بلومبيرغ: رؤية بن سلمان أمام أسئلة حرجة

تحت عنوان: «مسار التحول الكبير في المملكة العربية السعودية لا يحتمل الفشل هذه المرة»، قالت وكالة «بلومبيرغ» أن «الألم الحقيقي» الناجم عن شروع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في تنفيذ «خططه الطموحة» قد بدأ للتو، لافتة إلى أن الظهور المتكرر للأمير الشاب على وسائل الإعلام، وبروز صورته على إحدى ناطحات السحاب في المملكة خلال فعاليات الاحتفال بالعيد الوطني السعودي، يعكس ترسيخاً لمكانة الرجل كـ«زعيم بلا منازع» للمملكة العربية السعودية، وبكونه «الأجدر على قيادة المرحلة الانتقالية» في البلاد من أجل تنويع بنية الاقتصاد الوطني، وإدخاله في حقبة «ما بعد النفط». ومن أوجه آلام رؤية بن سلمان، ما تظهره بيانات رسمية سعودية، بشأن نمو القطاعات غير النفطية السعودية، ومؤشرات التوظيف بمستويات طفيفة في خلال النصف الأول من العام الجاري، إلى جانب تسجيل قطاع الإنشاءات في السعودية انكماشاً على وقع خفض الانفاق الحكومي.
وذكرت الوكالة أنه، وبعد مرور عامين على تدشين بن سلمان لمشروع الإصلاحات الاقتصادية، ما زال المسؤولون السعوديون يواجهون بـ«أسئلة حرجة» تتمحور حول كيفية توفير الأموال، وتسريع وتيرة التغييرات الاجتماعية دون الوقوع في حالة من الركود والشلل الاقتصاديين، ودون اشتباك مع إحدى أكثر المؤسسات الدينية «محافظة» و«تشدداً» في العالم، ملمحة إلى حملة الاعتقالات التي شنتها قوات الأمن السعودي بحق عدد من رجال الدين، قبل أسابيع من قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، باعتبارها أحد فصول هذا الاشتباك. كما لفتت إلى أن انخفاض عائدات النفط دفعت بن سلمان ومستشاريه إلى إلغاء بعض المشاريع «غير الضرورية»، وتقليص برامج الدعم الحكومي «المكلفة»، وأوقفوا دفع مستحقات بعض المقاولين، وذلك بغية تجنب ما رأوه «انحداراً كارثياً لاحتياطيات» المملكة، لتكون النتيجة توقف نمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وانخفاض معدلات الاستهلاك، إضافة إلى ارتفاع مؤشرات البطالة في أوساط 20 مليون سعودي. كذلك، وفي مقابل تحمل الطبقات الشعبية داخل المملكة ثمن «تقويض العقد الاجتماعي» القائم على المنح المالي، مقابل الصمت السياسي، مع تدهور أسعار النفط، أفادت الوكالة بأن العائلة المالكة السعودية لم تظهر إلا «علامات قليلة» بشأن استعدادها للمشاركة في تحمل الأعباء، كما بدا من بذخ الملك سلمان خلال زيارته الأخيرة لموسكو، إذ حجز فندقين، ولحاشيته المقدرة بنحو 1500 شخص فندقين فاخرين في العاصمة الروسية. وفي الإطار عينه، أوردت الوكالة حديث الرئيس التنفيذي لبنك «غولدمان ساكس»، خلال منتدى الأعمال العالمي، في سبتمبر الفائت، حين قال إن المملكة العربية السعودية «أمام تحد مهول، وله تبعاته الكبيرة على العالم»، وتحذيره للرياض من أن «التغيير المطلوب لتحقيق الاستقرار على المدى البعيد، لا ينتج استقراراً على المدى القصير».
وأمام جملة التساؤلات التي يجدها صانع القرار السعودي نصب عينيه، قالت الوكالة إن «الفشل في تقديم إجابات» عليها ينذر بـ«مخاطر» على الرياض، وما قد ينجم عنه دخول السعودية «ذات نظام الملكية المطلقة والمتناقصة الموارد، في نفق مظلم»، على ضوء ما تعانيه من صعوبات لتمويل نموذج «غير مستدام من رأسمالية الدولة»، في وقت لا يحصل فيه المواطنون السعوديون إلا على المزيد من «القلق»، فيما ينحدر الاقتصاد السعودي من سيء «إلى أسوأ». ووفق ما أدلى به تركي الرشيد، وهو رجل أعمال سعودي لـ«بلومبيرغ»، فإن الأزمات الإقليمية من قطر، اليمن، إلى سوريا فالعراق أدت إلى حالة من «التشتت» لدى الرياض، كما أن الإخفاق في تحقيق التنمية المستدامة، وعدم تنويع البنية الاقتصادية، هو «التهديد الحقيقي» للمملكة، على حد تعبير الرشيد. ومع أن رجل الأعمال السعودي أعرب عن تفاؤله بشأن نجاح خطة «رؤية 2030»، إلا أنه يرى احتمالات فشلها قائمة، بالاستناد إلى وجود خطط شبيهة سابقة منذ نحو 15 عاماً، على غرار مشروع «الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي 2020»، الذي لم يؤت ثماره في نهاية المطاف، رغم تخصيص 400 ورشة عمل لتنفيذه مدرجاته وبنوده. وقال مالك شركة «حلمي ناتو» في مدينة جدة السعودية، إن مبيعات شركته بدأت بالانخفاض بشكل متسارع منذ ثلاث سنوات، بفعل انخفاض أسعار النفط، مبدياً دعمه لرؤية بن سلمان. أما ثائر العتيبي، وهو رجل أعمال يملك ثلاثة مقاه ومطعمين، فقد أخبر «بلومبيرغ» حكاية كفاحه من أجل إنقاذ شركته، بعد انخفاض حركة المبيعات بنسبة 35 في المئة، مطالباً بدعم حكومي للشركات والمؤسسات الاقتصادية المتعثرة. وللدلالة على سوء إدارة الملف الاقتصادي داخل المملكة، نقلت الوكالة عن أوساط بعض رجال الأعمال، امتعاضهم من التدابير التقشفية لسلطات المملكة، كونها «قوضت ثقة» رجال الأعمال الأجانب والمستثمرين الدوليين في السوق السعودية، فيما عاب آخرون على المسار الإصلاحي في الداخل ركونه إلى «الإصلاح السريع»، عوض اللجوء إلى اعتماد «التغيير المتدرج»، بينما ذهب البعض الآخر إلى «رفض الخطة الإصلاحية برمتها»، لأنها نتاج عقول مستشارين أجانب لا تعرف إلا القليل عن السياق المجتمعي والسياسي للمملكة.
وفيما يكثر الحديث عن السعي لتخفيض تبعية الاقتصاد السعودي على النفط، وهو ما شكل في عقدي الثمانينيات والتسعينيات معضلة للمملكة، أشارت الوكالة إلى أن انخفاض مستويات العجز في الموازنة العمومية يعود إلى انتعاش أسعار النفط العالمية نسبياً. واعتبرت أن لجوء الرياض اليوم إلى رفع أسعار النفط من أجل معالجة المشكلات الاقتصادية والمالية لا يعد حلاً ناجعاً، مشيرة إلى أن ولي العهد السعودي بحاجة إلى تعزيز القطاع الخاص، وتوسيع دائرة نشاطاته، وتقليص عدد موظفي القطاع الحكومي للتعامل مع تلك المشكلات. ونقلت «بلومبيرغ» عن إميلي هورثون، المحللة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قولها «إنها لحظة حاسمة بالنسبة لهم (السعوديين)، لأنه يتعين عليهم القيام بشيء ما لصالح القطاع الخاص».
وأضافت الوكالة أن المملكة العربية السعودية قدمت إلى صندوق النقد الدولي خطتها من أجل دعم قطاعات صناعية معينة، بغرض تكييفها مع مستويات أعلى لأسعار النفط والمياه، جنباً إلى جنب مع الخطط الرامية إلى الاستثمار في قطاعات الترفيه، والتصنيع، والتعدين، والدفاع، مع إشارة بن سلمان في وقت سابق إلى أن ما يربو على نصف عائدات الطرح العام الأولي لشركة «أرامكو» سيجري استثمارها في الداخل السعودي. وفي هذا السياق، نقلت «بلومبيرغ» عن مدير أحد الشركات العاملة في تجارة السيارات في السوق السعودية قوله إن الفترة الماضية شهدت عقد اجتماعات بين مسؤولين سعوديين، وعدد من رجال الأعمال من أجل «وضع خطة سليمة»، مضيفاً أن «ما يراه القطاع الخاص هو أن الحكومة لا تعرف كل شيء، وأن بعض القرارات المتخذة وجب التراجع عنها»، مع تأكيده على أن السعي إلى إيجاد الحلول في أقصر فترة ممكنة، يسهم في خلق كافة أنواع المشكلات والاضطرابات.

آخر الأخبار