لماذا لا تفاوِض ’انصار الله’ على الانسحاب من اراضي المملكة؟

عندما استعادت قوات الرياض (هادي والاصلاح والقاعدة وقسم من الحراك الجنوبي) مدن الجنوب اليمني ومنها عدن، تحت غطاء جوي وبحري واسع وبدعم مباشر من وحدات خليجية متعددة تم انزالها في اكثر من موقع على شواطىء ومدن ساحل اليمن الجنوبي، ظن هؤلاء ان الجيش واللجان الشعبية و"انصار الله" على وشك الاستسلام، خاصة بعد ان اعادوا انتشارهم بسرعة وانكفأوا باتجاه الداخل اليمني وسطا وشمالا .

 

عند ذلك نقض محور الرياض المذكور أغلب وعوده للمبعوث الاممي والتي كان قد قطعها بموافقته على حوار واسع ومفصل اكمالا لجولات سابقة في جنيف وفي مسقط حول ايجاد تسوية سلمية اساسها قرار الامم المتحدة رقم 2216 ، مع اقتراحات من الطرفين بتعديل بعض البنود وإدخال اخرى، واعلن وقف المفاوضات ووضع خطة واسعة تحت عنوان "تحرير صنعاء "وفرض امر واقع من خلال شروط تعجيزية بدت غريبة  للمجتمع الدولي والعربي.

 

في الحقيقة لم يكن انسحاب الجيش واللجان الشعبية وانصار الله من الجنوب واعادة انتشارهم وسطا وشمالا نتيجة ضعف ميداني او عسكري او شعبي ،  بل كان السبب في ذلك عدم رغبتهم اساسا بالبقاء جنوبا لاسباب متعددة منها اولا افساح المجال من خلال تقديم بادرة حسن نية للشروع بتسوية سلمية وثانيا انخراطهم بمفاوضات شبه سرية مع قسم وازن من الحراك الجنوبي الذين كانوا يعملون ضمن اجندة مستقلة عن محور الرياض لها توجهات وطنية صادقة تحت شعار انقاذ الجنوب وابعاده مرحليا عن النزاع الدموي من خلال ادارته بطريقة مستقلة الى حد ما، ريثما يتم ايجاد حل كامل لاغلب مشاكل اليمن شمالا وجنوبا .

في قراءة موضوعية للوضع الميداني حالياً في اليمن نجد ما يلي :

على الحدود الشمالية مع المملكة، يسيطر الجيش وانصار الله على قرى عديدة في جيزان على تخوم مدينة الخوبة التي هي تحت السيطرة النارية لهؤلاء ، وفي عسير يتوسعون ايضا اعتبارا من مدينة الربوعة السعودية على كامل المنطقة الحدودية في تلك البقعة، وفي نجران تزداد مناطق سيطرتهم وتضعف يوما بعد يوم قدرة حرس الحدود والوحدات السعودية على ايقاف هذه السيطرة لاسباب معنوية وعسكرية تتعلق بضعف الرغبة لدى القوات السعودية بالقتال الذي يعتبرونه دون أي جدوى وبانه يحصل لاسباب غير وطنية ولا يخدم مصلحة الشعبين الجارين الشقيقين .

في الداخل اليمني، في تعز والبيضا، فشلت ولاكثر من مرة محاولة السيطرة على تعز والتقدم شمالا باتجاه صنعاء عبر دهمار ويتكبد محور الرياض خسائر كبيرة في العديد وفي العتاد، كما وتزداد يوما بعد يوم مواقع سيطرة الجيش واللجان الشعبية وآخرها سيطرتهم على الوازعية الحيوية لتقوية محور "تعز- المخا" الاستراتيجي ويتقدم هؤلاء في البيضا شرقا عبر مكيراس ولودر امتدادا لمسك المحور الجنوبي الشرقي ابين – شقرا  او الشرقي البيضا – شبوة.

في الداخل، في مأرب: تمثل مأرب ام المعارك بالنسبة لمحور الرياض الذي ما زال حتى الان وعلى الرغم من خسائره الكبيرة واللافتة وفشله الدائم على هذه الجبهة في تحقيق اي انتصار، يحاول باستمرار التقدم نظراً لاهمية هذا المحور في مناورته للوصول الى صنعاء او للتوجه شمالا باتجاه الحجة او صعدة او الجوف او للالتفاف جنوبا باتجاه تعز عبر دهمار ، كما وتزداد اهمية هذا المحور بالنسبة له نظرا لكونه الامتداد الطبيعي والميداني لخزانه  البشري من وحدات القبائل التي يدربها منذ فترة طويلة في معسكرات شرورة في جنوب شرق نجران في السعودية ، وذلك عبر معبر ( الوديعة – عبر – صافر – مأرب  .

جنوبا في عدن، تسود حالة من الفوضى القاتلة في المدينة الجنوبية التي اصبحت منطقة سيطرة للقاعدة ولداعش ولخليط مسلح ينشر القتل والخطر في كافة انحاء المدينة، وحيث انكفأت وحدات حكومة الفار هادي من الشوارع مفضلة حماية ما تبقى من اشباه مؤسسات الاذعان المفروضة من المملكة ، عاد غالبية وزراء هذه الحكومة الى الفنادق الفخمة في الرياض يمارسون سلطتهم الفارغة عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي .

من ناحية اخرى، بعد سبعة اشهر على النزاع الدموي الداخلي، وبعد ان دمرت البنى التحتية والمؤسسات العامة والخاصة وبعد المجازر الفظيعة بحق الشعب اليمني المظلوم وبعد فشل ميداني كامل لمحور الرياض في الداخل اليمني ، وبعد فشل تام للوحدات السعودية في استعادة مناطقها ومراكزها الحدودية التي سيطر عليها الجيش اليمني وانصار الله وبعد عجز هذه الوحدات على اعادة التوازن الى الحدود مع اليمن والتي اصبحت ساحة صراع عسكري  مفتوحة على عدة احتمالات، قبلت حكومة الرئيس الفار عبد ربه هادي منصور بالحل السياسي وبدء مفاوضات مباشرة مع انصار الله والمؤتمر الشعبي العام في جنيف وباشراف الامم المتحدة وعلى خلفية القرار المذكور 2216 وبالاستناد الى مذكرة النقاط السبع التي كانت قريبة من موافقة انصار الله وبعيدة عن موافقة حكومة هادي ومن خلفها المملكة السعودية .

واخيرا ، وتبعا للوقائع السابقة حول التهرّب الدائم لفريق الرياض من الدخول بالمفاوضات للوصول الى تسوية سلمية توقف الحرب والقتل والدمار ، وبعد ان كان يناور في ذلك ظاهريا مراهنا في الوقت نفسه على تقدم ما في الميدان كان يحضّر له في الخفاء ويعمل لتحقيقه في اكثر من محور ومن جبهة داخلية، وحيث انه دائما كان يفشل في ذلك ليعاود الكرة مرة اخرى ومن خلال مناورة خبيثة اخرى، لا يمكن الآن الوثوق بصدقه لناحية قبوله بالمفاوضات بل يجب التنبه وبشدة لما قد يكون بصدد التحضير له في الميدان وعلى كافة المحاور والجبهات ، واكثر من ذلك واستنادا الى فشل هذا الفريق في كل ما تم ذكره، فلا وجود مانع من ان يكون الآن عنوان المفاوضات مع الجيش اليمني وانصار الله هو انسحابهم من المواقع الحدودية السعودية ووقف تقدمهم داخل اراضي المملكة، مقابل انسحاب كامل الوحدات الخليجية والغريبة من الاراضي اليمنية وانكفاء كامل للتدخل السعودي السياسي والعسكري من اليمن ، وترك اللعبة الداخلية اليمنية تأخذ طريقها في المفاوضات الصريحة والشفافة بين ابناء البلد الواحد تحت شعار حفظ حقوق الجميع وإبعاد القاعدة وداعش وما يمثلان من تشدد بشكل كامل عن الداخل اليمني .

 

(شارل أبي نادر - عميد متقاعد/ موقع العهد)

آخر الأخبار