إحياء خيار التفاوض: صعوبة سعودية في الاستمرار بالمواجهة

شهد الملف اليمني مساعي متعددة للدفع باتجاه عودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات. عوامل عدة تدخل في هذه المساعي، في وقتٍ يحاول فيه الطرف السعودي تجنّب تثمير التطورات الميدانية الأخيرة، ما يعزز احتمال فشل استئناف المفاوضات، وملاقاة مصير الجولات السابقة في حال استئنافها

أوصلت السعودية نفسها إلى طريق مسدود من جديد، كما كان متوقعاً. فالخيار العسكري البديل من مفاوضات الكويت لم يحقق أياً من نتائجه المرجوة ولم يعد لدى الرياض ومن خلفها الإدارة الأميركية القدرة على المراوحة.

عسكرياً، تبدو جولة القتال الأخيرة، ما بعد انهيار الخيار التفاوضي، أنها ستعيد الأطراف اليمنية إلى الطاولة، لكن هذه المرة أيضاً لا يُقدّر لها أن تصل إلى نتيجة ترضي السعودية في ظل المنسوب المرتفع للثقة بالنفس والشعور بالاقتدار لدى الجانب اليمني بعدما أثبت القدرة على مقاومة العدوان والهجمات. ومع ذلك، لم يتغير موقف الأطراف، إذ سيسعى كل طرف إلى تحقيق الأهداف بالمسار السياسي بعد تعذر الخيار العسكري، ويعمل حالياً على أن تجرى المفاوضات بحلة جديدة تختلف عن سابقاتها من حيث الشكل، فلم يعد مهماً مكان المفاوضات، سواء في الكويت أو خارجها.

الأهداف الأوّلية لدى الرياض، الرامية إلى كسر اليمن وهزيمته، لا تزال قائمة بلا تغيير، وهي بالأصل غير قادرة على تغيير هذه الأهداف وإلا سيلحق بها هزيمة نكراء، كما أن من غير الوارد قبول الخسارة لأن تداعياتها ستؤدي إلى ما لا تحمد عقباه على المستوى الداخلي السعودي، وإن كان قد بدأ في الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً تشكّل رأي عام يضغط باتجاه إقفال ملف الحرب، كما عبّر أحد الكتّاب السعوديين. وتعني الخسارة أيضاً، في حدها الأدنى، فشلاً مدوّياً لوليّ وليّ العهد محمد بن سلمان الذي تتربص به أجنحة معارضة داخل الأسرة الحاكمة، ولا سيما أن ابن سلمان قدم رؤية تطويرية شاملة تعتمد على تغييرات جوهرية في إدارة شؤون البلد للعقد الأخير. وسيعد الفشل في حربه على اليمن ضربة قاصمة لمشروعه الموافق عليه أميركياً، كما سيعيق وصوله إلى خلافة أبيه.

في المقابل، يدخل الطرف اليمني مرحلة المفاوضات مدركاً أن عدوه سيجلس على طاولة المفاوضات بلا إسناد، وأنه ليس قادراً على التهديد والوعيد والتلويح بالخيارات العسكرية التي ثبت مرة تلو أخرى أن لا طائل منها. وسيكون موقف اليمن على الطاولة أكثر تماسكاً وتمسكاً بخياراته المبنية على أساس سيادة البلد واستقلاله من الهيمنة والوصاية الخارجية، مثلما أكد زعيم حركة «أنصار الله» السيد عبد الملك الحوثي، في خطابه الأخير مستنداً إلى قدرة البلاد الفعلية والقائمة على ثبات الموقف الميداني وتطويره داخل الحدود السعودية كورقة قوة أساسية، بالإضافة إلى التلويح بتمدد الصراع إلى أماكن أخرى في الجزيرة العربية.
بكلمات أخرى، السعودية لم ترضَ بالانكسار وهي تستصعب الاستمرار بالمواجهة، في موازاة إصرار ومنعة الطرف الآخر الذي لن يرضى بالتنازل، مع فارق القدرة على الاستمرار بالمواجهة عنده برغم التضحيات.

يعني ذلك أن الكلمة الفصل ستكون للجانب الأميركي، الراعي الأول للعدوان ومحركه. وتجدر الإشارة إلى أن موقف الإدارة الأميركية يختلف عن موقف النظام السعودي في هذا المجال، وهي ترضى بعد استنفاد الخيارات وتكرارها بتسوية تحقق لها الحد الأدنى من الأهداف بالاستفادة من موقع اليمن الاستراتيجي، ولا سيما سلامة التجارة العالمية في باب المندب وأمن المياه الإقليمية المؤدية إلى البحار والمحيطات العميقة. ذلك أن واشنطن لا تكترث كثيراً بشكل الحكم في صنعاء، وهنا مكمن التباين الأميركي ــ السعودي، حيث تصر الرياض على الوصاية الكاملة على اليمن. ورغم ذلك، لا تبدو واشنطن، ربطاً بظروف العلاقة الحساسة جداً مع الرياض، بوارد الضغط، لكونه سيفضي إلى مشاكل داخلية في السعودية وخصوصاً أن الحرب تراوح مكانها مع ترجيح يمني. ويزيد من حرج الموقف في العلاقة بين الجانبين التصويت الكاسح في مجلسي الشيوخ والنواب الذي أطاح «فيتو» الرئيس الأميركي باراك أوباما، ضد تشريع يتيح لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من أيلول رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة السعودية للمطالبة بتعويضات.

يبدو أن المشهد اليمني مقبلٌ على تحييد الخيارات العسكرية وتفعيل الخيار التفاوضي، ولكن ليس من منطلق تثمير الإنجازات العسكرية في الميدان، الأمر الذي يعني إما خضوعاً سعودياً لنتائج الميدان والبحث عن مخرج شكلي للحرب، أو إعادة الكرّة من جديد لجولات ميدانية مع المجازفة السعودية هذه المرة بأن «أنصار الله» سوف يكونون أكثر اندفاعاً تجاه الأراضي السعودية.

(لقمان عبدالله / الأخبار)


آخر الأخبار