أهمية سيطرة ’انصار الله’ على مدينة الربوعة السعودية

ليس هناك من مثال يعطي صورة واضحة عن أهمية وترابط وتأثير الميدان على المفاوضات اكثر من الحرب اليمنية او بتعبير اوضح العدوان على اليمن. ما يجري على الارض يفرض ايقاعه على المفاوضات في مسقط او جنيف او عواصم اخرى كموسكو والرياض، او حتى في صنعاء عبر مندوب الامم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ احمد. على أن اللاعبين الاساسيين هما المملكة أولا من خلال تحكّمها العسكري جواً وبراً وبحراً في هذه الحرب وثانياً الجيش اليمني واللجان الشعبية وانصارالله .

 

 هناك نقطتان اساسيتان تميزان الميدان اليمني، الاولى تتمحور حول الفشل الواضح لمجموعة الرياض بكافة اطرافها في تحقيق هدفها الاساس وهو السيطرة على صنعاء، حيث التعثر سيد الموقف لوحداتها على محاور التقدم الثلاثة في مأرب شرقا والحُديدة غرباً وتعز جنوباً. فالمعارك التي تعنف على المحاور الشرقية والجنوبية وبنسبة أقل الغربية، تشهد تبدلات في مواقع السيطرة مع تزايد خسائر الوحدات المدعومة سعودياً وبروز افضلية ظهرت مؤخراً في تقدّم وسيطرة الجيش واللجان الشعبية وانصار الله خاصة بعد استعادتهم المبادرة إثر الخسائر الموجعة للوحدات المذكورة والمدعومة سعوديًّا في صافر وصرواح شرقا وفي اغلب مواقع تعز غرباً، ويبدو من خلال سير المعارك عدم وجود الامكانية لاحداث اي خرق نحو صنعاء على ايٍ من هذه المحاور الثلاثة.

 

النقطة الثانية التي يشهدها الميدان اليمني تتمحور حول التقدم اللافت للقوات اليمنية داخل الاراضي السعودية في المحافظات الحدودية الثلاث مع اليمن في نجران وعسير وجيزان، والذي يترافق مع السيطرة على مدن وبلدات سعودية وآخرها كان على اغلب نواحي واحياء مدينة الربوعة في محافظة عسير شمال صعدة مباشرة، وهذا التقدم الميداني داخل الاراضي السعودية هو نتيجة مسار من العمليات العسكرية اليمنية شمالاً، بدأ الجيش وانصار الله بتنفيذها بعد القرار المفصلي للقادة الحوثيين بإتخاذ خيارات استراتيجية رداً على العدوان السعودي على ارض وشعب اليمن، وسبق ذلك ان تمت السيطرة على بلدات ومواقع ومراكز كثيرة في المحافظات الحدودية المذكورة .

 

هذا المسار من التقدم داخل اراضي المملكة ظهر في البداية بالنسبة للسعوديين وكأنه هروب الى الامام تنفذه جماعة انصار الله نتيجة خسارتها المحتّمة في الداخل اليمني، معتبرين (اي السعوديين) ان لا أفق لهذا التحرّش الحدودي، فالمسافات شاسعة وطبيعة الارض صعبة والمراكز الحدودية محصًنة جيدا ومجهّزة بمناظير مراقبة ورصد حديثة وباسلحة اميركية باهظة الثمن وقد صُنّع قسم منها بمواصفات محدّدة خصيصاً للطبيعة الصعبة لحدود المملكة الجنوبية  او الجنوبية الغربية، وبالتالي فالموضوع تحت السيطرة ولندع انصار الله يضيّعون وقتهم وجهودهم ولا ضرورة لإعطاء الموضوع اكثر من حجمه .

 

الآن وبعد السيطرة على الربوعة، لم يعد ممكناً اعتبار الموضوع بسيطاً، او لم يعد ممكناً اعتباره هروباً الى الامام، فالربوعة وعلى الرغم من كونها مدينة صغيرة، وعلى الرغم من تواجدها على مقربة من الحدود اليمنية، فهي تتميز بأهمية استراتيجية وجغرافية قد تشكّل في حال اعتُمِدت كنقطة ارتكاز عسكرية ، قاعدة انطلاق لتطوّر ولتوسّع ولتمدّد الوحدات اليمنية (الجيش واللجان الشعبية والقبائل وانصار الله  في اكثر من إتجاه داخل الاراضي السعودية وذلك على الشكل التالي :

 

- انطلاقاً من الربوعة يمكن التقدم شرقا باتجاه مدينة نجران عاصمة المحافظة وذلك بعد السيطرة على مدينة ظهران الجنوب، وتنفيذ مهاجمة على امتداد منطقة مندبة الحدودية لتترافق مع ضغط ومساندة من الداخل اليمني باتجاه مدينة نجران المذكورة.

 

- شمالاً، وانطلاقاً من مدينة الربوعة يمكن للوحدات اليمنية التقدم والسيطرة على نقاط حيوية في "الحراجة" و"درب الموسى" والتي تعد نقاطا اساسية تربط المناطق الحدودية في نجران وعسير بقاعدة الملك خالد العسكرية في خميس مشيط وتتابع تقدمها امتداداً باتجاه شمال غرب نحو مدينة " أبها " الحيوية .

 

- جنوباً، وانطلاقاً من مدينة الربوعة يمكن الانطلاق والتمدّد والسيطرة على النقاط الحيوية في  "وادي العمود" غرباً وفي "عداير" جنوباً والتي تربط مدن وبلدات عسير الحدودية بمدن وبلدات جيزان الحدودية .

 

هذا السيناريو المذكور في التمدّد من الربوعة في اكثر من اتجاه في الداخل السعودي، يبدو للوهلة الاولى مجرد افكار او احلام ميدانية إذ لا حظوظ له بالنجاح في ظل المسافات الشاسعة وصعوبة الارض والسيطرة الجوية والبرية للوحدات السعودية داخل المناطق المذكورة ولكن، من خلال إجراء تحليل مركّز في دراسة ميدانية لهذه المناطق ولطريقة انتشار وتمرّكز الوحدات السعودية على المراكز والمواقع الحدودية، وتبعاً للتجارب السابقة حديثاً خلال المعارك التي نشبت بين حامية هذه المواقع وبين القوات اليمنية التي هاجمتها، يتبين انه يوجد إمكانية وبنسبة مرتفعة لنجاح هذه العمليات في المناطق الداخلية السعودية والتي من المنطقي والطبيعي والواقعي ان لا تكون مجهّزة كالمراكز الدفاعية الحدودية التي لم تستطع مواجهة هجمات الوحدات اليمنية بالحد المطلوب، وحيث تمكنت الاخيرة من إحداث اكثر من خرق في اكثر من موقع دفاعي بالرغم من التجهيز المتطور بالاسلحة والعتاد والاليات العسكرية.

 

من هنا تأتي اهمية السيطرة على مدينة الربوعة في محافظة عسير وبالتالي تأتي القيمة الاستراتيجية لهذه الخطوة التي سوف تشكّل بالتأكيد في حال تم تثبيتها وتحصينها ميدانياً وعسكرياً بالعديد وبالعتاد اللازم، نقطة تحوّل اساسية في الحرب على اليمن او في المواجهة مع المملكة، هذه المواجهة التي اصبحت واسعة ومفتوحة على كل الاحتمالات في ظل الخيارات الاستراتيجية اليمنية التي يبدو انها في طريقها نحو التوسع والتمدد .

 

(شارل أبي نادر - عميد متقاعد / موقع العهد)

آخر الأخبار