هل يمكن لروسيا أن تلعب دور الوسيط لإنهاء حرب اليمن؟

أثارت زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو الأسبوع الماضي تكهنات جديدة حول الدور المتنامي لروسيا في الشرق الأوسط، وهذه المرة في اليمن.

شاركت موسكو على مستويات متعددة في الصراع السوري، وكانت نشطة في ليبيا واتخذت ما يبدو موقفا براغماتيا فيما يتعلق بالمناطق الإقليمية الأخرى، بما في ذلك آخر التطورات بين قطر والسعودية. غير أن اليمن، رغم أنه مسجل في رادار موسكو الدبلوماسي، فلم يشهد حتى الآن بذل جهود روسية استباقية.

ومن المحتمل أن زيارة «سلمان» لموسكو هدفت لبدء جهود الوساطة الروسية للتوفيق بين المتصارعين اليمنيين، على نحو يحتمل أن يعود بالنفع على السعودية وعلى إيران، العدو المرير والخصم المنافس لإيران في الحرب الأهلية اليمنية.

وقد توقفت العملية العسكرية بقيادة السعودية والإمارات في اليمن عن تحقيق أي نجاحات استراتيجية منذ خريف عام 2015 بعد أن استولت قوات التحالف السعودية على عدن وأجزاء من محافظة تعز. ويعتقد أن دولة الإمارات أكثر اهتماما بمحاربة حزب الإصلاح (الحليف السعودي في اليمن) أكثر من تحالف «صالح - الحوثي». ونظرا للاختلافات المتنامية بين البلدين حول اليمن، تبدو آفاق التحالف لتحقيق النجاح العسكري قاتمة.

وينقسم اليمنيون على نحو متزايد على جميع خطوط الصدع. وبصرف النظر عن الانقسام، تواجه البلاد مجموعات مثل القاعدة في شبه الجزيرة، التي تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي، فضلا عن مختلف الفصائل شبه المستقلة والميليشيات القبلية.

كما يتأرجح اليمن على حافة كارثة إنسانية. في عام 2016، أودت الأعمال القتالية بحياة أكثر من 10 آلاف شخص، من بينهم 1340 طفلا. وعلى الرغم من دعمها من الولايات المتحدة وبريطانيا، تجد الرياض صعوبة متزايدة في تحمل انتقادات الأمم المتحدة «لانتهاكاتها الجسيمة» لحقوق الإنسان ضد الأطفال. وكانت الأمم المتحدة أعلنت الأسبوع الماضي أنها أدرجت التحالف السعودي الاماراتي على القائمة السوداء.

    البحث عن وسيط

ويبدو أن روسيا هي الخيار المنطقي لحل الأزمة اليمنية. وبدورها، استنفدت كل من عمان والكويت -أعضاء مجلس التعاون الخليجي غير المتورطين مباشرة في النزاع- إمكانياتهم لتسوية النزاع اليمني. وقال دبلوماسي روسي يعمل في منطقة خليجية لـ «المونيتور» إن الكويت، التي استضافت الجولة الأخيرة من المفاوضات اليمنية، سعت إلى الحفاظ على سمعتها في موضوع «حفظ السلام». وكان رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح قد أبلغ الجمعية العامة أن بلاده ستكون مستعدة لاستضافة المحادثات اليمنية مرة أخرى فقط إذا تم التوقيع على وقف لإطلاق النار، وذلك لكي تحافظ على صورتها ولا تتأثر من عواقب مبادرات فاشلة.

أما بالنسبة لسلطنة عمان، فقد عانت السلطنة من علاقة متوترة مع هادي وداعميه السعوديين من اليوم الذي منع فيه العمانيون هادي من الهرب عبر الحدود اليمنية العمانية. ويجب أن يكون الحادث هو ما دفع اليمنين إلى التوجه إلى الكويت بدلا من عمان. واتهمت الحكومة اليمنية بعد ذلك سلطنة عمان، التي كانت قد استضافت في وقت سابق عدة جولات من المشاورات، بتيسير تهريب الأسلحة إلى الحوثيين.

وعلى الرغم من أن عام 2016، وهو العام الأخير من ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قد شهد محاولات الولايات المتحدة لتفعيل دور حفظ السلام في اليمن، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب قد أحبطت عمليا الجهود من خلال تبني موقف واضح مؤيد للسعودية بشأن الصراع. وعلى وجه التحديد، حث وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس على دعم عسكري أعمق ضد الحوثيين. وعلى الرغم من رفض البيت الابيض لمبادرات البنتاغون، رفعت واشنطن القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى السعودية.

وهكذا، تبحث الرياض عن وسيط من أجل حل النزاع اليمني. والوضع يجعل الباب مفتوحا أمام روسيا.

في وقت سابق، كانت موسكو حريصة على تحويل الانتباه بعيدا عن الصراع السوري وشجعت الملكيات الخليجية على التركيز على الأزمة اليمنية ومساعدة هادي. وكلما تعمقت دول الخليج في الصراع اليمني، قلت الحوافز والموارد التي كانت تدعم بها المعارضة السورية. في الوقت الحاضر، على الرغم من ذلك، أصبح هذا النهج غير ذي صلة إلى حد كبير، نظرا لبدء عملية السلام السورية. وعلاوة على ذلك، فإن موسكو لديها فرصة أخرى لكسب المصداقية والنفوذ في الشرق الأوسط.

ومنذ اندلاع الأزمة في اليمن، سعت موسكو إلى الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف المعنية، واتبعت سياسة مرنة سمحت لها بمواكبة التطورات. وعلى وجه الخصوص، منذ أن اضطر هادي إلى الفرار من اليمن، حافظت روسيا على العلاقات مع إدارته.

ويمكن أن يعزى رحيله إلى ضرورة تكثيف الاتصالات مع السلطات اليمنية المنفية. كما قدم أحمد سالم الوحيشي، المدعوم من هادي، أوراق اعتماده إلى وزارة الخارجية الروسية، وتم الاعتراف به رسميا بوصفه سفيرا لليمن في روسيا. وأصبح الوحيشي معلما بارزا في تطوير العلاقات الثنائية حيث كان هو المرشح الرابع الذي اقترحه هادي في العام الماضي، ورفضت موسكو المرشحين الثلاثة السابقين.

وفي الوقت نفسه، تمكنت روسيا أيضا من الحفاظ على العلاقات مع الجانب الآخر وهو التحالف بين حركة أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام.

ويبدو أن خطط روسيا لبناء الثقة مع الحوثيين وصالح قد أثمرت. ومنذ وصول هادي إلى المملكة العربية السعودية، أصبحت روسيا اللاعب الرئيسي الوحيد الذي حافظ على على وجودها الدبلوماسي المحدود في العاصمة صنعاء. حيث تم الحفاظ على العلاقات مع المجلس السياسي الأعلى الذي شكله تحالف «صالح - الحوثي» على مستوى القائم بالأعمال.

وتراقب الدبلوماسية الروسية الجهات الفاعلة السياسية المحتملة الأخرى في اليمن. على سبيل المثال، يعد حيدر أبو بكر العطاس، مستشارا لهادي، وهو رجل دولة سابق في جمهورية اليمن الديمقراطية الوطنية وزعيم الحزب الاشتراكي، ولديه سلطة قوية على المناطق الجنوبية. وكان العطاس قد زار موسكو في يناير/كانون الثاني الماضي. كما قد يكون لدى روسيا اتصالات مع ساسة آخرين من الجنوب تدعمهم دولة الإمارات. وكان معظم هؤلاء مرتبطين بالحزب الماركسي والجيش اليمني الذي كان له علاقات قوية مع الاتحاد السوفيتي، والعديد منهم تخرجوا من الجامعات السوفييتية.

وبالتالي، فإن روسيا لديها القدرة على القيام بدور قيادي في المصالحة الوطنية في اليمن. وهناك عدد من العوامل، بما في ذلك العمليات العسكرية على الأرض وتوازن القوى في الشرق الأوسط، يمكن أن تيسر هذه العملية.


(كيريل سيمينوف - المونيتور)

آخر الأخبار