بالصوَر | مشاهدات لـ’العفو الدولية’ حول الحاجة الماسَّة لتطهير المناطق الملوَّثة بالذخائر في اليمن

إدراكاً لما تمثله الذخائر التي لم تنفجر من مخاطر جسيمة على السكان المدنيين، بدأ "المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام"، وهو الهيئة الوحيدة المعنية بنزع الألغام في اليمن، في إزالة الأسلحة وتدميرها في محافظتي صعدة وحجَّة في مطلع إبريل/نيسان 2016، بالرغم من ضعف إمكاناته من المعدات والتدريب.

 وبالرغم من أنه لم يُعرف حتى الآن مدى التلوث بالذخائر العنقودية بشكلٍ كامل، فإن سجلات "المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام" تبين أن فرق المركز العاملة في محافظتي صعدة وحجَّة تمكنت، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى لعملها، من إزالة ما لا يقل عن 418 من الذخائر الصغيرة الناجمة عن قنابل عنقودية، و810 من الصمامات ومخلفات سلاح المدفعية، و51 من مدافع الهاون، وما يزيد عن 70 صاروخاً.

ومن المفجع أن المركز اضطُر إلى التوقف فجأة عن عمليات التطهير يوم 26 إبريل/نيسان 2016، بعدما لقي ثلاثة من العاملين فيه مصرعهم في حادث انفجار ذخائر عنقودية بينما كانوا يباشرون عملهم في حيران بمحافظة حجَّة. وهؤلاء الثلاثة هم: محمد أحمد علي الشرفي، ومصطفى عبد الله صالح الحرازي، وحسين عبده محسن السلامي.




وفي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال أحمد يحيى علوي، مدير "المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام"، إن أعمال التطهير التي كان يقوم بها المركز قد أُوقفت لحين إجراء تحقيق بخصوص وفاة العاملين الثلاثة، ولكنه يعتقد بأن الوفاة قد حدثت لأن أحد الثلاثة لم يتخذ الاحتياطات الكافية عند إزاحة الذخائر الصغيرة، فضلاً عن قربه من زملائه أثناء قيامه بذلك. وأرجع مدير المركز هذا الحادث إلى افتقار العاملين للتدريب الكافي، بالإضافة إلى أن المعدات التي يستخدمونها بالغة القِدم وغير فعالة.

وأضاف أحمد يحيى علوي موضحاً: "هناك أنواع [مختلفة] من الذخائر العنقودية استُخدمت [من جانب قوات التحالف]، ولكن لم يسبق لنا أن تعاملنا إلا مع أربعة أنواع فقط. وقد فوجئنا بالأنواع الجديدة، فهي أكثر حساسية... ومن الصعب الحصول على متفجرات لتدمير القنابل، كما إن تخزينها خطر. نحن في حاجة لإحضار مدربين من الدول التي صنعت الأسلحة لتدريب العاملين... [و] نحن نبحث عن تقنية أفضل لتدمير هذه القنابل".

وتعليقاً على ذلك، قالت لمى فقيه، كبيرة مستشاري الأزمات في منظمة العفو الدولية: "يجب على الدول المانحة أن تسارع بدعم الجهود المحلية، وأن تقوم على وجه السرعة وبشكل آمن بتحديد وتمييز وتطهير المناطق الملوَّثة بذخائر لم تنفجر، وأن تعمل في الوقت نفسه على توعية المجتمعات المحلية المتضررة بكيفية تجنب المخاطر".

واستطردت لمى فقيه قائلة: "إن التقاعس عن القيام بذلك سوف يكون بمثابة قنبلة موقوتة بالنسبة للمدنيين، بما في ذلك الأطفال، الذين يعيشون في المناطق المتضررة".




ويُعتبر الأطفال، بصفة خاصة، عرضةً لخطر التقاط الذخائر الصغيرة واللعب بها، ظناً منهم أنها لعب، بالنظر إلى شكلها وصِغر حجمها، فبعضها قد يُشبه إلى حدٍ ما علب المشروبات، بينما يشبه البعض الآخر الكُرات.

وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلةً مع صبي يبلغ من العمر 13 عاماً أُصيب في عصر يوم من أيام يناير/كانون الثاني 2016، بعد أن التقط على ما يبدو أحد الذخائر الصغيرة بالقرب من نبعٍ يعتمد عليه أهل المنطقة في الحصول على المياه، وذلك في قرية النُقعة، وهي قرية صغيرة محاطة بأراضٍ زراعية في مديرية الصفراء بمحافظة صعدة، وتبعد مسافة تتراوح بين 20 و25 كيلومتراً من الحدود مع السعودية. وقال أهالي المنطقة الذين تحدثت معهم منظمة العفو الدولية إن كيلومترات قلائل تفصل المنطقة عن جبهات القتال، وأنهم يسمعون أصوات الهجمات البرية المتبادلة خلال فترات احتدام القتال.

وقال الصبي إن القنبلة الصغيرة التي التقطها كانت خضراء اللون وتشبه "الكرة الصغيرة التي نلعب بها". وهذا الوصف يتسق مع وصف الذخائر الصغيرة الناجمة عن القنبلة العنقودية الأمريكية الصنع من طراز (BLU-63).


وروى الصبي ما حدث قائلاً: "رأيتُ القنبلة [الذخيرة الصغيرة] بالقرب من المكان الذي نملأ منه المياه، وكنتُ أمشى هناك عندما رأيتها [على الأرض]. التقطتها ورميتها [جانباً] فانفجرت. أُصبتُ وذهب أخي لطلب النجدة...". وقد خضع الصبي للعلاج في المستشفى لمدة شهرين، وأُجريت له جراحة في بطنه. وقد قال لمنظمة العفو الدولية أن هناك ذخائر صغيرة لا تزال موجودة بجانب النبع.

وفي 1 مارس/آذار 2016، أُصيب صبي آخر، يبلغ من العمر 11 عاماً ويُشار إليه باسم "وليد" (غُيرت أسماء الأطفال الأصلية حرصاً على سلامتهم)، في منطقة قريبة من جراء ذخيرة صغيرة، مما أدى إلى بتر ثلاثة من أصابعه وكسر فكِّه، بينما قُتل شقيقه، البالغ من العمر ثمانية أعوام ويُشار إليه باسم "سامح".

وقال "وليد" لمنظمة العفو الدولية إنه كان مع شقيقه "سامح" بالقرب من قرية الفرد، في مديرية الصفراء بمحافظة صعدة، يوم 1 مارس/آذار 2016، عندما شاهدا عدة ذخائر صغيرة وهما يرعيان الغنم في أحد الوديان. وأضاف "وليد" قائلاً إنه وشقيقه "سامح" ظلا يحملان الذخائر الصغيرة ويلعبان بها لعدة ساعات، إلى أن انفجرت إحداها في نهاية المطاف، في حوالي الساعة الواحدة ظهراً، مما أدى إلى مصرع "سامح" على الفور وإصابة "وليد". وقد لاحظت بعثة منظمة العفو الدولية أنه تم بتر ثلاثة أصابع من يد "وليد" اليمنى، وأُجريت له جراحة لتثبيت شرائح معدنية في فكِّه الأيسر، الذي كُسر من جراء الانفجار. كما أُصيب "وليد" بشظايا في صدره وساقيه.




وروى "وليد" ما حدث آنذاك قائلاً: "نحن نذهب كل يوم إلى الوادي لنرعى الأغنام، وهناك يوجد كثير من القنابل الصغيرة. وجدنا أربع قنابل منها في الصباح... كانت أسطوانية الشكل وعليها شريط أحمر. حملناها معنا ونحن نرعى الغنم. وفي حوالي الساعة الواحدة ظهراً، بدأت أمسك الشريط الأحمر بيدي اليمنى وأشدُّه، وراح ["سامح"] يشدُّه من طرفه الآخر، وعندئذ انفجرت القنبلة ووقعتُ إلى الخلف. وأُصيب ["سامح"] في بطنه وسقط على الأرض هو الآخر. لم نكن نعرف أنها سوف تصيبنا".

واستناداً إلى هذا الوصف، يبدو أن هذه ذخائر من طراز (“ZP 39” DPICM) التي تُقذف من الأرض، وقد وثَّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" استخدامها في شمال اليمن في مايو/أيار 2015.

وفي 16 إبريل/نيسان 2016، قُتل صبي آخر يبلغ من العمر 12 عاماً، بينما أُصيب شقيقه البالغ من العمر تسعة أعوام، عندما كانا يلعبان بذخائر ناجمة عن قنابل عنقودية وهما يرعيان الأغنام في أحد الوديان القريبة من قرية بمحافظة حجَّة التي تبعد حوالي 10 كيلومترات عن الحدود مع السعودية. ووفقاً لما ذكره أهالي الصبيين، فإن جبهات القتال تقع على مسافة كيلومترات قليلة في المناطق المتاخمة للحدود، بينما قال عدد من سكان المنطقة لمنظمة العفو الدولية إن بعض المقاتلين كانوا يُضطرون أحياناً إلى التراجع والعودة إلى القرى القريبة بحثاً عن ملاذٍ من نيران القوات السعودية.

وفي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال الصبي البالغ من العمر تسع سنوات الذي نجا من الحادث:

"وجدتُ القنبلة فذهبت لأعطيها لأخي، لتكون معه واحدة وأنا معي واحدة. وراح هو يضرب الاثنتين في بعضهما البعض فانفجرتا، ووجدت نفسي ملقى على الأرض. دفعني الانفجار إلى الخلف [عدة أمتار]. قبل الحادث بيومين أو ثلاثة كنتُ أذهب مع زميلي ونجمع القنابل ونضعها في حقيبة ونخفيها بين الأشجار. كان عليها شريط أبيض".

وقد لقي شقيقه البالغ من العمر 12 عاماً مصرعه على الفور، بعدما بُقرت بطنه وبُترت ذراعه.

أما والد الصبيين، ولديه 13 طفلاً آخرين، فقال لمنظمة العفو الدولية إن الأسرة لم تعد إلى المنطقة إلا مؤخراً، وكانت قد شُردت من ديارها بسبب الضربات الجوية. وأوضح الأب أنهم كفوا عن الذهاب إلى الوادي منذ الحادث، ولكن لا توجد مناطق آمنة لرعي الأغنام، وأضاف قائلاً: "في المنطقة المجاورة لنا، توجد قنابل عالقة على الأشجار".

وقال بعض رعاة الأغنام الآخرين لمنظمة العفو الدولية إن انتشار الذخائر الصغيرة الناجمة عن قنابل عنقودية في مناطق الرعي قد أجبرهم على الإبقاء على أغنامهم دون رعي وإطعامها بالدّرِيس، وهو باهظ التكلفة ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل مستديم. وفي معظم الحالات، كان المزارعون ورعاة الأغنام يقولون لمنظمة العفو الدولية إنه لا يوجد خيار أمامهم سوى العمل في المناطق الملوَّثة بالقنابل بالرغم من المخاطر.

وفي معرض التعليق على ذلك، قالت لمى فقيه: "إن أثر العدد الكبير من الذخائر التي استخدمتها قوات التحالف بقيادة السعودية وارتفاع معدلات انفجارها لم يقتصر على القتل والتشويه فحسب، بل امتد إلى إلحاق أضرار بالغة بسُبل العيش، حيث نفقت أعداد من الماشية وأصبحت الأراضي الزراعية بمثابة حقول ألغام في واقع الأمر، كما تضررت أعمال رعي الماشية وحصاد محاصيل الموز والمانجو والطماطم".

وفي كثير من الحالات، قال مدنيون ممن عادوا إلى ديارهم لمنظمة العفو الدولية إنهم أصبحوا يُضطرون إلى إزالة الذخائر بأنفسهم، خوفاً من أن يلتقطها الأطفال أو أن تصيب ماشيتهم.

ففي حديث مع منظمة العفو الدولية، قال هندي إبراهيم، وهو مزارع وأب لطفلين ويبلغ من العمر 25 عاماً ومن سكان قرية دغيج في مديرية حيران بمحافظة حجَّة، إنه أُصيب في ذراعه من جراء انفجار بينما كان يحاول مع آخرين من أهالي القرية إزالة مئاتٍ من الذخائر الصغيرة الناجمة عن قنابل عنقودية من قريتهم. وأضاف قائلاً:

"حدثت الضربة الأصلية في أواخر يوليو/تموز أو أغسطس/آب خلال النهار، وانفجرت [بعض] القنابل الصغيرة. وكانت هناك أيضاً طائرات أباتشي [مروحية] تقصف الناس وهم يجرون. كانت هناك حوالي 500 قنبلة في مختلف أنحاء القرية... وكنا نريد أن نزيلها. كان بعضها داخل البيت في الفناء وفي المطبخ... ظل [مسؤولو "المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام"] يعطوننا وعوداً بأنهم سيأتون، ولكنهم لم يأتوا إطلاقاً. قالوا لنا إنهم مشغولون في مناطق أخرى. وبحلول فبراير/شباط، كنا مضطرين لإزالتها بأنفسنا بسبب [المخاطر على] الأطفال. في ذلك الوقت دخلتُ البيت ووضعتُ 10 [من الذخائر الصغيرة] على صينية وحملتُها إلى خارج البيت. بدأت القنابل ترتطم ببعضها البعض وانفجرت إحداها. وقعت الصينية من يدي، فانفجرت باقي القنابل".

 وقد أُصيب هندي إبراهيم بجروحٍ ناجمة عن الشظايا في كوع يده اليمنى والجانب الأيمن من البطن وفي الفخذ الأيمن.

كما التقت منظمة العفو الدولية مع شقيق هندي إبراهيم، ويُدعى ويدي إبراهيم ويبلغ من العمر 30 عاماً، ومع ابن اخته، ويُدعى يحيى شوقي ويبلغ من العمر 15 عاماً. وقد أُصيب الاثنان أيضاً وهما يحاولان إزالة الذخائر من القرية. وذكر هندي إبراهيم أن اثنين آخرين من أهل القرية لقيا مصرعهما خلال الشهور الأخيرة، عندما التقطا بعض الذخائر فانفجرت فيهما.


(موقع منظمة العفو الدولية)

آخر الأخبار