعتقلين كانوا يشغلون مناصب رئيسة في الحكومة كان يعتقد أنها مصيرية لتنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي التي وضعها محمد بن سلمان. ويبدو أن الهدف من توجيه ضربةٍ إلى جميع هؤلاء المُحصَّنين في الوقت نفسه هو إحداث صدمةٍ كبيرة وإحباط أي رد فعلٍ مُنظَّم.

ويأتي استهداف هذه الشخصيات رفيعة المستوى في أعقاب موجةٍ من الاعتقالات لمعارضين إسلاميين مُحتَمَلين، وعزل ولي العهد السابق محمد بن نايف، وخلق جو عام من القمع المتزايد.

وقد يكون السماح للمرأة بقيادة السيارات، والحد من سلطات الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) خطوتين جزئيتين محدودتين، ولكنهما عادةً ما كانا يُعتبران ضمن الخطوط الحمراء التي لا يمكن اجتيازها دون التعرض لخطر عدم الاستقرار.

وحتى التطبيق الجزئي للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي عُرضت في برنامجه "رؤية 2030" من شأنه أن يغير الأنماط التقليدية للاقتصاد السياسي. ويبدو أنه يسعى لإنشاء نظام حكمٍ شخصي دون الضوابط والتوازنات التي عادةً ما كان يتسم بها نظام الحكم السعودي.

فشل خارجي

وكانت خطط محمد بن سلمان في السياسة الخارجية تتسم بطموحٍ مماثل في سرعتها ونطاقها، ولكنها حققت نتائج أقل نجاحاً. فبينما تحلَّت مؤسسات الدولة السعودية بالقوة الكافية للتخفيف من آثار السياسات الاستفزازية، تُعَدُّ السياسة الدولية أقل تسامحاً وتحوي عدداً أقل من الفرص السانحة لتعويض الإخفاق. وفي الواقع، أثبتت كل مبادرة رئيسة لمحمد بن سلمان في السياسة الخارجية أنها كارثية، وغالباً ما أسفرت بالضبط عن النتائج السلبية التي كانت تهدف إلى منعها.

ولعل أبرز مثالين هما الحملتان ضد اليمن وقطر. إذ كان التدخل في اليمن كارثة مطلقة. وبغض النظر عن مُسوِّغ التدخل الأولي بعد التقدم الذي أحرزه الحوثيون والرئيس السابق علي عبد الله صالح، كان من الواضح منذ أمدٍ بعيد أن التدخل العسكري فاشلٌ لا محالة.

وواصل التحالف السعودي الإماراتي حملة حصار وقصفٍ لا هوادة فيها، دون أي أفق سياسي هادف أو نظرية واضحة للانتصار، فضلاً عن كارثية الأثر الإنساني. ويُظهِر الهجوم الصاروخى الذى وقع فى نهاية الأسبوع على الرياض، أن تكاليف هذا المأزق غير قابلة للاحتواء داخل يمنٍ مُحطَّم.

وكانت الحملة ضد قطر كارثية على نحو مماثل كذلك، إذ أسفرت عن تدمير مجلس التعاون الخليجي تدميراً بالغاً، في محاولة توهُّمية لفرض القيادة السعودية - الإماراتية.

وعلى الرغم من التبشير بالاستسلام القطري السريع، سرعان ما وصل الصراع إلى نفقٍ مسدود، أدى إلى شلِّ مجلس التعاون الخليجي، وتصعيد الاستقطاب السام للسياسات الإقليمية.

مخاوف حقيقية

وكشف هذا المستنقع ضعف السعودية وعدم قدرتها على أداء دور المهيمن الإقليمي الذي تطمح إليه. وحتى في ظل شراكتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لم تتمكَّن المملكة إلا من اجتذاب البحرين ومصر إلى تحالفها المناهض لقطر، بينما كافحت بقية دول المنطقة من أجل تجنُّب الانحياز.

ويثير هذا النمط مخاوف حقيقية حيال تأثير أحداث السبت من الناحية الإقليمية: وهي إعلان الحريري استقالته من الرياض، وتصعيد الحرب ضد اليمن بعد توجيه صاروخٍ إلى الرياض. في الظروف العادية، كان يُمكن اعتبار كل هذه الأحداث تطورات محلية في المقام الأول، ومُجرَّد تعديل للهيكل السياسي في لبنان، وتصعيد آخر في الحرب ضد اليمن المستمرة منذ عامين.

ولكن الكاتب لفت إلى أنه كثيراً ما تزامنت خطوات بن سلمان للاستيلاء على السلطة المحلية مع تحرُّكاتٍ كبرى في السياسة الخارجية. ولذلك، يخشى العديد من المراقبين الإقليميين من احتمالية أن تُسفر استقالة الحريري، التي أعلنها في الرياض بخطابٍ حادٍّ ضد إيران، عن أزمة سياسية من المتوقع أن تتحول في نهاية المطاف إلى حملةٍ عسكريةٍ ضد حزب الله.

وكان دانيال شابيرو سفير أميركا السابق لدى إسرائيل قد حذّر في مقال بصحيفة هآرتس، تل أبيب من الانجراف وراء رغبة من وصفهم بحلفائها في السعودية، في محاربة حزب الله، كاشفاً عن السيناريوهات المرجحة وراء استقالة رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري.

وكان لافتاً قول ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إن "ضلوع إيران في تزويد الميليشيات الحوثية التابعة له بالصواريخ، يعد عدواناً عسكرياً ومباشراً... وقد يرقى إلى اعتباره عملاً من أعمال الحرب ضد المملكة"، بحسب ما نقلت "بي بي سي" عن وكالة الأنباء الرسمية السعودية.

ويرجح لينش في مقال بواشنطن بويت أنَّ مصير هذه الحملة العسكرية ضد حزب الله سيكون على غرار نتائج مبادرات السياسة الخارجية الجريئة، التي بدأت مع توقع انتصار سريع وشعبي من الناحية السياسية. ولكن من المُرجَّح للغاية كذلك أنَّها ستتبع نمط هذه المبادرات التي سرعان ما تؤول إلى مستنقعٍ دموي مُزعزِع للاستقرار.

آخر الأخبار