فورين أفيرز: بوتين سعيد بتلقي الأموال السعودية دون التخلي عن إيران

في 5 أكتوبر/تشرين الأول، أصبح الملك «سلمان بن عبدالعزيز» أول ملك سعودي يزور روسيا. وأشاد الرئيس «فلاديمير بوتين»، الذي دعا الملك إلى زيارة موسكو للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، بالزيارة باعتبارها «حدثا تاريخيا»، وامتلأت شوارع المدينة بلافتات الترحيب بالملك باللغتين العربية والروسية، وردد المتحدث باسم الكرملين، «ديمتري بيسكوف»، كلمات الثناء القوية للقيادة السعودية.

وعقب القمة، وقع «سلمان» و«بوتين» مجموعة من الوثائق في مجالات الطاقة والتجارة والدفاع، ووافقا على استثمار مشترك قيمته عدة مليارات من الدولارات. وبالإضافة إلى ذلك، خرجت تقارير تفيد بأن السعودية وافقت على شراء نظام الدفاع الجوي إس-400 الروسي، الأمر الذي يجعلها ثاني حليف للولايات المتحدة يقوم بذلك بعد تركيا.

وتعد القمة علامة بارزة أخرى في الاتجاه الأخير المتمثل في تحسن العلاقات السعودية الروسية.

وفي يونيو/حزيران عام 2015، حضر ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الملتقى الاقتصادي السنوي في سان بطرسبرغ، وكانت المرة الأولى التي يشارك فيها الأمير في قضايا الطاقة حيث التقى «بوتين»، وفقا لتقارير صحفية في ذلك الوقت.

وفي الشهر التالي، تعهد صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية باستثمار 10 مليارات دولار في روسيا على مدى 5 أعوام، وهو أكبر استثمار أجنبي مباشر في البلاد وفقا لصندوق الاستثمار المباشر الروسي.

وخلال زيارته لموسكو هذا الربيع، قال «بن سلمان» إن «العلاقات بين السعودية وروسيا تمر بإحدى أفضل لحظاتها».

وبالنظر إلى الاتجاهين المعاكسين اللذين يسير فيهما البلدان منذ الحرب الباردة، فإن هذه التطورات الأخيرة ملحوظة بشكل كبير.

لكن استمرار التقارب في العلاقات غير واضح. ومع ذلك، فمن المؤكد أن العلاقات السعودية الجديدة مع روسيا تظهر أن تأثير «بوتين» في الشرق الأوسط لا يزال في اتجاه صاعد.

    تاريخ من انعدام الثقة

ومنذ تأسيس المملكة العربية السعودية رسميا عام 1932، كانت موسكو والرياض في طريقين متناقضين تقريبا، في كل حرب أو نزاع في الشرق الأوسط، إلى جانب الصراع العربي الإسرائيلي.

وعبر كل ذلك، كانت موسكو تفهم دائما أهمية المملكة في المنطقة، وتدخلت بشكل دوري، وإن كان غير فعال، من أجل إضعاف تحالف الرياض مع الغرب.

وبعد أن رفضت المملكة مشروعا وعددا من المعاهدات المتعلقة بالتجارة والصداقة من موسكو، تخلى «جوزيف ستالين» أخيرا عن الملك ابن سعود، وسحب البعثة الدبلوماسية للاتحاد السوفيتي من البلاد عام 1938. وبعد وفاة «ستالين» عام 1953، جدد الكرملين العلاقات، لكنه لم يتمكن مرة أخرى من إبعاد المملكة عن المعسكر الغربي.

وعكس اندلاع الحرب الأهلية في اليمن عام 1962 ضآلة التقارب بين البلدين، حيث وجدت الرياض وموسكو نفسيهما على جانبي النزاع.

وعلى مدى الأعوام اللاحقة، واصل الاتحاد السوفيتي والمملكة المدعومة من الولايات المتحدة تنافسهما للتأثير في بلدان مثل عمان والدولة الاشتراكية السابقة في جنوب اليمن.

وحين تدهورت العلاقات الأمريكية السعودية على خلفية حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 والحظر النفطي اللاحق، حيث بدت الرياض أكثر تقبلا لموسكو.

ومع ذلك، انقطع هذا التقارب، أيضا في مهده عندما غزت القوات السوفييتية أفغانستان.

وساهم التمويل السعودي للمجاهدين الأفغان، إلى جانب توفير الأسلحة الأمريكية والدعم اللوجيستي الباكستاني، بشكل كبير في الهزيمة الكارثية للاتحاد السوفيتي.

وفي عام 1990، أي بعد عامين من الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، اتفق البلدان على استعادة العلاقات.

وفتح انهيار الاتحاد السوفيتي أبوابا جديدة، ولكن لفترة وجيزة فقط. ورغم أن السعودية قدمت مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار لروسيا عام 1991، اتهمت موسكو الرياض بإبقاء أسعار النفط منخفضة، ومن ثم عرقلة الانتعاش الاقتصادي في روسيا.

كما انتقدت الدعم المالي السعودي للمعارضة الشيشانية والإسلاميين في روسيا على نطاق أوسع. وفي الوقت نفسه، أحبطت السلطات السعودية مبيعات الأسلحة الروسية للمنافسين الإقليميين مثل إيران.

وعندما وصل «بوتين» إلى السلطة في مايو/أيار عام 2000، كان هدفه جعل روسيا وسيطا فاعلا في الشرق الأوسط، وسعى إلى استغلال الضغوط الواقعة على العلاقات السعودية الأمريكية.

وأصبح أول رئيس لدولة روسية يزور الرياض عام 2007، على خلفية الإحباط السعودي من الحرب الأمريكية في العراق، ودعم واشنطن للحكومة الشيعية في بغداد.

إلا أن اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011 عرقل أي تطور حقيقي في العلاقات الثنائية، حيث وجدت الدولتان نفسيهما مرة أخرى على جانبي النزاع الإقليمي.

    فصل جديد

وبالنظر إلى هذا التاريخ الطويل من انعدام الثقة، من المهم استكشاف الأسباب الجديدة لتحسن العلاقة الثنائية. وتتطلع موسكو من جانبها إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الرياض.

ويعتبر «بوتين» شخصا براغماتيا، وهو يعلم أن الاقتصاد الراكد في روسيا يحتاج إلى استثمار أجنبي. وهناك أيضا مصالح نفطية مشتركة.

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2016، وافقت روسيا وأوبك على خفض إنتاج النفط، مما ساعد على رفع سعر النفط إلى 50 دولارا للبرميل، وهو ما يزال أقل بكثير من 100 دولار للبرميل، السعر الذي تحتاج إليه ميزانية روسيا، لكنه يعد مع ذلك تحسنا متواضعا من الانخفاض إلى ما دون 40 دولارا للبرميل. ويبني هذا التعاون في مسألة أسعار النفط الثقة، وقد يحقق قريبا هدفه بارتفاع الأسعار.

وبالإضافة إلى ذلك، يواصل «بوتين»، كجزء من نهجه الدبلوماسي، السعي إلى إبعاد الولايات المتحدة عن حلفائها، بينما يقترب أيضا من العالم الشيعي من خلال مشاركة أعمق مع إيران، والعمل مع حزب الله، وضمان بقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق. وتقدم العلاقة الأكثر دفئا مع الرياض تصورا للتوازن.

ومن المرجح أن تكمن مصالح الرياض في أماكن أخرى. وتدرك السعودية الآن بأن الأسد لن يترك السلطة قريبا، ويسعى إلى فتح الباب أمام المصالحة من خلال موسكو.

وبالإضافة إلى ذلك، يبدو الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، مثل «باراك أوباما»، مستعدا للسماح لروسيا بأن تأخذ زمام المبادرة في سوريا. ومن وجهة نظر براغماتية بحتة، يجب على السعودية أن تتعامل مع روسيا الآن بغض النظر عما إذا كانت ترغب في ذلك.

وتأمل السعودية على الأرجح في تقديم حوافز اقتصادية، يمكن أن تحث روسيا على أن تنأى بنفسها عن إيران، بل كان هذا أملها في الصفقات الاقتصادية السابقة.

وتأمل أيضا أن تكون روسيا أكثر فائدة للمملكة في اليمن، حيث تقاتل في حرب بالوكالة مع إيران.

ومن المرجح أن تنتهي هذه الآمال بخيبة الأمل. وسوف يستقبل «بوتين» بكل سرور المال السعودي، لكنه لن يغير موقفه من إيران أثناء القيام بذلك.

ولدى موسكو وطهران خلافاتهما، ولكنهما يضعانها جانبا لخدمة المصلحة المشتركة، المتمثلة في تخفيض النفوذ الأمريكي في المنطقة.

وبالنسبة لـ«بوتين»، فإن التحوط ضد الرهانات ودعم كلا الطرفين في اليمن، وكذلك في صراعات إقليمية أخرى مثل قطر، هو موقف أكثر واقعية.

ونظرا للتاريخ الطويل من التوتر وانعدام الثقة بين روسيا والمملكة العربية السعودية، فقد يكون من السابق لأوانه الحديث عن تحول جوهري في العلاقة.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان كل جانب سيقدم ما وعد به حتى الآن.

وعلى الرغم من أن الرياض تتجه نحو موقف موسكو من سوريا والنفوذ الإقليمي المتنامي لروسيا على نطاق أوسع، فإن مخاوف السعوديين بشأن التأثير الإيراني المتنامي من غير المرجح أن تنخفض، ومن المرجح أن تظل الرياض قلقة بشأن معاملة روسيا للمسلمين داخل حدودها.

ومن جانبه، يسعد «بوتين» أن يأخذ الاستثمارات السعودية، لكنه ليس مضطرا لأن يغير السياسات التي خدمت روسيا بشكل جيد.

ولا تعتبر موسكو تصدير الثورة الإيرانية تهديدا وجوديا على غرار ما تفعله السعودية، على سبيل المثال.

وبالنسبة لـ«بوتين»، تعد إيران ورقة مفيدة للعب ضد الولايات المتحدة، وليس بطاقة يرغب في التخلي عنها. وفي المقابل، يحمل «بوتين» بطاقات أكثر من الملك سلمان أو ولي العهد.

 

آخر الأخبار