اليمنيون ينتظرون «جنيف 2»!

انتهت أيّام جنيف اليمني على جري ما بدأت عليه: فوضى كاملة، اتضح لاحقاً أنَّها مدروسة، مكَّنت كل طرف من الاحتفاظ بالمواقع التي يرى أنَّها تحصّن مكاسبه. ارتفاع منسوب التفاؤل، ثم هبوطه الحاد في اليوم الأخير. لم يخرج المؤتمر بشيء يُمكِّن اليمنيين الواقعين تحت الحرب وحصارها من التقاط أنفاسهم. مع ذلك، حرص الطرفان، برغم تحميل بعضهما بعضا المسؤولية، على القول إنَّ جنيف كان بداية مسار، وإنَّه لهذا شكَّل «أرضيَّة» يُمكن البناء عليها في مؤتمر لاحق. هكذا يسلك جنيف اليمني مسار نظيره السوري، برغم اختلاف الظروف، مع توقّع جولة جديدة لم تُحدَّد مواعيدها. قيل فقط: انتظروا «جنيف 2» اليمني أيضاً.

كان المؤتمر يقترب من إعلان ورقة مبادئ، تشكِّل أرضية لإعادة إطلاق مسار حلٍّ شامل، بالتزامن مع إعلان هدنة إنسانية تبدأ مع شهر رمضان. وبرغم الحذر في إعلان من كان الطرف المقصِّر، حمّل مسؤول أممي المسؤولية إلى «تعنّت وفد الرياض»، معتبراً أنَّ وفد صنعاء قدَّم مقترحات وكان «منفتحاً على النقاش».

لم تُعلن هدنة إنسانية، برغم أنَّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون كان متفائلاً بإمكانية إنجازها. حينما أطلق المؤتمر الأحد الماضي، بيَّن أن انعقاده يُجسِّد إرادة موحدة من مجلس الأمن، وأنَّه يجب أن يخرج على الأقل بالهدنة الرمضانيَّة. مع ذلك، أشاعت الأطراف اليمنية، وكذلك المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ أحمد، أنَّ الهدنة الإنسانية يمكن فصلها عن مسار التفاوض حول صلب الصراع السياسي، مع الإيحاء بإمكانية إعلانها قريباً. لكن أحد سفراء دول مجموعة «الـ16»، الداعمة للمؤتمر، قال إنَّه «غير متفائل، للأسف».

اليوم الأخير من المؤتمر شهد مفاوضات مكثفة، مع كلا الطرفين. الوسيط الأممي حمل للطرفين خطة من سبع نقاط، لقيت رفض الطرفين الواضح. وفد الرياض اعترض لأنه أراد من المبادئ أن تذكّر بأنَّ عبد ربه منصور هادي هو «السلطة الشرعية»، مع حكومة المنفى.

وفد صنعاء اعترض جذريا أيضاً، لكن أعضاءه «كانوا منفتحين على النقاش، ولم نحس أنَّهم متعنتون». هذا ما أكَّده لـ «السفير» مسؤول أممي منخرط في المفاوضات. قال إنَّ مسؤولية إحباط إمكانيَّة الخروج بإعلان مبادئ «يتحمَّل المسؤولية فيها وفد الرياض»، موضحاً أنَّهم «رفضوا النقاش، بينما وفد صنعاء كان له اعتراضات، لكنَّه كان منفتحاً على النقاش». المسؤول الأممي لم يتردَّد في القول إنَّ «وفد الرياض جاء مرغماً، والمؤتمر عقد لأنَّ الأميركيين يريدون ذلك ضدّ رغبة السعودية وحلفائها».

المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ أحمد كان قد عقد اجتماعاً مع وفد صنعاء، استمر حتى وقت متأخر من ليل أمس الأول. الوفد كان قد قدَّم له رؤية من عدة نقاط، لإعطاء دفع لوساطته. فحوى المقترح كان يتمحور حول قضيتين، كما أعلنهما لاحقاً الوفد في مؤتمر صحافي: «وقف نار دائم من الأطراف اليمنية المتحاربة، بما يمكّن المكونات من بحث حلٍّ شامل، بما فيه بحث انسحاب كل الاطراف من المدن الرئيسية وآلياته، بما لا يمنع من التصدي للقاعدة والجماعات المرتبطة بها». القضية الثانية هي «رفع الحصار المفروض على اليمن».

استعرض ممثل جماعة «أنصار الله»، حمزة الحوثي، ما اعتبره سلسلة عراقيل كانت تريد إحباط مشاركة وفدهم في المؤتمر. لفت أيضاً إلى أنَّ فشل المؤتمر في الخروج بنتيجة «سببه ضغوط كبيرة لكي لا يتم الخروج بحل». مع ذلك، حرص على اعتبار أنَّ ما حصل يعطي «أرضية» يمكن البناء عليها، وأنه كان «مشاورات أوليَّة ستتبعها مشاورات لاحقة يُحدَّد موعدها في ما بعد».

أحد أشدّ النقاط التي أثارت انتقاد وفد صنعاء، كما قال الحوثي، هو «التجاهل الواضح لوجود القاعدة وانتشارها»، مؤكداً أنَّها تقاتلهم في «11 جبهة»، وهو ما كان قد أعلنه التنظيم المتطرف في بيان له خلال الأسبوع الماضي. المسؤولية عن ذلك، حمَّلها مباشرة للسعودية، معتبراً أنَّ «العدوان شكَّل غطاءً لانتشار القاعدة وتوسعها».

في السياق ذاته، حرص المبعوث الأممي على التأكيد أنَّ المؤتمر «لم يفشل»، معتبراً بدوره أنَّ المباحثات التي جرت بيَّنت أنَّ هناك «أرضية مواتية» يمكننا البناء عليها لتحقيق هدنة. مع ذلك، ورداً على سؤال لـ «السفير»، أقر بالإخفاق في التقدّم في مسائل جوهرية: «لم نتفق على النقطتين الأوليين، وهما وقف إطلاق النار وانسحاب» الأطراف المتحاربة من المدن. حين سألناه عن آلية عمله لتحقيق الهدنة الإنسانية، لفت إلى أنَّ العمل على إنجازها يمكن فصله عن مسار المفاوضات على القضايا الأخرى. وقال رداً على السؤال: «سأحث مجلس الأمن شخصياً (خلال الأسبوع المقبل) على أن يطالب بقضية الهدنة»، قبل أن يضيف، مقللاً من جرعة التفاؤل، «ولكن لا أظن أنَّ هذا يكفي إذا لم نحصل على موافقة كل من يتعلق به الأمر».

من جهته، حمَّل وفد الرياض مسؤولية إخفاق المؤتمر لخصمه. رئيس الوفد، ووزير الخارجية بالوكالة رياض ياسين، قال لـ «السفير» إنَّ «الهدنة لا تأتي بالطلب، فإذا كانوا يريدونها كما يدعون فليأتوا ويتكلموا صراحة ما هي الهدنة حتى يلزموا أنفسهم بها».

طبعاً المؤتمر استمر كما أراد له وفد صنعاء، إذ لم يحضر إلى القاعة المخصصة له في الأمم المتحدة لكونه يرفض جذرياً فكرة فريقين، وأن يمثِّل وفد الرياض «السلطة الشرعية». لفت أعضاء وفد صنعاء إلى أنَّ هذا يشكل انتصاراً لهم. قالوا إنَّ المفاوضات كانت بين المكونات السياسية، وجرت على هذا الأساس برغم رفض الفريق الآخر هذا المبدأ. هذا ما حصل عملياً، والمبعوث الأممي استمر في الانتقال بين الفريقين، بعدما حول وفد صنعاء مقر إقامته إلى قاعات تنسيق وتفاوض.

لكن المسألة برأي مسؤول رفيع المستوى في «انصار الله» تتجاوز القضايا التقنية. يقول لـ «السفير» إنَّ ما حدث كان بمثابة «إفشال للمؤتمر من قبل الأميركيين». معلقاً على ما حدث، قال إنَّ «السعودية ليست موجودة بحد ذاتها، إنهم الأميركيون وهذه لعبتهم»، قبل أن يضيف «المبعوث الدولي معهم، إنهم يعملون من الإدارة نفسها».

المسؤول الحوثي أبدى أيضاً خيبة أمل في مسار مسقط، حيث يجري تفاوض بين «أنصار الله» والرياض بوساطة عُمانية. اعتبر أنَّ فشل جنيف يبيِّن أنَّ «ما سمعناه في مسقط عن تفاؤل وإمكانية كان مجرد كلام، فالتعويل هو على مسار جنيف الذي تظهر فيه النتائج الملموسة، في مسقط كان هناك فقط الكلام». لذلك، فالحل بالنسبة إليه واضح، إذ يشدِّد على أنَّ «الميدان سيجبرهم على العودة والقبول».

وفد الرياض لم يستطع الهروب من التناقض الذي وجد نفسه فيه. شدَّد على أنَّ المؤتمر لم يحصل، لأن الآخرين لم يختاروا فريقاً من عشرة ممثلين عنهم. لكنه، في الوقت نفسه، كرَّر أنَّ المشاورات تشكِّل خطوة يمكن البناء عليها. خلال جولة النقاش الأخيرة، اتصل موفدوه برئيسهم هادي ليأخذوا منه تعليمات رفض خطة المبعوث الدولي. تحدث إلى ثلاثة منهم، ليكرروا ما سمعه مبعوث الأمم المتحدة: الرياض لا تريد أيّ حل الآن.

الخطة التي اقترحها المبعوث الدولي، أثارت غضب وفد صنعاء تجاه نقطتين. الأولى اعتبارهم أنَّها تكرِّس «العدوان السعودي»، لأنَّها تدعو إلى الانسحاب حتى لو تواصل العدوان، في أيّ مرحلة منه. المأخذ الثاني، كما ينقله أحد ممثلي الوفد، أنَّ «مقترح ولد الشيخ أكثر سوءاً من القرار الدولي، باعتبار أنَّه يكرِّس الحصار ويشرعنه»، بينما تحدث القرار الدولي عن عمليات تفتيش فقط حين الاشتباه بنقل أسلحة. «المبادرة هي تصور يريده الأميركي بالدرجة الأولى، لأن السعودية لا يمكنها فرض شيء كهذا»، يقول مسؤول في «أنصار الله».

 

 

(وسيم إبراهيم / السفير)

آخر الأخبار