خاص | روح اليمن توحّد محور المواجهة

أحمد فؤاد - كاتب عربي مصري في لحظات الأمم الفارقة، الملهمة، يتحول الحياد إلى خيانة كاملة لكل مقدس، ديني أو وطني، ويتحول دخان التشكيك إلى نوع من الطعن بالخناجر في ظهر الوطن العاري، ثم يندرج تصديق "إعلام العدو" في بند الغباء المستحكم.
وعلى رأس صفوف الشعوب والمقاومة –في آن- تقف الثورات، وقيادتها، مطالبة بأكثر من الكلمات، وأعمق من التضامن، وأشد من التحركات الباهتة، القيادة الحقيقية للشعوب يتوجب عليها –الآن وعلى امتداد المنطقة العربية والإسلامية- إعلان موقف قاطع لا لبس فيه، فالمعركة لم تعد تخص قطرًا واحدًا أو شعبًا بذاته، بل هي معركة أميركية على كل المنطقة، وتستهدف، أول ما تستهدف، كل سلاح يقف في خندق المقاومة، ويُحسب عليها، أو حتى لا يصطف بالكامل مع الصهيوني والأميركي.
ويقف المثقف والكاتب، وكل مهموم بالوطن، سيجد مكانه قطعًا في الصف الثاني، خلف الممثل الحقيقي لكرامة الشعوب العربية والإسلامية، التي تخوض حربًا لها ما بعدها، إما منطقة تكون مراعي للغرب وواشنطن، أو منطقة خارج النفوذ الشيطاني للويلات المتحدة –لا خطأ إملائي في الكلمة فهي ويلات بالفعل لكل عربي وكل مسلم وكل حر.
لا حياد اليوم ولا تعمية في المواقف، فالموقف واضح قاطع، ولا طرق مراوغة نحو الوهم وخيار "بين بين".
الضربة التي وجهتها الجمهورية الإسلامية، بيد أبطال الحرس الثوري، على أكبر قاعدة أميركية بأرض الرافدين، وضعت المنطقة على حافة الغليان، الغليان التالي للعاصفة لا السابق عليها، سخونة الأحداث ترسم مستقبلًا مغايرًا، وبالكلية، وهي وإن كانت ضربة غير مسبوقة، فإن التعامل الأميركي المرتعش المتردد الضعيف معها، أكمل الصورة الجديدة، التي استشهد في سبيلها الآلاف من زهرة شباب محور المقاومة، وآخرهم القائدان الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
الويلات المتحدة، وبعد حملة الأكاذيب المتضاربة التي أخرجتها في عجالة عن عدم إصابة أو قتل أي فرد من جنود احتلالها بالعراق، بدأت تعلن في اقتضاب عن مصرع أفراد لها في مختلف أنحاء العالم، وحتى اليوم هناك إعلانات عن مقتل 4 من جيشها في أفغانستان وألمانيا، والأيام المقبلة ستحمل المزيد من قتلى "الحوادث الغامضة".
لكن الصورة الكاملة لما حدث ليلة الكرامة، كانت الحاضر الأول في حديث السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، خلال خطابه مطلع الأسبوع، والذي وضع بالفعل أول تصور كامل لمرحلة ما بعد العلو الأميركي، أو بمعنى أدق "مرحلة الأفول" الإمبريالي.
وقبل الدخول في ما أراد السيد الحوثي إيصاله، لا بد من وقفة تحيي وتكرّم وتشدّ على يد كل يمني، فالبلد الوديع الذي تعرض لغارات مدة 5 سنوات كاملة، وكان الإعلام العربي النظامي والعالمي يستكمل جريمة دول العدوان بالصمت والتعتيم وصرف الأنظار، يخرج من أجل فلسطين بمناسبة وبدون، ويخرج من أجل شهداء محور المقاومة، ويهاجم الكيان الصهيوني ويتوعده بالتدمير، ويضع قوته ويضم سلاحه إلى إخوانه المجاهدين، في عظمة إيمان يندر أن يصادفها المرء ويعايشها واقعًا.
السيد الحوثي، استمر في خطابه على تأكيد قناعته بأن عدو اليمن الأول هو الولايات المتحدة، رغم عدم وقوفها رسميًا وراء الحرب، هي تصدر أتباعها للسيطرة على الأرض والشعب في اليمن، بينما تقف بعيدًا تنتظر الثمرة الناضجة، لتستمع بها.
لكن أهم ما جاء في الخطاب "التاريخي"، هو تعبير تجزئة المعركة، الذي تعمد إليه واشنطن، وتروج له الأبواق العربية الخائنة، بكسر وحدة محور المقاومة، وترك كل دولة تواجه العدو بمفردها، وكأن الخسارة هنا محتملة!.
الكلمة جاءت في مناسبة الذكرى السنوية للشهيد، وخرجت كمعاهدة للدم الزكي، على أن لا تراجع ولا تسليم ولا تهاون في الحقوق المشروعة للشعوب، وأكملها السيد الحوثي بنصيحة ورجاء لمن شذ عن الصف المقاوم، داعيًا الأنظمة إلى إعادة حساباتها، لمصلحتها ومصلحة شعوبها.
اليمن الذي ينزف منذ سنوات، وثبت في وجه قوى العدوان، وتحرك خلال العام الأخير 2019، لضرب قواعد ومدن السعودية، ويقف اليوم معاهدًا لدم الشهداء السادة في محور المقاومة، ليس مجرد إضافة قوية للخندق المقاوم، بل هو روح وإيمان ويقين يضم صفوفه لصفوف من يقف ضد الهيمنة والغطرسة الأميركية، على امتداد المنطقة والعالم.
الرسائل في خطاب السيد الحوثي كانت كثيرة ولعل أهمها على الإطلاق قوله "نصًا": "أمريكا تقود تحالفات بوجه الشعوب، وفي المقابل يجعلون من اتحاد الأمة إدانة عليهم وتهمة"، و"المعادلة الأميركية أن تقتلنا ونسكت، وأن تتدخل في كل الشؤون ونذعن، هي معادلة غير مقبولة لدى أحرار الأمة، فأحرار الأمة الذين يتحركون في كل الميادين من اليمن إلى لبنان إلى فلسطين والعراق إلى إيران لن يقبلوا بواقع الاستباحة الأميركية".
الخروج من عصر الارتهان للأميركي، والذي تحول خلال السنوات الأخيرة للعبودية للصهيوني، جهارًا نهارًا، من أنظمة خانت شعوبها وباعت قضيتها، بغير رداع من ضمير أو شرف أو دين، مشروط بالتوحد قبل الإرادة، وبالإيمان قبل العمل، مراحل التحولات التاريخية لا تنقضي بين يوم وليلة، ومحور الشر على رأسه "مجنون" هو ترمب، قد يقرر في وقت ما أنه يعلنها حربًا مفتوحة، مستفيدًا من واقع سيطرة المترددين والخونة على صنع القرار في أكثر من عاصمة عربية، وهو الوضع المهدد بالزوال، كما حدث في السودان، وربما قريبًا في غيرها.
"إنَّما أُكِلْتُ يَومَ أُكِل الثَّورُ الأبيَضُ".. المقولة المُلخصة لحكمة القرون قلما تجد عربيًا لا يعرفها، وهي من خلاصة وعيون حكم الشرق، إذ اجتمع فيها الأصل الهندي مع الثقافة والحكمة الفارسية، ثم اللسان العربي، ممثلًا في ترجمة غير حرفية لابن المقفع، لتضع الشرط الأهم لاستكمال العبور للمرحلة الجديدة، بعد أن تكفلت أيادي الحرس الثوري الإسلامي، من تلاميذ ورفاق الشهيد قاسم سليماني بافتتاحها في عين الأسد.

 

راصد اليمن | خاص

 

آخر الأخبار